كشف مسؤولون أمنيون في إقليم كردستان العراق، اليوم الثلاثاء، عن توجه قوة عسكرية تابعة للجيش العراقي منذ يوم السبت الماضي، لفرض السيطرة على محيط مخيم (مخمور) الذي تسكنه عوائل مسلحي حزب العمال الكردستاني التركي المعارض لأنقرة.
وتأتي الحملة العسكرية إلى مخيم مخمور، الواقع في منطقة مخمور على الحدود بين محافظة نينوى وأربيل شمالي العراق، بناء على توجه حكومي في بغداد يستهدف فرض السيطرة على مناطق أنشطة الحزب المصنف على لائحة الإرهاب في تركيا.
ويعتبر مخيم مخمور، المشيد منذ منتصف التسعينيات وتقطنه المئات من العائلات الكردية التركية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني، واحداً من المواقع التي تعتبرها تركيا مركز تجنيد وأنشطة مسلحة ضد أمنها القومي، وتطالب العراق بالعمل على منع الأنشطة ذات البعد العسكري داخله.
ويقع المخيم على بعد 105 كيلومترات جنوب شرقي الموصل و70 كيلومتراً غربي أربيل وبأكثر من 180 كيلومتراً عن الحدود العراقية التركية.
ووفقاً لمسؤول كردي في حكومة إقليم كردستان العراق بمدينة أربيل، فإن الجيش العراقي تحرك بناء على تفاهمات بين بغداد وأربيل حيال وقف تمدد مسلحي الكردستاني واستعادة السيطرة على المناطق التي يبسطون فيها نفوذهم، مؤكداً أن التحرك الجديد جزء من تعهدات عراقية لتركيا أيضاً، خلال الزيارة التي أجراها رئيس الوزراء إلى أنقرة في مارس/ آذار الماضي.
وأوضح أن "المعلومات المؤكدة هي سيطرة حزب العمال الكردستاني بالكامل على مخيم مخمور للاجئين الكرد الأتراك، وتنظيمه عمليات تجنيد بين الشبان والمراهقين، فضلاً عن تأسيس جهد إعلامي إلكتروني من خلاله، وهذا سبب التحرك العراقي الأول تجاه فرض السيطرة عليه".
وأكد مسؤول عراقي بالجيش إصابة 4 جنود بجروح متفاوتة خلال مواجهات بين مسلحي من داخل المخيم ووحدات الجيش العراقي يوم السبت الماضي، بعد رفض الموجودين داخل المخيم دخول الجيش إليه.
ولفت إلى أن فوجين من قيادة عمليات الجيش في نينوى موجودان حالياً حول المخيم ويفرضان طوقاً عليه دون أن تتمكنا من دخوله حتى الآن، وسبق للقوات التركية تنفيذ عدة ضربات جوية داخل المخيم المشيد على مساحة تصل إلى 20 كيلومتراً، والمبني من الحجر والطوب ويضم ما لا يقل عن 12 ألف شخص، وشيّدت الأمم المتحدة ومنظمات أوروبية مركزاً صحياً ومدرسة وبعض الخدمات للقاطنين فيه.
وهدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مطلع يونيو/ حزيران 2021، بأن بلاده ستقوم "بتطهير" مخيم مخمور. وقال إنه "تحول لملاذ آمن لمسلحي حزب العمال الكردستاني"، مبيناً أن مخيم مخمور يعد "حاضنة لمسلحي حزب العمال ويتعيّن التعامل معه". واعتبر أن عدم التعامل مع المخيم يعني استمرار "تصدير الإرهابيين منه".
وعقب هذا التعليق بأيام، أعلنت أنقرة عن تمكن الاستخبارات التركية من قتل القيادي في حزب "العمال الكردستاني" سلمان بوزقير، الملقب بـ"دكتور حسين"، والمسؤول العام عن مخيم مخمور شمالي العراق.
وعلقت خلية الإعلام الأمني العراقية على تحرك الجيش في منطقة مخمور بالتأكيد، في بيان مقتضب الأحد الماضي، بأنها "إجراءات لتأمين سلامة كل الموجودين داخل المخيم من التصرفات غير القانونية الذي يقوم بها بعضهم والتي تؤدي إلى زعزعة الاستقرار والسلم في البلاد وتضر بعلاقة العراق بمحيطه الإقليمي".
وأكد قائم مقام قضاء مخمور، رزكار محمد، الثلاثاء، استخدام المسؤولين عن المخيم من أعضاء حزب العمال الكردستاني "النساء والأطفال، لمنع إقامة نقاط تفتيش عسكرية حول المخيم".
وأضاف، في تصريحات نقلتها كردستان 24، التي تبث من أربيل: "قررت الحكومة العراقية إقامة عدة حواجز عسكرية حول مخيم مخمور لحماية سكان المخيم:، موضحاً أن القوات الأمنية العراقية "تريد تنفيذ قرار رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، بإقامة نقاط عسكرية حول المخيم، إلا أن سكانه رفضوا ذلك وواجهوا القوات الأمنية، ما أدى إلى حالة من الفوضى بينهم استمرت عدة أيام".
وكشف عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في إقليم كردستان، النائب وفاء محمد كريم، عما قال إنها "اتفاقية بين الحكومة العراقية والحكومة التركية، تقضي بإنهاء وجود حزب العمال الكردستاني، وما جرى في مخيم مخمور هو البداية"، حسب قوله.
ولفت، في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن "أحد شروط اتفاقية المياه بين أنقرة وبغداد هو طرد عناصر حزب العمال الكردستاني، الذين باتوا يشكّلون حرجاً للحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان". وتابع كريم "حزب العمال يقوم منذ مدة بتجنيد الأطفال والمراهقين داخل مخيم مخمور، ويرسلهم إلى معسكرات خاصة في جبال قنديل وسنجار وقراجوغ ضد تركيا".
وأوضح أن "حزب العمال قام في سنجار وحدها باختطاف 211 شاباً من أهالي مخيم مخمور وقضاء سنجار دون علم ذويهم، وهذه الأعمال بدأت تحرج الحكومة العراقية، وعليه بدأت بغداد فعلياً بالتصدي لهم وإنهاء وجودهم، وقضية مخيم مخمور هي خطوة أولى لتطبيق اتفاق سنجار المبرم بين بغداد وأربيل".
في المقابل، يقول عضو الاتحاد الوطني الكردستاني رشاد كلالي، بزعامة بافل الطالباني، والذي يتبنى سياسة قريبة من حزب العمال الكردستاني، لـ "العربي الجديد"، إن "المخيم تسكنه أكثر من 1500 عائلة وأغلبها من المدنيين، لا يحملون السلاح، وما جرى مؤخراً هو أن الحكومة العراقية أرسلت قوة خاصة بهدف فتح تمثيل لها داخل مخيم مخمور".
وأوضح أن "هناك معلومات عديدة وصلت للحكومة العراقية حول سيطرة حزب العمال الكردستاني على المخيم، وهناك إدارة مقربة من الحزب هي التي تديره، ولذلك تريد الحكومة فرض سيطرتها على المخيم، باعتباره جزءاً من أرض عراقية".
وأشار إلى أن "سكان المخيم حاولوا بكل الطرق منع القوات الأمنية من الاقتراب من المخيم، وحدثت صدامات بين الطرفين، فيما قررت الحكومة العراقية تأجيل عملية اقتحام المخيم في الوقت الحالي، بعد تدخل بعثة الأمم المتحدة".
إلى ذلك، قال الباحث بالشأن العراقي الكردي، سلام الجاف، إن "الحكومة تتخذ إجراءات أمنية في نينوى تعتبر استباقية منذ فترة تحسباً من ردة فعل حزب العمال تجاه خطوة بغداد محاصرة مصالحه في مخيم مخمور وسنجار".
وأضاف أن "العراق أمام الإبقاء على أنشطة حزب العمال أو الحصول على المياه، والجنوب العراقي بدأ منذ الآن يعاني الجفاف والملوحة، فكيف سيكون الحال في شهري يوليو/ تموز وأغسطس/ آب، لذا فإن من المرجح هو تجاوب بغداد مع الطلبات التركية"، واعتبر الجاف أن "حزب العمال يستخدم مخيم مخمور كغطاءٍ لعملياته، ويحاول إيهام الرأي العام أن الحكومة العراقية تستهدف اللاجئين".
ومنتصف عام 2021، أعلن منسق لجنة التوصيات الدولية في حكومة إقليم كردستان العراق ديندار زيباري بأن مخيم مخمور "فقد صفته المدنية"، مضيفاً، في بيان: "تحول إلى مخيم شبه عسكري ويستخدم لأغراض التدريب العسكري وتحركات وتنظيمات أحد الأحزاب (العمال الكردستاني) وفقد سمته المدنية".
وتابع "على الرغم من محاولات حكومة الإقليم منذ 2005 الحفاظ على السمة المدنية للمخيم، خاصة عندما كان هناك وجود على الأرض لحكومة الإقليم في قضاء مخمور (انسحبت منه في 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2017)، إلا أنه، ومع الأسف، قام أحد الأحزاب باستخدام المخيم لأغراض عسكرية واستخبارية، وضيق على المدنيين فيه وما زال مستمراً".
وأردف بالقول "لقد حاولنا كثيراً حماية المخيم والعمل مع المنظمات الدولية لخدمة سكانه ومنع المظاهر العسكرية فيه، لكن من دون جدوى".