استمع إلى الملخص
- أساليب التجنيد والاكتشاف: تعتمد إسرائيل على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي لتجنيد العملاء، وتعرض مبالغ مالية كبيرة مقابل المعلومات. يتم اكتشاف العملاء من خلال مراقبتهم أثناء توثيق آثار الدمار.
- تاريخ العمالة في لبنان: يعود تاريخ العمالة إلى ما قبل عام 2000، مع توقيف عملاء بارزين مثل محمود رافع، واستخدام الموساد لأساليب مبتكرة في التجنيد.
كشفت القوّات الأمنية شبكة من الجواسيس لإسرائيل من جنسيات مختلفة
للبنان تاريخ طويل مع ملف العمالة والتخابر مع إسرائيل
الحج: الموساد اعتمد أساليب جديدة للتواصل مع اللبنانيين وغيرهم
تصدّر ملف العمالة، المشهد في لبنان، على وقع الخسائر الكبيرة التي مُنيَ بها حزب الله وطاولت شخصيات قيادية بارزة، يتقدّمها اغتيال الأمين العام حسن نصر الله، في 27 سبتمبر/أيلول الماضي. وكشفت القوّات الأمنية اللبنانية، أخيراً، شبكة واسعة من الجواسيس لإسرائيل من جنسيات مختلفة، كانت تزوّد الاحتلال بإحداثيات وبيانات حول مواقع تشكّل بيئة حاضنة لحزب الله.
ولطالما اعتمدت إسرائيل في حروبها على لبنان على سلاحٍ قوّي في الميدان الاستخباري المعلوماتي يتمثل بتجنيد الأشخاص لتوثيق آثار الغارات الجوية المعادية ومتابعة عمليات البحث والإنقاذ وانتشال الجثامين للتحقّق من نتائجها. ويقول مصدرٌ في مخابرات الجيش اللبناني لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأجهزة الأمنية ألقت في الآونة الأخيرة القبض على العديد من الأشخاص بتهمة العمالة، غالبيتهم لبنانيون وسوريون وهناك أيضاً فلسطينيون، وجرى تحويلهم للمحكمة العسكرية". ويضيف "هناك استنفار أمني بهذا الصدد، لأن إسرائيل دائماً ما تعتمد في حربها على لبنان هذا الأسلوب، وللبنان تاريخ معها بذلك".
ويشير المصدر إلى أنّ "ملف العمالة ليس بجديدٍ، وسبق أن أوقف أكثر من 160 عميلاً في السنوات القليلة الماضية أي قبل العدوان، حيث إن إسرائيل تحرص على إبقاء قنواتها داخل لبنان وتجنيد الجواسيس لجمع ما تريده من معلومات لاستخدامها عندما يحين الوقت المناسب لها كما تفعل اليوم، وهو ما نحاول منعه قدر الإمكان". ويلفت المصدر إلى أنّ "الكثير من العملاء من الذين جرى إلقاء القبض عليهم منذ بدء العدوان، كانوا في المواقع التي تتعرّض للقصف الإسرائيلي، خصوصاً الضاحية الجنوبية لبيروت".
وعن طريقة اكتشافهم، يقول المصدر: "يجري رصدهم، ومراقبتهم، وملاحظة أنهم يعمدون إلى توثيق الآثار والدمار وعمليات الإنقاذ وانتشال الأشلاء والشهداء، وليس بفيديو واحد مثلاً والمغادرة، بل يبقون لوقتٍ طويلٍ ويوثقون كل التفاصيل، وهذا ما يجعلهم في دائرة الشبهة ويجري توقيفهم وكشفهم عند التحقيق معهم ومصادرة هواتفهم وأجهزتهم الإلكترونية". ويشير المصدر إلى أنّ "غالبية الأشخاص يجري استدراجهم عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث يتواصلون معهم ويعرضون عليهم مبالغ مالية كبيرة جداً، مقابل تقديم معلومات أمنية لهم ولا سيما مرتبطة بحزب الله أو مواقع ومناطق لبنانية ودوائر رسمية وغير ذلك".
ويعمد جيش الاحتلال الإسرائيلي أيضاً إلى نشر محتوى إعلامي على بعض منصّات التواصل الاجتماعي، مثل مقاطع الفيديو والروابط والتطبيقات لاستدراج المواطنين إلى مواقع مخصّصة للتجسّس وجمع المعلومات أو تجنيد العملاء، بحسب ما يشير الجيش اللبناني الذي طالما حذر من "المحتوى الذي يشكل خطراً أمنياً على الوطن والمجتمع".
تاريخ طويل للبنان مع العمالة
وللبنان تاريخ طويل مع ملف العمالة والتخابر مع إسرائيل، الذي يعاقب عليه القانون اللبناني، ويُنزل بالمتهمين أشدّ العقوبات قد تصل إلى الأشغال الشاقة المؤبدة والإعدام (علماً أنه لا ينفذ) والتجريد من الحقوق المدنية، مع الإشارة إلى أنّ "التجنيد" لم يقتصر على المواطنين، خصوصاً من جنسيات لبنانية وفلسطينية وسورية، بل طاول حتى موظفين في إدارات رسمية، وعسكريين وعمداء، يستغلون مناصبهم لتقديم معلومات للاحتلال الإسرائيلي.
ويعود ملف العمالة الطويل إلى ما قبل التحرير في عام 2000، وكان بينهم الكثير من المنشقين عن الجيش اللبناني، أبرزهم الضابط سعد حداد، مع الإشارة كذلك إلى "جيش لحد" الذي تشكل بدعم من إسرائيل، قبل أن يفر العديد منهم نحو فلسطين المحتلة، بعد التحرير، ويجري تسليم الباقين.
ومن بين الأسماء البارزة التي جرى توقيفها بتهمة العمالة في لبنان، بعد عام 2006، محمود رافع، معاون أول في قوى الأمن الداخلي، الذي اتهم بالتعامل مع إسرائيل والاشتراك في التخطيط والتحضير وتنفيذ عملية اغتيال القياديَيْن في حزب الله، علي ديب وعلي صالح. كما اتهم أديب العلم، العميد المتقاعد في الأمن العام، بالتعامل مع الاستخبارات الإسرائيلية. وناصر نادر الذي أطلق عليه لقب "عميل برتبة لواء"، الذي اتهم باغتيال القيادي في حزب الله غالب عوالي، ويُعتَبر تاريخه مع العمالة طويل، وجرى فصله من مركزه العسكري لأسباب أمنية وأخلاقية، وكان يستغل أيضاً عناصره وموقعه للحصول على معلومات وصور لنقاط تابعة لحزب الله في الضاحية.
كذلك، يُعدّ العميد السابق في الجيش فايز كرم من أبرز الأسماء التي أوقفت بتهمة التخابر مع إسرائيل، وكان مديراً لوحدة مكافحة التجسس في لبنان، إذ حكم عليه بالسجن لمدة سنتين، قبل أن يطلق سراحه مستفيداً من قرار البرلمان اللبناني تخفيض محكوميته إلى تسعة أشهر، علماً أنه ترشح للانتخابات النيابية عام 2022 بدعم رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، في قضاء زغرتا، شمالي البلاد، الأمر الذي أثار وقتها ردات فعل غاضبة.
أساليب مبتكرة للموساد لتجنيد العملاء
في الإطار، يقول الباحث اللبناني خالد الحج، لـ"العربي الجديد" إنه "عندما نتحدّث اليوم عن اختراق الموساد للساحة اللبنانية وتجنيد العملاء، فإننا نتناول موضوعاً عميقاً يتشابك مع التاريخ والديموغرافيا والمجتمع اللبناني، إذ منذ تأسيس الكيان الصهيوني، بدأ التواصل مع اليهود في لبنان، حيث جُنِّد البعض منهم لجمع المعلومات حول المجتمع اللبناني، أو لتقديم دراساتٍ وأبحاثٍ تتعلق بأسماء الأشخاص وغيرها من التفاصيل. هذا الموضوع موجود منذ عام 1948، ويمكن العودة لمصادر علمية كثيرة للتأكد من ذلك. ومع هجرة جزء كبير من اليهود اللبنانيين، أصبحت هذه الفئة أقلية نادرة".
ويضيف الحج "إلا أنّ الموساد لم يتوقف عند هذا الحدّ. فقد اعتمد أساليب جديدة للتواصل مع اللبنانيين وغيرهم من الفئات في الساحة اللبنانية. مثلاً، في مدينة صيدا، جنوبي البلاد، كان هناك رجل فقير وأبكم، يُعتقد أنه بعيد تماماً عن الأنظار، لكن مع الاجتياح الإسرائيلي، تبيّن أنه ضابط في الموساد، وساعد القوات الإسرائيلية في الحصول على معلومات حيوية حول الأشخاص والمواقع"، لافتاً إلى أن "الهدف الأساسي من عمليات الموساد كان دائماً جمع البيانات والمعلومات، فقد أرادت إسرائيل أن يكون لديها عين في كل مكان، تعرف ما يحدث في داخل المجتمعات التي تستهدفها".
من ناحية ثانية، يرى الحج أنّ الاحتلال الإسرائيلي لديه بنك أهداف في هذه الحرب، ويضيف "رأينا ذلك خصوصاً في الفترة الأخيرة، إذ يعتمد في تنفيذ ضرباته على مزيج من الجواسيس أو العملاء والذكاء الاصطناعي". ويردف "هناك أنفاق تحت الأرض غالبية الأجهزة مهما كان نوعها لا يمكن أن تصل إليها ولا تردد فيها، وهذه طبعاً تحتاج إلى جواسيس ومعلومات بشرية تنقل إلى الجانب الإسرائيلي".