الجزائر: مطالبات بانفتاح سياسي قبل الانتخابات الرئاسية

19 يناير 2024
من اجتماع مجلس شورى حركة مجتمع السلم كبرى الأحزاب الإسلامية في الجزائر (فيسبوك)
+ الخط -

لا تتأخر أكبر الأحزاب السياسية الفاعلة في الجزائر، بما فيها التي في صف الموالاة، في التعبير عن قلقها من المناخ السياسي السائد في البلاد، بسبب ما تعتبره وجود إكراهات وضغوط على الممارسة السياسية في الساحة، ورغبتها في تكريس انفتاح يسمح بمساحات الرأي والحوار، خاصة أن الجزائر بصدد السنة الانتخابية التي ستشهد اجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في غضون العام الجاري.

وقال رئيس حركة مجتمع السلم، أكبر الأحزاب الإسلامية والمعارضة في البلاد، عبد العالي حساني، خلال انعقاد مجلس شورى الحركة، اليوم الجمعة، إن "سنة 2024 هي سنة انتخابات رئاسية تشكل الحدث الأبرز في هيكلة الأداء السياسي لكل مكونات الساحة السياسية على مستوى السلطة بكل أجزائها والطبقة السياسية والمؤسسات المجتمعية، لكنها تأتي في ظل استمرار الوضع المنكمش للحريات الإعلامية والسياسية والنقابية، واستمرار حالة التضييق على الحريات الفردية والجماعية، وفي خضم وضع سياسي في البلاد يتسم بحالة ترقب وترصد بسبب حالة التجديد القيادي التي عرفتها معظم الأحزاب الفاعلة".

وأكد حساني أن الحركة "ستستمر في الدعوة وبإلحاح على السلطة والرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، لفتح المجال السياسي، خاصة ونحن مقبولون على سنة انتخابية تقتضي تكريسا واسعا للحريات وحرية الممارسة السياسية والإعلامية، والدعوة المستمرة والثابتة لحماية كافة أشكال الحريات الفردية والجماعية التي كفلها الدستور وكرسها القانون".

من جهتها، عبرت جبهة القوى الاشتراكية عن استيائها مما اعتبرته "غياب الممارسة الديمقراطية الحقيقية"، مؤكدة أن السلطة "فرضت وضعاً قائماً على حساب العمل السياسي". وقال السكرتير الأول للحزب، يوسف أوشيش، خلال مؤتمر لإطارات الحزب في المجالس المنتخبة، اليوم الجمعة، إن هناك "غياب ديمقراطية حقة في ظل تغول مركزية القرار وتعسف الوصاية، وهو ما يتنافى مع الخطابات الرنانة للسلطة، بينما تبقى المجالس المنتخبة مفتقرة لأدنى الصلاحيات السياسات الأحادية، ورهينة القرارات الفوقية التي لا علاقة لها بالواقع المعاش للمواطن وتطلعاته".

وألمح أوشيش إلى إمكانية كبيرة لمشاركة الحزب في الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في غضون العام الجاري، وقال: "مشاركاتنا خلال المواعيد الانتخابية ليست غاية في حد ذاتها، بقدر ما هي محاولة منا لاكتساب مساحات نضالية جديدة من أجل دولة الحق والقانون، ومن أجل العمل على الترويج لمشروعنا السياسي"، مضيفاً أن الحزب كان قد أعلن عن "مشاركة سياسية ووطنية وقوفاً في وجه كل الأجندات، سواء تلك التي كانت تسعى للحفاظ على الوضع القائم أو الشعبوية".

وفي السياق، طالبت الأمينة العامة لحزب العمال والمرشحة الرئاسية السابقة، لويزة حنون، بإعادة تأسيس الممارسة السياسية وإرساء العمل الديمقراطي، ووصفتها بأنها "أكثر ضرورة ملحة في هذه الساعة"، مشددة في اجتماع المكتب السياسي للحزب، الثلاثاء الماضي، على أن "المرحلة الراهنة التي تسبق الانتخابات الرئاسية تسوجب رفع كل الحواجز أمام العمل والممارسة السياسية، بداية من إلغاء الإجراءات والقوانين التي تجرم العمل السياسي والإعلامي، خاصة في هذه السنة التي تعد سنة مفصلية لأنها سنة الانتخابات الرئاسية، وهذا يفرض توفير المناخ السياسي المناسب وكامل الشروط التي تتيح إجراء المناظرة بين البرامج وفي ظل تكافؤ الحظوظ حتى يتمكن الجزائريون من الحكم على كل منها بحرية".

ودعت حنون الرئيس تبون إلى "اتخاذ الإجراءات التهدئة والإفراج عن معتقلي الرأي، والانفتاح الإعلامي، وخاصة الإعلام العمومي الذي يشكل القاطرة لهذا الانفتاح".

لكن هذه التقديرات السياسية التي تصف مناخات الممارسة السياسية بالضيق لا تتوقف عند قوى وأحزاب المعارضة، بل تجد لها مكاناً أيضاً في خطابات قادة أحزاب الموالاة أيضاً. فعلى الرغم من كونها جزءاً من الحزام الحكومي والرئاسي الداعم لسياسات الرئيس عبد المجيد تبون، إلا أن حركة البناء الوطني، رابع أكبر الأحزاب في البرلمان الجزائري، لا تتأخر في التعبير عن رغبتها في تكريس انفتاح سياسي يتيح.

وبحسب رئيس الحركة عبد القادر بن قرينة خلال مؤتمر للقيادات المحلية للحزب: "الفتح والدفع نحو حوار وطني واسع لا يكون بين السلطة والأحزاب فقط، وإنما يكون أيضا بين كل مكونات الوطن وبين نخب الرأي العام، وبين الأحزاب وقادة الرأي وبين الكُتَّاب والإعلاميين وبين المدونين والمتابعين لهم، بصورة تسمح باستدراك الأخطاء وحل المشكلات والمعضلات".

واعتبر بن قرينة أن هناك ضرورة تفرض "الاستعداد الجاد والمسؤول من الآن للاستحقاقات الوطنية القادمة، ولا سيما الانتخابات الرئاسية، بالشكل الذي يجعلنا جميعاً نتحمل فيه الأعباء الوطنية معاً لضمان مواصلة الاستقرار المؤسساتي ومواصلة استمرار وتيرة التنمية والرقابة البرلمانية على الأداء العام للحكومة، وترشيد النفقات وحماية المال العام، وتمكين الجزائر من استكمال مشروع التجديد الذي انطلق بعد الحراك، لأن مشروع الجزائر الجديدة بدأ بعد الانتخابات الرئاسية، ولكنه لم يكتمل إلى الآن".

وتجد غالبية الأحزاب السياسية فارقاً بين خطوات رمزية يقوم بها الرئيس تبون، من خلال سلسلة حواراته الصحافية ولقاءاته المستمرة مع قادة الأحزاب السياسية من كل التيارات، كان آخرهم استقباله رئيس حزب صوت الشعب لمين عصماني، وزعيمة حزب العمال لويزة حنون، وبين الواقع السياسي الذي يتسم ببعض الإكراهات والحد من النقاشات والمنابر السياسية والإعلامية.

ويفسر المحلل السياسي خليل زغاش، في تصريح لـ"العربي الجديد"، تزايد هذه المطالبات "بوجود شعور لدى كامل المجتمع السياسي في الجزائر بأن المناخ يحتاج إلى مزيد من الانفتاح، وبأن مساحات الرأي إن لم تكن منعدمة فهي غير كافية، ولا تتناسب مع حجم الرغبة والمتطلب الواقعي الذي تفرضه الحاجة السياسية في الجزائر"، مضيفا أن "وجود الانتخابات الرئاسية في خضم هذا العام 2024 يفرض أساسا رفع كل الحواجز أمام التغييرات السياسية المختلفة، وإلا سيبدو الأمر وكأنه مجرد استعراض انتخابي بدون معنى".

المساهمون