الجزائر والقاهرة... ما لا تخفيه المجاملة

30 أكتوبر 2024
تبون والسيسي في القاهرة، 27 أكتوبر 2024 (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- خلال زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى القاهرة، برزت تباينات واضحة بين الجزائر ومصر في مواقفهما تجاه القضية الفلسطينية والأزمة الليبية، حيث تدعم الجزائر المقاومة وتتبنى موقفاً صارماً ضد الاحتلال، بينما تتخذ مصر موقفاً محايداً وتدير وساطة بين المقاومة وإسرائيل.

- الجزائر تحتضن قيادة حماس في شمال أفريقيا، مما يعزز دورها في بناء المواقف، وتؤكد على ضرورة إدارة فلسطينية لقطاع غزة، مع رفض إدخال عناصر خارجية لإدارة الحكم، في إشارة إلى بعض الدول العربية.

- رغم أهمية التقارب الاستراتيجي والاقتصادي بين الجزائر ومصر، إلا أن الجزائر تسعى لجذب مصر نحو مواقف أكثر انسجاماً مع الخيارات القومية، بعيداً عن مشاريع الهيمنة.

إلى حد ما، يمكن تفهّم أنه ثمة مقتضيات ومفردات للتصريح السياسي بالنسبة لرئيس يزور دولة أخرى، تقتضي بعض استحقاقات المجاملة السياسية، لكن نخباً كثيرة في الجزائر لم تستسغ أن تكون المواقف بين الجزائر ومصر متطابقة في قضايا عديدة، وفقاً لما عبر عنه الرئيس عبد المجيد تبون خلال زيارته، الأحد الماضي، إلى القاهرة، على الأقل بالنسبة للقضية الفلسطينية والأزمة الليبية، بفعل تناقض مواقف البلدين، لا من جهة منطلقاتها فحسب، ولكن واقعاً من جهة السلوك السياسي الممارس فعلياً بشأنها.

في ملف غزة بالأساس، الجزائر في محور والقاهرة في آخر، لا يجمع بينهما جامع، لا في المواقف ولا في المفردات. تتمركز القاهرة ضمن محور التطبيع الداعم لاتفاقات أبراهام (وصفتها الجزائر بالهرولة)، بينما تتمركز الجزائر ضمن محور يدعم المقاومة وتحتفظ بموقف تقدمي. تدير القاهرة وساطة بين المقاومة وإسرائيل، وهذا يعني أنها تتخذ موقعاً محايداً، وتتعامل بنَفَس متوازٍ مع الطرفين على القدر الذي يجعلها في موضع تأهيل وساطتها، سواء كان ذلك بفعل إكراهات الجغرافيا أو قناعة من النظام المصري الذي يحتفظ (إعلامه على الأقل) بموقف حاد ضد حركة حماس. في المقابل، تتخذ الجزائر موقفاً مؤيداً للمقاومة بوصفها حقاً مشروعاً، وتتبنى صرامة متطرفة أحياناً ضد الاحتلال، وتخوض منذ يناير/ كانون الثاني الماضي، تاريخ بدء عضويتها في مجلس الأمن، معركة شديدة في المحفل الأممي لاستصدار إدانات وقرارات ضد الاحتلال.

هناك توافق في المبدأ على منع التهجير ووقف إطلاق النار فعلاً، لكن الجزائر تتحدث بوضوح عن عدوان إسرائيلي على قطاع غزة ولبنان يجب أن يتوقف، بينما تتحدث القاهرة عن "القتال والحرب". وفي الحالة الفلسطينية لا يستقيم المعنى بين جيش الاحتلال والمقاومة، هناك فارق آخر لا يقل أهمية، سبق لتبون أن دان إغلاق الحدود وحصار الفلسطينيين، وطالب الجانب المصري (تلميحاً) بفتح الحدود وتسهيل إدخال المساعدات، وبالتأكيد لمصر القدرة على ذلك لو مارست الضغط الكفيل بذلك، لذلك لا تبدو المجاملات السياسية كافية حتى لتغطية الفارق الواضح في تقديرات الموقف بين الجزائر والقاهرة.

تحتضن الجزائر في الوقت الحالي قيادة حماس لمنطقة شمال أفريقيا، وهذا يتيح لها القدرة على المساهمة في بناء المواقف، وبغض النظر عن مدى تأثير الموقف الجزائري على حقيقة الأوضاع والتطورات والخطط المعدة لغزة ما بعد العدوان والمواجهة، فإن التصور الجزائري لا ينسجم مع الطرح المصري الذي يرتب لتوفير تغطية للمشروع الأميركي بشأن اليوم التالي. الرئيس الجزائري أكد على عنصرين أساسيين في هذه المسألة. العنصر الأول أن تكون إدارة القطاع فلسطينية، وأن يسيّر الفلسطينيون أراضيهم ولو بمساعدة أطراف عربية (ذكر مصر بحكم الجغرافيا). والعنصر الثاني الاعتراض على فكرة إدخال عنصر من خارج المنطقة لإدارة الحكم في غزة، ويشمل هذا الرفض تلميحاً إلى دول عربية بعينها (الإمارات). كل تقارب بين الجزائر والقاهرة أمر ضروري، استراتيجياً واقتصادياً بالنسبة للمنطقة، بحكم أنهما دولتان لهما تأثير عربي وأفريقي، لكن من المهم أن تسحب الجزائر مصر إلى مواقف ومقاربات أكثر انسجاماً وانحيازاً للخيارات القومية وخارج مشاريع الهيمنة ولا يجب أن يحدث العكس.