الجزائر... خطاب القلق

24 مايو 2023
تركيز في الخطاب على "تهديدات خارجية" للجزائر (رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -

تصوّر أن أجنبياً يطالع بيانات الأحزاب الجزائرية ويستمع إلى تصريحات المسؤولين في البلاد، سيخيل له أن البلد على وشك الافتراس، وأن جيوشاً تقف على الحدود بانتظار ساعة الصفر. بصورة مبالغ فيها تتركز "التهديدات الخارجية" في الخطاب السياسي في الجزائر، فالمسؤولون وقادة الأحزاب والتنظيمات، وحشد المفسرين لخطاب السلطة، ممن يتنقلون من قناة إلى قناة ومن برنامج إلى برنامج، أكثر حديثهم عن "مخاطر أجنبية تتهدد الجزائر"، و"تهديدات خارجية تواجهها البلاد"، بينما يغيب الحديث عن مشكلات الحوكمة وخلل التدبير الحكومي.

كل الدول لديها مشكلات داخلية، كثيرة أو قليلة بما صنع قادتها، وتحدياتها الإقليمية متعددة الأبعاد، وكل بلد له خصوم ونزاعات، لكن ليس إلى الحد الذي يجعل من التهديدات المتأتية من الخارج "برنامجاً سياسياً" قائماً بذاته، وحالة مزمنة تحكم الخطاب والفعل السياسي في الجزائر. ذلك يتصادم مع معنى الاستقرار، ويتناقض تماماً مع حملة التبشير التي تقوم بها الحكومة نفسها ومؤسساتها المختصة لجلب الاستثمارات الأجنبية. في الواقع لا يمكن إقناع رأس مال بالمجيء للاستثمار في بلد، تقول حكومته إنه يواجه تخمة من التهديدات، ويقضي ساسته الجزء الأكبر من وقتهم في الحديث عن حزمة من المخاوف. خطاب قلق ومقلق لا يُطمئن المستثمرين ولا يجلب استثماراً.

من الضرورة بمكان مراجعة هذا الوضع، لأنه لا يخدم صورة بلد تجاوز منذ سنوات أزمته الأمنية، ويفترض أنه تحوّل برغبة جماعية إلى حالة من السلم الداخلي والاستقرار (بغض النظر عن التدافع السياسي الطبيعي بين سلطة ومعارضة)، ويتطلب الوضع الراهن هدوءاً أكثر، وثباتاً انفعالياً أكبر إزاء أي تطور أو موقف يصدر من هيئة أو جهة ما في الخارج.

تمتلك الجزائر كل العوامل المساعدة على مواجهة المشكلات الداخلية والخارجية، اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، والبلد على علاته ليس بهذه الهشاشة التي يصورها "خطاب التهديدات".

تحتاج الجزائر وقادة الفعل السياسي في البلد، إلى إبداء قدر أكبر من الجدية والصراحة، وتغيير جدي وجاد نحو التركيز الفعلي على عوامل إصلاح مشكلات البلد الحقيقية، ومنع السلطة من تكرار الأخطاء نفسها التي أهدرت على البلد فرص استغلال المقدرات المالية بالكيفية المناسبة قبل عام 2019، بدلاً من التهافت على مبادرات وعناوين سياسية أثبتت تجارب ما قبل الحراك الشعبي أنها بلا معنى ولا محتوى.

لا تعيش الجزائر شتاتاً سياسياً يحتاج إلى "لمّ الشمل"، ولا نزاعاً عنيفاً يستدعي إنشاء "جبهة داخلية"، ولا أزمة مؤسسية تتطلب تشكيل "جدار وطني". هناك مشكلات واضحة في الحكم والحوكمة تحتاج إلى حلول واضحة، وإذا كان من الضروري أن يجتمع الساسة في الجزائر، فعلى تلك المشكلات بحثاً عن تصورات الحل ليس إلا. ثمة مثل جزائري عتيق "ما يبقى في الوادي غير أحجاره".

المساهمون