الجنوب السوري يغرق بالمخدرات بعد تراجع التهريب إلى الأردن

24 يوليو 2022
يقوم الجيش الأردني بدوريات منتظمة لضبط التهريب على الحدود (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -

تتفاعل قضية إنتاج وتهريب المخدرات في سورية. وفي حين شهدت عمليات التهريب عبر الحدود مع الأردن تراجعاً نسبياً في شهر يونيو/حزيران الماضي، اتجهت حركة التصريف إلى الداخل السوري. بالتوازي مع ذلك، يتحرك مشرّعون أميركيون من أجل إدراج سورية كبلدٍ منتج للمخدرات، مع ما قد يستتبع ذلك من إجراءات قد تقوم بها الولايات المتحدة لمكافحة إنتاج المخدرات داخل الأراضي السورية.

تراجع التهريب من سورية عبر الأردن وأهم أسبابه

ويشير تتبّع الإعلانات الصادرة عن الجهات الرسمية الأردنية إلى أن آخر عملية لتهريب المخدرات جرى إحباطها على الحدود مع سورية كانت في 24 يونيو الماضي، أي منذ شهر، وهو تراجع ملحوظ، بعدما كان معدل عمليات التهريب المكتشفة يصل أحياناً إلى خمس عمليات في الأسبوع. وأول من أمس الجمعة، أعلن الأردن إحباط عملية تهريب أسلحة قادمة من سورية، لكن لم تتضمن مواداً مخدرة.

وبيّن تقرير نشره "تجمع أحرار حوران" قبل أيام حجم هذا التراجع، إذ أشار إلى أن الأردن أحبط 361 عملية تهريب من الأراضي السورية خلال العام الماضي، ضبط خلالها نحو 15.5 مليون حبة مخدر من أنواع مختلفة، وأكثر من 16 ألف عبوة "حشيش مخدر". وبحلول منتصف العام 2022، صادر الأردن أكثر من 20 مليون حبة "كبتاغون"، ونصف مليون كفّ حشيش، أي بمعدل عملية تهريب واحدة يومياً منذ مطلع العام الحالي.

ويعزو التقرير هذا التراجع إلى نتائج اجتماع أردني - إيراني جرى أخيراً في العراق بهدف احتواء عمليات تهريب المخدرات. وأوضح "تجمع أحرار حوران" أنّ الاجتماع أسفر عن نتائج إيجابية حتى الآن: فمن ناحية، يريد الأردن التخلص من أي تهديدات تمس أمنه القومي، وإيران، التي تقف وراء عمليات التهريب، سوف تركّز بشكل أكبر على ترويج المخدرات داخل سورية، مع البحث عن أسواق خارجية عبر الموانئ السورية، مقابل أن يكف الأردن عن التعبير عن انزعاجه من تمدد المليشيات الإيرانية في الجنوب السوري، وألا يقوم بإغلاق معبر نصيب.

أحبط الأردن 361 عملية تهريب من سورية في 2021

ومن هنا، يمكن فهم تصريح رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة في 10 يوليو/تموز الحالي، الذي قال فيه إن بلاده تسعى إلى علاقات جيّدة مع إيران، ولم تتعامل معها يوماً واحداً على أنها مصدر تهديد للأمن القومي. وكان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي قد نفى، في تصريح له أواخر الشهر الماضي، وجود أي حديث عن تحالف عسكري في المنطقة تكون إسرائيل جزءاً منه. وجاء ذلك بعد الجدل الذي أثاره تصريح الملك عبد الله الثاني في الـ24 من الشهر الماضي، وأشار فيه إلى أن بلاده مستعدة لمساندة "حلف ناتو جديد" في الشرق الأوسط.

تجارة المخدرات تنشط في الجنوب السوري

ويشير العديد من التقارير إلى أن عمليات تصنيع وتجارة المخدرات في الجنوب السوري باتت منتشرة على نطاق واسع وعلنية إلى حد كبير، إذ نشطت المجموعات والخلايا التابعة للمليشيات الإيرانية منذ تسوية 2018 في ترويج الحبوب المخدرة والحشيش في درعا والسويداء، بمعرفة الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، ومشاركتها أيضاً.

وقال المتحدث باسم "تجمع أحرار حوران" الناشط أيمن أبو محمود، لـ"العربي الجديد"، إن "حزب الله اللبناني أقام أخيراً معامل (مكابس) تصنيع الكبتاغون في السويداء، وقبلها في درعا، ويجرى إغراق المحافظتين بالمواد المخدرة الرخيصة والرديئة، خصوصاً طلاب المدارس، الذين باتوا يُجندون أيضاً في شبكات الترويج والبيع".

ورأى أبو محمود أن "إيران ومليشياتها تسعى، فضلاً عن تحقيق دخل مادي، إلى تحطيم الأجيال الجديدة، وشلّ فاعليتها في مقاومة مشاريعها في الجنوب السوري وعموم البلاد، مستغلة الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والنفسية التي يعاني منها السكان نتيجة الحرب الداخلية المديدة". وأضاف أن التركيز يتم على محافظة درعا، لأنها لا تزال تظهر مقاومة للمشاريع الإيرانية، على الرغم من الفلتان الأمني فيها الذي أوجده النظام بدعم من الإيرانيين.

وفي هذا السياق، يلاحظ تنامي عمليات استهداف تجار المخدرات والعاملين على ترويجها في محافظة درعا، حيث قتل أكثر من 10 منهم منذ شهر إلى الآن. وكان آخر المستهدفين أيمن الرمثان، الذي قُتل قبل يومين في ريف المحافظة الشرقي، ويعتبر من أكبر تجار المخدرات جنوبي سورية. كما عثر الأهالي على جثة الشاب مؤيد أحمد الرحيل، المتحدر من بلدة النعيمة، على الطريق بين بلدتي غصم والمتاعية شرقي درعا، وتظهر على الجثة آثار طلقة في الرأس إلى جانب ورقة كتب عليها: "هذه نهاية كلّ تاجر مخدرات".

يجري إغراق درعا والسويداء بمواد مخدرة رخيصة ورديئة

كما شهدت الأسابيع الأخيرة الماضية العديد من عمليات الاغتيال لأشخاص على صلة بتجارة المخدرات، منهم أحمد غدير الحويطي الخالدي، الذي قتل بالرصاص أمام منزله في ريف درعا الغربي. كما عُثر في السهول الزراعية، في ريف درعا الأوسط، على محمد طه قنبر وخالد طه قنبر مقتولين، وكلاهما يعملان في تجارة وترويج المخدرات في المدينة. وقتل أيضاً محمد قاسم قطليش المنخرط في تجارة وترويج المخدرات.

وقبل ذلك، اغتيل المسؤول الأمني أبو علي مخلوف أثناء جمع واردات الحواجز التي يديرها، وهو يعمل ليلاً في تهريب الكبتاغون على الحدود الأردنية. وفي محافظة السويداء، عثر على جثتي شابين متهمين بتجارة وترويج المخدرات في المحافظة على طريق دمشق - السويداء. وكانت المحافظة شهدت مقتل قائد "قوة مكافحة الإرهاب" سامر الحكيم، الذي تقول مصادر مطلعة إن فصيله كان في صراع مع المليشيات الإيرانية والنظام السوري في مواجهة عمليات تهريب المخدرات.

في غضون ذلك، بدأ حراك في الكونغرس الأميركي لتصنيف سورية بلداً منتجاً للمخدرات. وانضم النائب الجمهوري فرينش هيل، أخيراً، إلى مجموعة من المشرّعين الأميركيين من مجلسي النواب والشيوخ في الكونغرس، لمطالبة إدارة الرئيس جو بايدن بتحديد ما إذا كانت سورية بلداً رئيسياً لعبور أو إنتاج المخدرات.

ووجّه النائبان فرينش هيل وبراندان بويل، والسيناتور روجر مارشال، رسالة إلى الخارجية الأميركية، كتبوا فيها أنه "إضافة إلى انتهاكاته الجسيمة لحقوق الإنسان، أصبح نظام بشار الأسد دولة للمخدرات التي باتت شريان حياة مالياً رئيسياً له، وتموّل المجموعات المدعومة من إيران في المنطقة، لكنها تدمر المجتمعات المحلية". وطالبوا الإدارة الأميركية بإصدار قانون ينص على أن سورية هي بلد رئيسي لتصنيع المخدرات وليس عبورها فقط.

وفي حال سُنّ مثل هذا القانون، فسيُطلب من وزارات الدفاع والخارجية والخزانة الأميركية، وكل من إدارة مكافحة المخدرات، ومكتب المخابرات الوطنية، والوكالات الفيدرالية الأخرى، تزويد الكونغرس باستراتيجية لتعطيل وتفكيك شبكات إنتاج وتهريب المخدرات في سورية.

المساهمون