استمع إلى الملخص
- التحدي الرئيسي يكمن في فهم شكل وطبيعة التغيير الحكومي وعلاقته بالمشروع الاقتصادي والاجتماعي لتبون، خاصة في ظل التغييرات الهيكلية المتكررة للحكومة والوزارات.
- هناك شعور عام بضبابية الأفق السياسي والاقتصادي في الجزائر، مع غياب "فكرة مركزية" للدولة، مما يستدعي مراجعة السلطة لخياراتها وسياساتها لتحقيق نتائج ملموسة.
قبل شهر، كان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يجيب عن سؤال في حوار تلفزيوني حول مسألة تشكيل الحكومة الجديدة ما بعد الانتخابات الرئاسية التي جرت في السابع من سبتمبر/ أيلول الماضي، قائلاً إنه بصدد البحث عن الكفاءات. وفي غضون ذلك كان يبدي استياءه من قطاعات وزارية بعينها، لم يكن أداؤها مرضياً بالقدر المطلوب. لعل الرسالة السياسية كانت على قدر كبير من الوضوح، من أن الرئيس سيتوجه نحو حكومة كفاءات، لا تأخذ بعين الاعتبار حاجيات الطبقة السياسية، خاصة تلك التي دعمته في الانتخابات الرئاسية الماضية، لاسيما أنه قال إنه ليس هناك أي مجال لربط دعم كتلة من الأحزاب له بإشراكها في الحكومة.
ما ليس واضحاً في المقابل، ويجد المشتغلون بحقل السياسة في الجزائر بعض الصعوبة في فهمه، مع كل إعلان عن تشكيل حكومي، هو شكل التغيير الحكومي وطبيعته، وبالأساس في علاقة كل ذلك مع المشروع الاقتصادي والاجتماعي الذي يطرحه تبون، سواء على صعيد هيكلة الحكومة والقطاعات الوزارية، أو على صعيد الأسماء والتعيينات، خاصة في علاقة بربط وزارات ببعضها أو تفكيك أخرى، وفي استحداث أو إعادة بعث وزارات، ذات صلة بتدبير الشأن الداخلي أو الخارجي.
بغض النظر عن الأسماء التي تم تداولها، يمكن ملاحظة أنه وخلال خمس سنوات من حكم تبون، مرت الحكومة بأكثر من وضع هيكلي، من دون أن يكون ذلك مفهوماً، بحيث يعطي هذا الأمر انطباعاً بأن المؤسسة السياسية، لم تتوصل إلى تصور نموذجي لشكل الحكومة، وللقطاعات الوزارية، وبالتالي لتصور أكثر دقة، ليس على صعيد المشروع السياسي والاجتماعي فحسب، ولكن بالأساس بالنسبة لخطط التنمية وإصلاح وإعادة بناء الاقتصاد وفق قواعد جديدة تفك الجزائر عن الريع النفطي.
لعل أفضل من عبر عن هذا المعنى بصيغة سياسية، رئيس الكتلة النيابية لحركة مجتمع السلم، أحمد صادوق، الأسبوع الماضي، خلال مناقشة قانون الموازنة لعام 2025، عندما تحدث عن شعور النخب والمجتمع السياسي بضبابية في الأفق، بسبب غياب ما وصفها "فكرة مركزية" للدولة، تدور حولها الحكومة والأحزاب وتتمحور حولها الدافعية الاقتصادية والسياسية، وتتقاطع فيها كل الجهود ويسندها ويلتف الجميع حولها. ذلك أن غياب الفكرة المركزية للدولة يحيل إلى تدبير الشأن العام باليوميات والمراحل والشعارات التي تكون أكبر من الواقع، وهي طريقة ليست إيجابية بالنسبة الدول وغير مضمونة في النتائج.
كان من باب العدل في التقدير، القول إن المجتمع السياسي في الجزائر، هو الذي عجز عن فهم تصورات السلطة السياسية وخياراتها، أو أنه يتهرب ويتنكر لتطور ما على الصعيد السياسي والاقتصادي. لكن عندما يصبح كل المجتمع السياسي، والكتلة الأكبر من النخب، بما فيها تلك الموالية للسلطة، التي تقر تحت الهواء بذلك، مقتنعة أن هناك مشكلة في الخيارات والسياسات، أو في النتائج والمخرجات على الأقل، فإن الأمر يحتاج إلى إقرار السلطة بضرورة المراجعة، أكثر مما يحتاج إلى عدل في التقدير.