بدأ الجيش العراقي عملية حفر خندق وإنشاء نقاط مراقبة أمنية حول مخيم مخمور، الذي يضم المئات من أسر مسلحي حزب العمال الكردستاني المعارض لأنقرة، والموجود على الحدود بين محافظتي نينوى وأربيل، وذلك بعد أيام من تحرك واسع لقوات الجيش تجاه المخيم، الذي تقول تركيا إنه تحوّل إلى مكان لتجنيد المسلحين من قبل حزب العمال.
ومنذ يوم السبت الماضي، بدأت قوات الجيش العراقي عملية انتشار واسعة في بلدة مخمور الواقعة على بعد 105 كم جنوب شرقي الموصل ونحو 70 كم غربي أربيل، ويضم المخيم أكثر من 1500 عائلة من أكراد تركيا، وهم من عائلات مسلحي حزب العمال الكردستاني المعارض لأنقرة.
ويهدف التحرك العراقي الجديد للحد من ممارسات حزب العمال داخل المخيم، مثل عمليات التجنيد واستقطاب المراهقين والشباب داخل المخيم، وكذلك إخفاء السلاح وإنشاء خلايا إعلام إلكتروني تخدم توجهات الحزب المصنف على لائحة الإرهاب في تركيا.
توقعات بارتياح تركي
واليوم الأربعاء، قال مسؤول عراقي بارز في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن وحدات الجهد الهندسي في الجيش العراقي بدأت بإنشاء خندق أمني حول المخيم، مع نصب أبراج مراقبة ونقاط دخول وخروج معينة، لا يسمح بالمرور منها إلا بموافقة الجيش العراقي.
وأضاف المسؤول، في اتصال عبر الهاتف، أن هذا الإجراء "جاء بعد قيام حزب العمال بتحريض سكان المخيم على مهاجمة الجيش ومنع دخوله المخيم لإقامة ممثلية له". أكد المسؤول ذاته تقديم قائد الجيش بالمنطقة توجيهات بالتعامل مع أي تحرك من حزب العمال يحاول إعاقة عمل الخندق الأمني أو نصب أبراج المراقبة.
وينتظر أن يُقابل التحرك العراقي بارتياح تركي، خاصة بعد سلسلة لقاءات أمنية بين البلدين أعربت فيها أنقرة عن قلقها من تحول المخيم إلى نقطة أنشطة ذات طابع عسكري، مطالبة العراق بفرض سيطرته عليه.
من جانبه، قال قائممقام مدينة مخمور، رزكار محمد، لمحطة تلفزيون عراقية محلية، إن الجيش العراقي بدأ منذ أمس الثلاثاء بعملية حفر خندق حول مخيم مخمور.
وأوضح محمد أن القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية اتخذت قراراً بوضع المخيم تحت سيطرة العراق ورفع العلم العراقي عليه، وقيادة عمليات محافظة نينوى هي من تنفذ عملية حفر الخندق.
وكشف المسؤول ذاته عن أن التحرك جاء بعد انتهاء مهلة قدمها الجيش لإدارة المخيم، تقضي بدخول الجيش وإقامة مقر له داخل مخيم مخمور، وبدء قوة من الشرطة العراقية ممارسة صلاحياتها الأمنية، ومنع أي مظاهر مسلحة داخله، لكن قادة المخيم، وهم من حزب العمال، رفضوا التعاطي مع تلك المطالب، وهو ما دفع الجيش إلى فرض سلطته بهذه الطريقة.
ويعتبر المخيم المشيد منذ منتصف التسعينيات، وتقطنه المئات من العائلات الكردية التركية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني واحداً من المواقع التي تعتبرها تركيا مراكز تجنيد وأنشطة مسلحة ضد أمنها القومي، وتطالب العراق بالعمل على منع الأنشطة ذات البعد العسكري داخله.
وسبق للقوات التركية تنفيذ عدة ضربات جوية داخل المخيم المشيد على مساحة تصل إلى 20 كيلومتراً، ومبني من الحجر والطوب، ويضم ما لا يقل عن 12 ألف شخص. وشيدت الأمم المتحدة ومنظمات أوروبية مركزاً صحياً ومدرسة وبعض الخدمات للقاطنين فيه.
وهدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مطلع يونيو/ حزيران 2021، بأن بلاده ستقوم "بتطهير" مخيم مخمور. وقال إنه "تحول لملاذ آمن لمسلحي حزب العمال الكردستاني"، مبيناً أنه يعد "حاضنة لمسلحي حزب العمال ويتعين التعامل معه"، معتبراً أن عدم التعامل مع المخيم يعني استمرار "تصدير الإرهابيين منه".
وعقب هذا التعليق بأيام، أعلنت أنقرة عن تمكن الاستخبارات التركية من قتل القيادي في حزب "العمال الكردستاني" سلمان بوزقير، الملقب بـ"دكتور حسين"، والمسؤول العام عن مخيم مخمور شمالي العراق.
اتفاقية لإنهاء الحزب
وأمس الثلاثاء، قال عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في إقليم كردستان، النائب وفاء محمد كريم، لـ"العربي الجديد"، إن هناك "اتفاقية بين الحكومة العراقية والحكومة التركية تقضي بإنهاء وجود حزب العمال الكردستاني، وما جرى في مخيم مخمور هو البداية"، وفقاً لقوله.
ولفت كريم إلى أن "أحد شروط اتفاقية المياه بين أنقرة وبغداد هو طرد عناصر حزب العمال الكردستاني، الذين باتوا يشكلون حرجاً للحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان". وتابع: "حزب العمال يقوم منذ مدة بتجنيد الأطفال والمراهقين داخل مخيم مخمور، ويرسلهم لمعسكرات خاصة في جبال قنديل وسنجار وقراجوغ ضد تركيا".
وأوضح أن "حزب العمال قام في سنجار وحدها باختطاف 211 شاباً من أهالي مخيم مخمور وقضاء سنجار دون علم ذويهم، وهذه الأعمال بدأت تحرج الحكومة العراقية، وعليه بدأت بغداد فعلياً بالتصدي لهم وإنهاء وجودهم، وقضية مخيم مخمور هي خطوة أولى لتطبيق اتفاق سنجار المبرم بين بغداد وأربيل".
ومنتصف عام 2021، أعلن منسق لجنة التوصيات الدولية في حكومة إقليم كردستان العراق ديندار زيباري أن مخيم مخمور "فقد صفته المدنية"، مضيفا في بيان له: "تحول إلى مخيم شبه عسكري ويستخدم لأغراض التدريب العسكري وتحركات وتنظيمات أحد الأحزاب (العمال الكردستاني)، وفقد سمته المدنية".
وتابع: "على الرغم من محاولات حكومة الإقليم منذ 2005 الحفاظ على السمة المدنية للمخيم، خاصة عندما كان هناك وجود على الأرض لحكومة الإقليم في قضاء مخمور (انسحبت منه في 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2017)، إلا أنه، ومع الأسف، قام أحد الأحزاب باستخدام المخيم لأغراض عسكرية واستخبارية، وضيق على المدنيين فيه وما زال مستمراً". وأردف: "لقد حاولنا كثيراً حماية المخيم والعمل مع المنظمات الدولية لخدمة سكانه ومنع المظاهر العسكرية فيه، لكن من دون جدوى".