يصادف اليوم الإثنين، في الجزائر، الذكرى السنوية لمجازر الثامن من مايو/أيار 1945، التي ارتكبتها قوات الاستعمار الفرنسي في عدد من مدن شرقي البلاد، فيما جددت السلطات الجزائرية أنه "لا تنازل ولا مساومة" بشأن ملف الذاكرة مع فرنسا.
وأكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في رسالة وجهها بمناسبة إحياء اليوم الوطني للذاكرة لذكرى مجازر الثامن من مايو 1945، على الاستمرار في نفس النهج المتعلق بملف الذاكرة مع الجانب الفرنسي، وقال: "لقد أكّدنا أكثر من مرَّة أنّنا ماضون بحزم في الدفاع عن حقّ الشعب الجزائري، بتكثيف المساعي لمعالجة مسألة التاريخ والذاكرة بشجاعة وإنصاف".
وجدد الرئيس الجزائري أن الدولة "عازمة على وضع ملف التاريخ والذاكرة في المسار الذي نتمكن فيه من إضفاء كامل الشفافية والنزاهة والموضوعية، بعيدًا عن أية مساومات أو تنازلات"، مشيراً إلى أن الجزائر تطلّع في نفس السياق و"في المدى القريب إلى إحراز التقدم المأمول في هذا المسار، آخذين في الحسبان الأهمية التي يَكتسيها العمل الموكول للجنة المشتركة من المؤرخين لمعالجة جميع القضايا، بما في ذلك المتعلقة باستعادة الأرشيف والممتلكات ورفات المقاومين والتجارب النووية والمفقودين".
ويقصد بهذه اللجنة، التي تضم خمسة مؤرخين جزائريين وخمسة مؤرخين فرنسيين، الآلية المشتركة التي كان قد تم الاتفاق على تشكيلها خلال الزيارة التي قام بها الرئيس الفرنسي ماكرون إلى الجزائر في نهاية أغسطس/آب الماضي، حيث جرى الاتفاق على "إنشاء لجنة مشتركة من المؤرخين الجزائريين والفرنسيين، تكون مسؤولة عن العمل على جميع أرشيفاتهم التي تشمل الفترة الاستعمارية وحرب الاستقلال، ومعالجة جميع القضايا"، بما في ذلك "تلك المتعلقة بفتح واستعادة الأرشيف والممتلكات ورفات المقاومين الجزائريين والتجارب النووية والمفقودين، مع احترام ذاكرتي الجانبين".
وفي 20 إبريل/نيسان الماضي، عقدت اللجنة المشتركة الجزائرية الفرنسية للتاريخ والذاكرة أول اجتماع لها، منذ تشكيلها في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ويعتقد أن تسهم الزيارة المرتقبة التي سيقوم بها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى باريس، نهاية الشهر الجاري، في توضيح مدى تقدم التوافقات المتعلقة بملف الذاكرة، خاصة مع تمسّك الجزائر ببعض المطالب التاريخية، كتحمل باريس مسؤولية تنظيف منطقة التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية من الإشعاعات.
وفي الثامن من مايو 1945، شهدت مدن سطيف وقالمة وخراطة مجازر وحشية راح ضحيتها أكثر من 45 ألف شهيد، بعدما أطلقت قوات الاستعمار الفرنسي النار العشوائي على المتظاهرين الذين كانوا قد خرجوا استجابة لنداء الحركة الوطنية، احتفاء بنهاية الحرب العالمية الثانية، ولمطالبة فرنسا بتنفيذ وعدها بمنح الجزائريين استقلالهم، في حال ساعدوا فرنسا في محاربة النازية.
وشكًلت هذه المجازر منعطفا أساسيا بالنسبة للحركة الوطنية في الجزائر، نحو التفكير مباشرة في الانتقال من النضال السياسي إلى الكفاح المسلح الذي بدأ التحضير له منذ تلك الفترة واندلع في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 1954.
ويحيي الجزائريون الذكرى التي أقر الرئيس تبون تحويلها منذ عام 2021 إلى "اليوم الوطني للذاكرة"، بإقامة احتفالات رسمية وندوات وزيارات إلى مقابر الشهداء لوضع أكاليل من الورود، وتنظيم استعراضات فرق الكشافة.
وخلال لقائه الدوري بالصحافيين في الثالث من مايو/أيار الجاري (بث الحوار الليلة قبل الماضية)، شدد الرئيس على أن"الدولة الجزائرية لن تتخلى عن ملف الذاكرة أبداً، ولن تساوم مع أي دولة بخصوص هذا الملف، حتى وإن ادعوا الصداقة"، مضيفاً "نحن ندرس مع بعضنا البعض أحداث الذاكرة في الحقبة الاستعمارية، لكن الجانب الفرنسي يدرك، أنه لا يمكننا أن نتخلى عن الذاكرة ونتمنى أن يكون هناك تفاهم كاف بين الطرفين".
وقال المؤرخ الجزائري أحمد بن يغرز، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "ملف الذاكرة يتجاوز مسألة التطلعات السياسية، ويتطلب جهدا كبيرا والاسترشاد من قبل الجزائر باستراتيجية واضحة ورؤية منسجمة تستوعب التناقضات التي تحيط بالملف لاستعادة كافة الحقوق التاريخية من فرنسا".
وأشار إلى أنه "على الرغم مما يبديه الجانب الفرنسي والرئيس إيمانويل ماكرون من بعض القرارات بشأن جرائم الاستعمار الفرنسي، والرغبة في كتابة تاريخ مشترك، إلا أن الأمر يتطلب أيضاً الحذر في التعامل مع الجانب الفرنسي، كون ماكرون يمارس السياسة ويبحث عن مكاسب، ناهيك عن أنه يواجه تيارا يمينيا يرفض اعتراف فرنسا بجرائمها".