الجيش اليمني وغياب القائد الرمز

23 فبراير 2021
يحتاج الأمر لإظهار تقدير لتضحيات القوات اليمنية (فرانس برس)
+ الخط -

إذا صمدت مأرب في وجه العمليات العدائية التي تشنها جماعة الحوثيين، سيكون ذلك أشبه بمعجزة. وإذا تعرضت لانتكاسة أكبر، فلا لوم على القوات الحكومية والمقاتلين القبليين، لكونهم خاضوا معركة مفصلية، بل أم المعارك، في ظل معنويات شبه منهارة، وغياب القائد الرمز والملهم. تشحن جماعة الحوثيين مقاتليها بخطابات يومية تجعلهم يتحولون إلى رجال آليين لا يبالون بعدها في تنفيذ هجمات انتحارية على جبال مأرب، أو يغرقون في رمالها، توهمهم فيها أن الهدف ليس السيطرة على منابع الثروة، بل "التحرر من الهيمنة الأميركية والوصاية السعودية الإسرائيلية"، كما جاء في الكلمة المتلفزة لزعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، قبل يومين.
وكلما تعرضت معنويات مقاتليهم لصدمات عنيفة، جراء مشاهدة مواكب القتلى التي تعود من مأرب صوب صنعاء، تؤكد لهم أن المعركة ستمتد إلى ما هو أبعد من مأرب، و"ستستمر حتى تحرير كل شبر محتل"، كما جاء في البيان الصادر عن المتحدث باسم الجماعة، محمد عبدالسلام، السبت الماضي. على الضفة المقابلة، تظهر الحكومة الشرعية، وهي تغّني في وادٍ آخر. كان النشاط العلني للرئيس عبدربه منصور هادي، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة أيضاً، منذ 11 فبراير/شباط الحالي، تسلم أوراق سفراء المجر وجنوب أفريقيا والبوسنة، والتأكيد على متانة علاقة اليمن مع بلدانهم. في ذروة المعركة الفاصلة التي تدور رحاها على أسوار مأرب، كان هادي، الذي مرت 9 سنوات على توليه هذا المنصب، يوّجه بـ"تذليل مهام السفير المجري لما من شأنه تفعيل علاقات الصداقة"، كما أوردت الوكالة الرسمية "سبأ"، فيما قوات الجيش، التي تتصدى لأعنف عدوان ضد مأرب، لا تجد أي تذليل لمهامها بعد توقف مرتبات عناصرها منذ 9 اشهر.
منذ بدء الهجوم الحوثي، ظهر هادي علناً في مناسبتين فقط. وجّه في الأولى بتذليل مهام سفراء دول رغم أنه منفي خارج بلاده، وفي الثانية استقبل المبعوث الأميركي الجديد تيموثي ليندركينغ، الدبلوماسي الذي كان خبر تعيينه أشبه بـ"فيتامينات" لجماعة الحوثيين وفتح شهيتها بشكل أكبر لابتلاع مأرب. خلال الأيام الماضية، دعا رئيس مجلس الشورى، أحمد بن دغر، الرئاسة لتدارك الأمر قبل الندم. وكرر نائب رئيس البرلمان محسن باصرة، دعوة الرئاسة لعقد اجتماع عاجل لمجلس الدفاع الوطني، والدعوة للنفير العام، وإلقاء خطاب وطني يجعل كافة أبناء البلاد يلتفون حول الجيش في مأرب، باعتبارها الاختبار الأخير للمشروع الوطني الجامع في مواجهة التوحش الحوثي. بُحّت الأصوات المطالبة بضرورة وجود خطاب يتجاوز الخلافات ويرفع معنويات الجيش، ومع ذلك لم تجد صيحاتهم أي أذن صاغية.
لا يريد اليمنيون من هادي العودة إلى مأرب، وتقدم الخطوط الأمامية للمعركة، فهذه أمنية مستحيلة، وخصوصاً أن وزير الدفاع محمد المقدشي بنفسه كان غائباً عن مسرح المعركة. الأمر يحتاج فقط إلى إظهار نوع من التقدير للتضحيات الكبيرة التي تقدّم بشكل عفوي، وخصوصاً من القبائل. ماذا سيحدث مثلاً لو أن الرئيس وجّه بصرف مرتب شهرين أو ثلاثة إكرامية لكل جندي يرابط في معركة مأرب، أو قطعة أرض لذوي المقاتلين الذين سقطوا فيها، أو يدعو لإشعال جبهات بمحافظات أخرى لتخفيف الضغط عن مأرب. من الظلم القول إن هادي يبدو لا مبالياً بالمرة بما يدور في مأرب، أو أن هناك من أقنعه بالوقوف موقف المحايد، باعتباره رئيساً لكل اليمنيين، بمن فيهم الحوثيون. فقد بعث خلال فترة هجمات الحوثيين بـ7 برقيات عزاء في وفاة قادة بالجيش الوطني، وهذا شيء يُحسب له. موقف طيب، بتذكر الراحلين على الأقل.

المساهمون