السودان.. تقدم للجيش على الدعم السريع في أم درمان.. ومعاناة للمدنيين في الجزيرة

02 مارس 2024
حصل الجيش على خط إمداد مستمر قد يوفر له استعادة كل المناطق في أم درمان (Getty)
+ الخط -

يواصل الجيش السوداني تقدماً عسكرياً على حساب قوات الدعم السريع، وذلك في محلية أم درمان، غرب العاصمة الخرطوم.

وطبقاً لأقوال شهود عيان تحدثوا لـ"العربي الجديد"، سيطر الجيش السوداني في الساعات الماضية على مقر إدارة محلية أم درمان، أعلى سلطة تنفيذية في المحلية التي تشكل واحدة من محليات الخرطوم السبع.

وجاء التقدم الأخير بعد نحو أسبوع من فتح الجيش السوداني لطريق استراتيجي يربط بين القاعدة الجوية بوادي سيدنا أقصى شمال أم درمان، وسلاح المهندسين والسلاح الطبي، جنوب وسط المدينة، ما منح الجيش وضعاً هجومياً أفضل وخط إمداد مستمراً يوفر له إمكانية استعادة كل المنطقة.

ويسعى الجيش حالياً لإحكام الحصار على قوات الدعم السريع المتمركزة داخل مقر التلفزيون والإذاعة الحكوميتين، بعد أن سيطرت "الدعم السريع" على المقر منذ اليوم الأول للحرب العام الماضي.

ودخلت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شهرها الحادي عشر، ولقي فيها نحو 13 ألفاً من المدنيين مصرعهم ونزح ما لا يقل عن 7 ملايين من منازلهم في كل من الخرطوم ودارفور والجزيرة، ولجأ مئات الآلاف إلى دول الجوار، كما سبّبت الحرب تدمير البنى التحتية وانعدام الخدمات الصحية في الولايات المتأثرة بالحرب.

وكان الفريق ياسر العطا، عضو مجلس السيادة، مساعد قائد الجيش السوداني، قد تعهد قبل أيام بتحرير كل المناطق في أم درمان ثم التوجه إلى الخرطوم والخرطوم بحري ثم ولاية الجزيرة وسط السودان.

وبحسب شهود عيان في مدينة أم درمان، تواصل قوات الجيش السوداني تمشيط كل الشوارع الرئيسة في المدينة، وبسطت سيطرتها الكاملة على عدد كبير من أحياء المدينة وآخرها حي بيت المال التاريخي والذي يبعد أقل من كيلومتر من مقر هيئة الإذاعة والتلفزيون، كما يعمل الجيش على التقدم جنوب المدينة لطرد قوات الدعم السريع عن تمركزها في مقر جامعة أم درمان الإسلامية ومناطق صالحة والمربعات وغيرها.

وفي ولاية الجزيرة، وسط السودان والواقعة معظم مدنها وقراها تحت سيطرة قوات الدعم السريع، تتواصل للأسبوع الثالث على التوالي معاناة الأهالي من انقطاع شبكة الاتصالات الهاتفية وخدمات الإنترنت، بينما تتوارد أنباء عن انتهاكات جسيمة لقوات الدعم السريع بحق المدنيين في مدن وقرى غرب الجزيرة، وهي أنباء أكّدتها لجان المقاومة في كل من مدينتي ود مدني والحصاحيصا، وأورد تقرير للمرصد السوداني، معلومات عن هجوم ما أسماها "مليشيا الدعم السريع" على قرى تنوب، وفطيس، والنديانه، والشريف مختار، وأم دوانة، وأم عضام، وود البليلة، والدوحة وغيرها من القرى، وفيها نفذت القوات، بحسب المرصد، عمليات قتل واسعة طاولت عشرات المدنيين، ونهب للمنازل والسيارات، وتعذيب للمواطنين.

وأوضحت من جهتها لجان مقاومة مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، أن الجيش ظل طوال الأيام الماضية في حالة تقدم مطرد في الشارع الرئيسي الرابط بين محليتي ود مدني والمناقل، لكنه تجاهل قرى جنوب وغرب الجزيرة التي تركها من خلفه لتعبث بها المليشيات كيفما شاءت، مشيرة إلى أن "الدعم السريع حشدت قواتها في ود مدني، واستجمعت قواتها في كل من غرب وجنوب وشمال الجزيرة، وتحركت صوب القرى المحيطة بمحلية المناقل، وفي المقابل تراجع الجيش من مناطق تمركزه حتى حدود منطقة عبود، وترك جميع المناطق من المدينة عرب إلى "عبود" ترتع فيها المليشيا وتستبيحها بلا رحمة وبلا أدنى حماية للقرى، مثلما حدث مسبقاً في شمال وغرب وجنوب الجزيرة"، طبقاً لما جاء في البيان.

واستنكرت اللجان، "عدم استجابة الجيش السوداني المتمركز بمحلية المناقل لدعوات أهالي تلك المناطق بالتدخل والقيام بمهامه في حماية المدنيين، أو تسليحهم للدفاع عن أنفسهم وذويهم وممتلكاتهم".

أما لجان مقاومة الحصاحيصا، ثاني أكبر مدن ولاية الجزيرة فقد أكدت في بيان لها حصل عليه "العربي الجديد"، أن "ثلاثة أسابيع مرت على انقطاع شبكة الاتصالات"، واتهمت قوات الدعم السريع حصراً، "بعزل الولاية عن العالم لما ظلت تمارسه من أعمال عنف وقتل وسلب ونهب وتهجير في القرى والمدن خلال الشهر الماضي"، كما اتهمتها بـ "الدعم  بالمتاجرة بالإنترنت عبر امتلاكها لأجهزة (ستارلينك)، واحتكارها وصل إلى حد الإيجار بالساعة في المناطق الأكثر استقراراً".

وأضافت اللجان، أن "قطع الاتصالات والإنترنت هي جريمة وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان، وتعد جريمة حرب مكتملة الأركان طبعت في سجل كل من سبّبها وكان شريكاً فيها لما أحدثت من أزمة للمواطنين في التواصل والتعامل.. فلقد كانت الشبكة هي الوسيلة الوحيدة لأغلب المرابطين تحت هذا الحصار اللعين للنجاة"، مؤكدة أن "مليشيا الدعم السريع قامت بعمليات تهجير وتدمير واسعة النطاق شملت أغلب المدن والقرى، بغرض النهب والسرقة والقتل والتدمير والاختطاف والتعذيب والتهجير القسري".

في السياق، أكد مواطنون من ولاية الجزيرة تحدثوا لـ"العربي الجديد"، أن "الولاية تعيش كوارث متعددة لا تبدأ بقطع شبكة الاتصالات ولا تنتهي بتردي الخدمات، ولا سيما الخدمات الصحية". تقول سعاد وهي سيدة في الثلاثين من عمرها إنها "حامل في شهرها الثامن وإن الطبيب المختص أكد لها وجود استحالة حدوث ولادة طبيعية نتيجة ضغط الجنين، وإن عليها أن تكون قريبة من المستشفى، وحينما توجهت إلى العديد من المشافي اكتشفت عدم وجود طبيب مختص، وعدم جاهزية غرفة العمليات، بينما نصحها أحد الأطباء بالتوجه إلى مدينة من المدن التي لم تتأثر بالحرب مباشرة"، مشيرة في حديث مع "العربي الجديد" إلى أنها "عاجزة عن التواصل مع زوجها الذي يعمل في واحدة من دول الخليج ليرسل إليها تكاليف السفر والعملية القيصرية، وذلك بسبب انقطاع خدمة الإنترنت"، مؤكدة أنها باتت "تتحسب لأسوأ الاحتمالات".

أما خليل، وهذا ليس اسمه الحقيقي الذي فضل حجبه لدواع أمنية، فيقول لـ"العربي الجديد"، إن "حال والدته تدهور تماماً فقررنا نقلها إلى ولاية القضارف، شرق البلاد، قبل ثلاثة أسابيع، وأنه شخصياً لم يسافر معها، وبعد انقطاع شبكة الاتصالات لم يعد هناك أخبار عنها، حتى أرسل إليه شقيقه المرافق لها خطاباً بخط اليد عبر حافلة ركاب، أخبره فيه أن الوالدة توفيت قبل أسبوع، مؤكداً أن "قطع خدمات الإنترنت والاتصالات هي أسوأ حرب ضد الناس في ولاية الجزيرة والولايات الأخرى"، وطالب طرفي الصراع بـ "إدارة معاركهم بعيداً عن المواطن الذي لا حيلة له".

ورغم تعدد تكرار الاتهامات لها، فإن الدعم السريع تنفي في كل بياناتها الاتهامات الموجهة ضدها، وتقر بوجود فئة متفلتة داخلها، مشيرة في الوقت نفسه إلى تسلسل مجموعة نهب متخصصة ارتدت زي قواتها لنهب القرى.

المساهمون