الحرب في أوكرانيا تعزز "مصداقيّة" الاستخبارات الأميركية

10 مارس 2022
تستمرّ عمليات إجلاء المدنيين من عدد من المدن الأوكرانية (Getty)
+ الخط -

بعدما فوجئت بسقوط كابول الخاطف في أغسطس/آب الماضي، واتُّهمت في 2003 بتقديم أدلة خاطئة على وجود أسلحة دمار شامل لدى الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين، عززت الاستخبارات الأميركية صدقيّتها مع الحرب على أوكرانيا، التي نبّهت منها مراراً في الأشهر الأخيرة، وتوقّعتها بدقّة كبيرة.

بحسب مسؤولين أميركيين تواصلت معهم وكالة "فرانس برس"، أدرك الجيش الأميركي منذ أكتوبر/تشرين الأول، أن تحرّكات القوات الروسية عند الحدود الأوكرانية التي كانت موسكو تقدّمها على أنها تدريبات عسكرية، "لم تكن عادية"، إذ إن الانتشار العسكري المخصص لمناورات، ليس بالحجم نفسه للانتشار اللازم لتنفيذ غزو. أبلغ البنتاغون البيت الأبيض بمخاوفه، وبدأت الاستخبارات الأميركية فوراً العمل لمحاولة معرفة المزيد من المعلومات عن الأمر.

كان بعض مستشاري الرئيس الأميركي جو بايدن مترددين، لكن الأخير أخذ الموضوع على محمل الجدّ فوراً. في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني، أرسل بايدن مدير وكالة الاستخبارات المركزية وليام برنز إلى موسكو، لعقد لقاءات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأعرب برنز، وهو سفير أميركي سابق لدى موسكو، يتقن اللغة الروسية، لبوتين عن مخاوف واشنطن "الجدية" بشأن تحرّكات القوات الروسية، وفق ما أفادت محطة "سي أن أن" آنذاك.

دقّق ستة ضباط في مديرية الاستخبارات التابعة لهيئة الأركان الأميركية بالمعلومات التي تلقّوها من محللي وكالة الاستخبارات المركزية وأجهزة الرصد التابعة لوكالة الأمن القومي، ووكالة الاستخبارات العسكرية الأميركية، لمعرفة خطة هجوم القوات الروسية.

محاور الهجوم

أفضت جهودهم في يناير/كانون الثاني، إلى وضع خريطة للمنطقة تُظهر بدقة لافتة محاور هجوم الجيش الروسي، من شمال كييف، ومن الشرق عبر خاركيف، ومن الجنوب عبر ماريوبول. اتخذت إدارة الرئيس بايدن التي كانت ترغب في توقّع الهجوم، والقضاء على محاولات التضليل الإعلامي الروسي التي توقعتها، قراراً سريعاً بالكشف للرأي العام عن كمٍّ غير اعتيادي من المعلومات المصنّفة من أسرار الدفاع.

مطلع فبراير/شباط، أكد المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي، أن موسكو تعتزم تصوير "شريط دعائي عنيف جداً، سيُظهر جثثاً وممثلين يلعبون دور أشخاص في حداد"، يزعمون أنهم تعرّضوا لهجوم من جانب أوكرانيين، بهدف استخدامه كذريعة لغزو أوكرانيا. بعد فترة وجيزة، دُعي صحافيون إلى لقاء مع مسؤولين كبار في الاستخبارات، نادراً ما يتحدثون للصحافة. وقد أُبلغوا أن روسيا تكثّف الاستعدادات لغزو واسع النطاق لأوكرانيا. وعُرضت عليهم خريطة تُظهر التحركات الروسية المرتقبة. وأُعطي لهم حتى تاريخ متوقع لبدء الهجوم، هو منتصف فبراير/شباط بعد انتهاء الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين.

وقوبل السيناريو الذي نُشر في ذلك اليوم على وسائل إعلام العالم بأسره، بتشكيك في أوروبا.

التاريخ

أُرجئ التاريخ المفترض للغزو بضعة أيام، لكن الإدارة الأميركية كانت واثقة تماماً من معلوماتها الاستخباراتية، حتى إن مساء 23 فبراير/شباط، أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن الهجوم قد ينطلق "قبل انتهاء الليل". صباح 24 فبراير/شباط، اقتحمت القوات الروسية أوكرانيا. وتبيّن أن سيناريو الاستخبارات الأميركية دقيق، مع بضعة استثناءات.

لم يتوقع المحللون الأميركيون المقاومة الشرسة من جانب الأوكرانيين، وتصميم الرئيس فولوديمير زيلينسكي، الذي أبهرت شجاعته الشعب. وقد أعربوا عن خشيتهم من سقوط كييف خلال 48 ساعة، وإطاحة زيلينسكي فوراً لاستبداله بنظام موالٍ لروسيا.

بعد أسبوعين، لا تزال كييف صامدة، فيما وقف أعضاء البرلمان البريطاني مصفقين بحرارة للرئيس الأوكراني عندما ألقى خطاباً أمامه عبر خدمة الفيديو من كييف.

وكانت الاستخبارات الأميركية تخشى أيضاً أن يُصاب الجيش الأوكراني بشلل بسبب هجمات إلكترونية روسية منذ بدء النزاع. إلا أن كييف حدّثت جيشها، لكنّها لم يكن لديها الوقت الكافي لتجديد طائراتها التي يعود تاريخها إلى الحقبة السوفييتية، وتستخدم نظام الاتصالات اللاسلكية نفسه الذي يستخدمه الجيش الروسي. وبالتالي لا يمكن روسيا أن تشلّ الجيش الأوكراني من دون شلّ جيشها.

وتوقّعت الاستخبارات أن يكلّف النزاع ثمناً إنسانياً باهظاً، مع خطر مقتل 25 إلى 50 ألف مدني، وبين خمسة آلاف و25 ألف جندي أوكراني، وما بين ثلاثة وعشرة آلاف جندي روسي. وتحدثت أيضاً عن خمسة ملايين لاجئ أوكراني، نحو بولندا بشكل أساسي.

بعد 14 يوماً من المعارك، يقدّر البنتاغون أن عدد القتلى الروس يراوح بين ألفين وأربعة آلاف، وقد فرّ أكثر من مليونَي لاجئ أوكراني من البلاد، بحسب الأمم المتحدة.

(فرانس برس)