الحراك المدني العراقي بعد الانتخابات المحلية: جبهة معارضة بديلة قريباً

21 يناير 2024
من انتخابات مجالس المحافظات في الموصل، ديسمبر 2023 (إسماعيل عدنان يعقوب)
+ الخط -

لم تكن النتائج التي حصلت عليها الأحزاب المنضوية في الحراك المدني العراقي في الانتخابات المحلية (مجالس المحافظات)، التي أجريت في 18 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، مفاجئة بالنسبة للمراقبين والباحثين في الشأن السياسي العراقي.

ويعود ذلك إلى العزوف الشعبي الكبير عن المشاركة في الانتخابات، بالإضافة إلى غياب الاتفاقات واختلاف آليات العمل بين مكونات هذه الأحزاب التي تحمل العنوان المدني أو الليبرالي، في حين أن بعضها لم يُوفّق في تأسيس تنظيمات واضحة جراء الاستعجال في الحصول على المكسب السياسي قبل الثبات على الأرض، وسرعان ما تشظت هذه الأحزاب عقب الإعلان عن النتائج.

مصادر الحراك المدني: سيُعلن عن جبهة معارضة مدنية

وأكبر التحالفات المدنية التي شاركت في الانتخابات المحلية الأخيرة هو تحالف "قيم" المدني، المكون من الحزب الشيوعي العراقي و"الحركة المدنية الوطنية" و"التيار الاجتماعي الديمقراطي"، إلى جانب عدد من الأحزاب الجديدة والحركات السياسية التي شُكّلت عقب انتهاء الاحتجاجات الشعبية في عام 2019.

وعلى الرغم من الخسارة المتوقعة للتحالف، إلا أن الصدمة منها باتت تهدد مستقبل الشراكة بين هذه الأحزاب، واستمرار عمل التحالف، الذي لم يعقد أي جلسة أو اجتماع بين أطرافه منذ إعلان نتائج الانتخابات. كما اختفت بيانات التحالف المشتركة بشأن الأحداث السياسية والمشاكل الاجتماعية وغيرها من المتغيرات.

تراجع الحراك المدني العراقي انتخابياً

وحصل تحالف "قيم" على ستة مقاعد فقط في 15 محافظة شارك فيها في انتخابات ديسمبر، وكشفت مصادر سياسية فاعلة في الحراك المدني العراقي أن "المدنيين الفائزين بمقاعد مجالس المحافظين، وهم ستة أشخاص، ليسوا جزءاً أصيلاً من تحالف قيم، بل شاركوا فيه كمظلة سياسية ضمن لعبة الأرقام التي تمنح الأفضلية من الترشح بصفة منفردة".

وأضافت المصادر لـ"العربي الجديد" أن "الحزب الشيوعي العراقي، أقدم الأحزاب العراقية وأكثرها تنظيماً، لم يحصل على أي نتيجة تؤهله للحصول على مقعد واحد، بالإضافة إلى الحركة المدنية الوطنية والتيار الاجتماعي وحركة نازل آخذ حقي".

وأوضح عضوان في تحالف "قيم"، أن "أسباب خسارة التحالف في الانتخابات كثيرة، ومنها عدم القراءة الواضحة للوضع الاجتماعي العراقي ونقمة العراقيين من النظام السياسي بالكامل، بالإضافة إلى الاستعجال في المشاركة في العملية السياسية والتناقض في خطاب التحالف نفسه، الذي كان يرى أن الانتخابات مخترقة ويتحكم بها المال السياسي".

وأشار أحدهم، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "فشل تجربة تحالف قيم قادت إلى فشل تجربة كاملة، بالتالي، فإن الآثار الجانبية التي تركتها خسارة المدنيين قاسية أكثر من الخسارة نفسها".

وأضاف عضو آخر في تحالف "قيم"، لـ"العربي الجديد"، أن "قادة التحالف لم يجتمعوا معاً ولم يناقشوا ملف الانتخابات وخطوات العمل المقبلة منذ ديسمبر الماضي، وقد لا يحدث أي اجتماع في المرحلة المقبلة، ما يُشير إلى أن الخلل بنيوي واستراتيجي في عمل التحالف. وقد يمضي إلى التفكك والعودة مرة أخرى إلى صيغة العمل المنفرد".

ورأى أن "المستقبل غير واضح بالنسبة للأحزاب المدنية، لكن قد تنشأ جماعات سياسية مدنية جديدة، تعمل بمنأى عن الأحزاب المدنية المعروفة".

ولا يبدو الحراك المدني العراقي في سبات حالياً، إذ تنشغل قوى شبابية وأخرى من صحافيين وإعلاميين لإعلان تشكيل جبهة سياسية جديدة تحمل عنوان المعارضة.

وأفادت مصادر داخل الحراك المدني، من المنخرطين في العمل السياسي غير المنظم، بأن "استعدادات تجرى في بغداد للإعلان عن جبهة معارضة مدنية قوامها من الشباب العلمانيين الذين لم يشاركوا في الانتخابات السابقة، وأن هذه الجبهة تحظر انضمام أي من الأحزاب التي شاركت في الانتخابات المحلية الأخيرة، وتحديداً الحزب الشيوعي العراقي والمكونات الأخرى ضمن تحالف قيم المدني".

وكشفت المصادر، لـ"العربي الجديد"، أن "هذه الجبهة تسعى إلى رسم آلية جديدة للعمل السياسي في البلاد، من دون اعتبار المشاركة في الانتخابات خياراً استراتيجياً فيها".

مستقبل الحراك المدني في العراق

من جهته، كشف عضو مجلس النواب محمد عنوز، المعروف بقربه من الحراك المدني، أن "الحراك المدني العراقي لن ينتهي في العراق، بل يتوسع تدريجياً، لكن يبدو أنه لا يرغب في تشكيل واجهات سياسية حالياً، وتحديداً تلك التي تدعي تمثيله. وقد ظهر هذا الأمر واضحاً في الانتخابات المحلية الأخيرة، إذ لم تحصل الأحزاب المدنية على نتائج جيدة".

واعتبر، في حديثٍ مع "العربي الجديد" أن "كثرة العناوين المدنية قد تكون سبباً في حدوث الأزمة في الاختيار، بالتالي، لا بد من استمرار العمل لأجل التوصل إلى بنية مدنية جديدة قريبة من العراقيين وليست بعيدة عن العمل السياسي".

محمد عنوز: الحراك المدني لن ينتهي في العراق، بل يتوسع تدريجياً

ولم ينف عنوز، أن "الأحزاب التقليدية سعت كثيراً لتفتيت الحراك المدني العراقي عبر الإغراء المالي، وعبر الترهيب أيضاً"، مشدداً على أن "لجوء بعض الأطراف المحسوبة على المدنيين إلى التحالف مع الأحزاب التقليدية لم ينفعها أيضاً".

بدوره، رأى رئيس مركز التفكير السياسي في بغداد إحسان الشمري أن "الأحزاب المدنية فشلت في إقناع العراقيين بأفكارها وبرامجها، لأنها تتصف، للأسف، ببعض مما تتصف به القوى السياسية التقليدية، مثل النرجسية والغرور وعدم القدرة على التواصل وحب القيادة، بالتالي، فإنها لم تُقدم نموذجاً سياسياً جيداً".

واعتبر في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن "الحراك المدني في العراق واجه تحديات كثيرة من القوى التقليدية، ومنها شراء الذمم وصناعة أحزاب ظلٍّ بعناوين المدنية والليبرالية".

ولفت الشمري إلى أن "هناك فرصة لإعادة توحيد الحراك المدني والاقتراب أكثر من الشعب العراقي، والعمل على خلق تجربة لا تشبه ما أسفرت عنه الانتخابات البرلمانية عام 2021 التي أسهمت في صعود مدنيين إلى البرلمان كان أداؤهم السياسي سيئاً، وإعادة الثقة بالحراك السياسي المدني الحقيقي".

الجدير بالذكر أن التجربة السياسية المدنية تعتبر جديدة وصعبة في العراق، في ظل النظام الذي نشأ بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، إذ اعتمدت القوى السياسية مبدأ المحاصصة الطائفية في إدارة الحكومة والدولة بشكلٍ عام، وهو ما بات مرفوضاً بشكلٍ علني من عراقيين كثر عبروا عن ذلك بالاحتجاجات، وأبرزها تظاهرات تشرين (في أكتوبر 2019) التي قتل فيها نحو 800 متظاهر وأصيب أكثر من 25 ألف شخص، لكن القوى المدنية تواصل رفع شعارات المواطنة والحريات وحصر السلاح بيد الدولة، ولأجل هذه الشعارات ومن دون احتجاجات، خسر هذا الحراك العشرات من الصحافيين والناشطين ما بين قتيل ومغيب".

المساهمون