الحدود السورية - العراقية: محاولات معقدة لضبطها

04 مايو 2021
جندي عراقي في مدينة القائم الحدودية (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

بات تعاظُم نشاط تنظيم "داعش" في البادية السورية، وعند الحدود السورية - العراقية، يثير مخاوف العديد من الأطراف التي ثبتت أماكنها عند الحدود مع تقدم عمر الصراع في سورية. غير أنّ الجانب العراقي الرامي للحد من تصاعد هجمات التنظيم على أراضيه، بات أكثر المتخوفين من هذا النشاط، الأمر الذي دفعه لاستكمال حفر خندق على طول الحدود الممتدة لـ 600 كيلو متر، للحد من تسلسل خلايا "داعش"، ومحاولة ضبط الحدود البسيطة جغرافياً، والمعقدة سياسياً.

ويوم الجمعة الماضي، أعلن المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة العراقية، اللواء تحسين الخفاجي، أنه "تم البدء بحفر خندق على الحدود مع سورية، بهدف إغلاق جميع الثغرات الأمنية"، مبيناً في إيجاز صحافي أنّ "العمل مستمرّ، والتحالف الدولي زوّدنا بأبراج وأسلاك شائكة". وأوضح أنّ "الخندق يحفر بعرض 3 أمتار، وبعمق 3 أمتار كذلك"، مضيفاً "كان لدينا 220 كيلو متراً غير منجزة، وقد أنهينا منها نحو 140 كيلو متراً، ونأمل خلال الشهرين المقبلين إنهاء هذا الملف، وأن يتم إغلاق كلّ الثغرات الأمنية الموجودة بين الجانبين العراقي والسوري".

الخندق الأمني بين العراق وسورية عبارة عن مانع أمني يحتوي على كاميرات وأبراج مراقبة وأسلاك شائكة

غير أنّ موقع "نورث برس" المقرب من الإدارة الذاتية الكردية في شمال وشرق سورية، وذراعها العسكرية "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، نقل عن الخفاجي في تصريح لاحق، حديثه عن وجود تنسيق عراقي - سوري، من ضمنه التنسيق مع "قسد"، بشأن "أماكن وجود الإرهابيين والطرق المحتملة لتسللهم إلى العراق". وأشار الخفاجي إلى أنّ "هناك غرفة أمنية ومركزاً أمنياً مشتركاً في مقر وزارة الدفاع يضم ضباطاً عراقيين وسوريين وروسا وإيرانيين"، لافتاً إلى "دور هذا المركز الأمني المشترك في ملف مواجهة الإرهاب على الحدود".

كما تطرق إلى الخندق الأمني بين العراق وسورية، قائلاً إنه عبارة عن "مانع أمني يحتوي على كاميرات وأبراج مراقبة وأسلاك شائكة". وأشار إلى "وجود تعاون بين القوات العراقية الاتحادية وقوات البشمركة الكردية في ما يخصّ الحدود العراقية - السورية". وأكد كذلك أنّ "القوات العراقية تنسّق بشكل عال مع قسد وتتبادل المعلومات معها، من خلال التحالف الدولي".

من الجهة السورية، تبرز معضلة في ضبط الحدود الممتدة بمعظم أجزائها في الصحراء، نظراً لتقاسم السيطرة عليها من قبل أطراف عدة، تختلف مصالحها، وبالتالي تختلف منفعة كل طرف من ضبط الحدود، أو تركها فوضوية، أو حتى زيادة تسيبها تحقيقاً للمصالح.

وتعدّ المليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني، من أكثر الأطراف سيطرة على أجزاء من الحدود السورية - العراقية، وقد أنشأت هناك قواعد عسكرية ضخمة تدعمها بشكل مستمر وتوسّع من مهماتها، على الرغم من تعرّضها للقصف المستمر، سواء من قبل الطيران الإسرائيلي أو التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب. ويهدف الحرس الثوري من تثبيت وجوده على الحدود السورية - العراقية، إلى الحفاظ على طريق سالك بين طهران ودمشق ومنها إلى بيروت، ويشير محللون إلى أنّ هذا الهدف يعدّ أساس التدخل الإيراني في سورية، حتى من قبل اندلاع الحرب فيها، واستغلالها من قبل الكثير من الأطراف الإقليمية، ومنها إيران.

تعدّ المليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني، من أكثر الأطراف سيطرة على أجزاء من الحدود السورية - العراقية

كما تسيطر على جزء من الحدود شمالاً "قوات سورية الديمقراطية"، ذات القيادة الكردية والدعم الأميركي، والتي أشار الخفاجي إلى التعاون معها في عملية تأمين الحدود. وحول حجم هذا التعاون، فضّل أحد القادة العسكريين من "قسد"، والذي تواصلت معه "العربي الجديد"، عدم التصريح عن ماهية التعاون مع الجانب العراقي الذي قال إنّ تنسيق التحالف الدولي بقيادة واشنطن نقطة ارتباط له. ويدل هذا الكلام على وجود تعاون فعلاً بدفع من التحالف الدولي. وأشار القيادي نفسه إلى أنّ المعلومات التي تتعلق بالتعاون الحدودي وتطوراته الأخيرة، لا سيما مسألة حفر الخندق في الجانب العراقي، هي من الأمور السرية التي لا يمكن الإفصاح عنها، لكنه أوضح أنّ هذا الأمر هو قديم - جديد، إذ كشف عن خندق مشابه على الحدود من الجهة السورية، بطول 30 كيلو متراً كان محفوراً قبل اندلاع الأزمة السورية، وهو تحديداً بين مدينتي القامشلي وعامودا بريف الحسكة.

من جهته، كشف الناشط السوري، أبو عمر البوكمالي، المنحدر من مدينة البوكمال الحدودية، والمواجهة لمدينة القائم العراقية، أنّ "المليشيات الإيرانية تقوم منذ فترة ليست قليلة، بحفر خنادق في الجهة السورية للحدود"، مشيراً إلى أنّ "الحرس الثوري هو المتحكم بالحدود بالمطلق، ابتداءً من منطقة التنف التي توجد فيها القاعدة العسكرية للتحالف الدولي، وحتى البوكمال ومحيطها، ولا يسمح بنفوذ واسع لقوات النظام السوري ولا للمليشيات المرتبطة بروسيا". وأكد أنّ "عمليات حفر الخنادق من قبل الحرس الثوري تجري بتقنيات عالية، وقد استفاد أخيراً من الخنادق والأنفاق التي كان حفرها تنظيم داعش إبان سيطرته على الحدود". وأشار البوكمالي إلى أنّ "الإيرانيين يركزون عند الحدود على هندسة شبكة أنفاق، لكن يُعتقد أن هدفهم ليس حماية الحدود، بقدر ما هو حماية أنفسهم من أي هجوم محتمل لقوات التحالف الدولي في دير الزور ومحيطها أو عند الحدود عموماً".

المليشيات الإيرانية تقوم منذ فترة ليست قليلة، بحفر خنادق في الجهة السورية للحدود

أما بالنسبة للتنسيق حول ملف الحدود بين كل من النظام السوري والعراق وروسيا وإيران، فقد استبعد البوكمالي ذلك، مشيراً إلى أنّ "الإيرانيين لا يسمحون بأي مشاركة في عملهم من قبل أي طرف على الحدود السورية - العراقية، التي يتسلّم ملفها من قبل الحرس الثوري، شخص يدعى الحاج عسكر". وكشف أنه خلال الشهر الماضي "حصل لقاء بين الروس والحاج عسكر، طلب الروس خلاله منحهم منفذاً برياً صغيراً على الحدود، لكن عسكر رفض ذلك بالمطلق". وأرجع البوكمالي ذلك "لحساسية ملف الحدود بالنسبة للإيرانيين"، معرباً عن اعتقاده بأنّ "هناك إمكانية للتنسيق بين الروس والعراق وحتى الأميركيين ومعهم قسد، في الجزء الحدودي الذي تسيطر عليه قوات سورية الديمقراطية، وقد يكون للنظام دور من خلال تقديم المعلومات عبر روسيا إلى قسد أو بالعكس، لكن في جهة السيطرة الإيرانية، الأمر محسوم والكلمة للإيراني فقط".

وفي العام 2014، شرعت حكومة إقليم كردستان العراق بحفر خندق مشابه على حدودها مع سورية، بهدف منع تسلل المجموعات الإرهابية، التي حددت من بينها العناصر الكردية المرتبطة بحزب "العمال الكردستاني"، والتي تستخدم الحدود للتنقل بين مناطق سيطرة الأكراد في سورية وجبال قنديل، معقل الحزب في العراق. وهو الأمر الذي أثار حينها حفيظة حزب "الاتحاد الديمقراطي"، الذي ينظر إليه على أنه الجناح السوري لحزب "العمال"، والذي يقود حالياً الإدارة الذاتية في شمال وشرق سورية. ودفع "الاتحاد" يومها بمتظاهرين للخروج والتنديد بحفر الخنادق بين سورية والعراق، وأصدر بياناً وصف هذه الخطوة بـ"العار"، فيما اعتبر مراقبون حينها أن حفر الخندق يأتي فعلاً بهدف قطع التواصل العسكري بين "وحدات حماية الشعب"، الجناح العسكري لحزب الاتحاد، وقيادات حزب العمال في إقليم كردستان العراق.

المساهمون