الجزائر تضغط لتشكيل قوة تدخل أفريقية.. مشروع أمني في مواجهة الصعوبات والهشاشة السياسية

22 يوليو 2024
مسؤولون أفارقة خلال الاجتماع التنسيقي السادس للاتحاد الأفريقي في أكرا، 21 يوليو 2024
+ الخط -

تثير دعوة الجزائر إلى التعجيل في تشكيل قوة تدخل عسكرية أفريقية وتجهيزها، تتولى التدخل لإحلال السلام وحل قضايا الأمن في مناطق النزاع في دول قارة أفريقيا، والمساعدة على بناء قدرات الاستقرار في مناطق التوتر، تساؤلات جدية حول مدى واقعية هذا المشروع وإمكانية تنفيذه في واقع أفريقي بالغ الهشاشة سياسياً ومادياً لدول القارة.

وقال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في الاجتماع السنوي السادس بين الاتحاد الأفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية والآليات الإقليمية، المنعقد، أمس الأحد، في العاصمة الغانية أكرا، إن "الوقت قد حان لتفعيل دور القوة الأفريقية الجاهزة في تجسيد أفريقيا آمنة ومستقرة، وأفريقيا مندمجة ومزدهرة، تساهم بكل مسؤولية في معالجة التحديات التي تواجهها في مجال السلم والأمن".

وطالب تبون "بالتعجيل باعتماد مذكرة التفاهم المتعلقة بالقوة الأفريقية الجاهزة بين مفوضية الاتحاد الأفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية والآليات الإقليمية، ومراجعة المفهوم الاستراتيجي للقوة الأفريقية الجاهزة، لجعلها أكثر اتساقاً مع عقيدة الاتحاد الأفريقي بخصوص عمليات حفظ السلام وتوفير الدعم اللازم لها باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من البنية الأفريقية للسلم والأمن".

وتستهدف هذه الخطوة بحسب الرئيس الجزائري (ألقى كلمته بالإنابة رئيس الحكومة نذير العرباوي) تفعيل جميع آلياتها المعنية بالوقاية من النزاعات وتسويتها، وفي مقدمتها القوة الأفريقية الجاهزة التي تتكون من خمس قدرات جهوية، وذلك بغية توظيفها أحسن توظيف في الاستجابة للتحديات الراهنة، وتدعيم أركان البنية القارية للسلم والأمن، إذ كانت الجزائر التي تقود "قدرة شمال أفريقيا"، قد أعلنت الجاهزية الكاملة لقدرة إقليم شمال أفريقيا، وتوفير إمكانيات عسكرية ومدنية ولوجستية، تؤهلها للمشاركة في عمليات حفظ السلام على المستوى القاري لدعم السلام، ولضمان استجابة سريعة وفعالة تجاه الوضعيات المستعجلة والحالات الطارئة.

لكن، وعلى الرغم من بدء وضع خطوات عملية باتجاه تشكيل القوة الأفريقية موضع التنفيذ ميدانياً، بما فيها التحضير والإعداد لتنفيذ التمرين الميداني المقرر أواخر عام 2024، والذي يتعلق بمحاكاة عملية نشر بعثة عسكرية، فإن الأوضاع بالغة الهشاشة لغالبية الدول الأفريقية، سياسياً وعسكرياً ومادياً، وتوسع التوترات في القارة خاصة في السودان والساحل وغرب أفريقيا وغيرها، تدفع إلى طرح تساؤلات جدية حول مصير مشروع القوة الأفريقية وإمكانية تنفيذه على أرض الواقع.

ويعتقد خبراء أن مبادرة الجزائر للضغط على المؤسسات الأفريقية لتشكيل قوة تدخل أفريقية، مرتبطة بالرغبة في وضع تصورات وحلول أفريقية أفريقية لمشكلات القارة، وتلافي التدخلات الأجنبية واستباق الحضور العسكري الأجنبي في مناطق التوتر في القارة. وقال الباحث في الشؤون الأمنية عمار سيغة، والذي أعد أطروحة حول قضايا الأمن في منطقة الساحل، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "فكرة تشكيل قوة تدخل أفريقية مشتركة لم يأت من فراغ، فالتوقيت السياسي مناسب في ظل ما يعتبر تراجع مستويات النفوذ التقليدي الاوروبي والغربي، و انعتاقها من التبعية التقليدية للدول التي كانت مهيمنة على الفضاء الأفريقي من جهة، كما أنه محصلة قناعات وتراكم سنوات من النزاعات المتواصلة في القارة الأفريقية، والتي من بين أسبابها التدخل الأجنبي، والفكرة تستهدف بالأساس إغلاق منافذ استمرار التأثير الدولي في القارة، والحد من كل أشكال التدخل الخارجي، والذي ساهم في الكثير من حالات النزاع والحروب إلى إطالة أمد الازمات وزرع المزيد من الفرقة وعدم التوافق بين أطراف النزاع، إضافة إلى أن القوة الأفريقية وزيادة على دورها المحتمل عسكرياً، ستتولى المساعدة وإغاثة النازحين وتقديم كل أشكال المساعدات الإنسانية وضمان وصولها إلى مستحقيها".

لكن المتحدث يقر في الوقت نفسه بأن المشروع دونه عراقيل وصعوبات في ظل الظروف التي تعيشها بعض دول القارة من انقلابات وسيطرة النخب العسكرية على زمام السلطة وتقويض الحكم المدني فيها، فضلاً عن اختلاف واضح في مواضيع الاستقرار السياسي بين بعض الدول.

ويشرح الخبير في شؤون الأمن والسياسات بجامعة سعيدة غربي الجزائر، الدكتور مولود ولد الصديق، أن الواقع الأفريقي معقد وسيصعب تنفيذ المشروع. وقال ولد الصديق لـ"العربي الجديد"، إن "الجزائر أبدت رغبتها في تشكيل قوة عسكرية أفريقية انطلاقاً من الحالة المزمنة للأحزمة الأزماتية الأمنية في القارة الأفريقية والتوترات المستمرة ولا سيما في منطقة الساحل وجنوب الصحراء، لكن على الرغم من موافقة الاتحاد الأفريقي على المقترح الجزائري، ثمة صعوبات لوجستية وميدانية قد تعثر تطبيق المقترح في القريب العاجل".

وأشار إلى أن هناك جملة من العوامل قد تعرقل تنفيذ المشروع، ترتبط أساساً "بالاختلاف في السياسات الحكومية والرؤى السياسية، ولا سيما مع حركة الانقلابات العسكرية التي عرفتها العديد من الدول الأفريقية، خاصة في دول منطقة الساحل التي تسعى لوضع إطار أمني خاص بها، وتداخل مصالح المجموعة الدولية والمصالح الاقتصادية واللوجستية ومن مصلحتها استدامة حالة الأمن التي تغذي مصالحها وشؤونها، إضافة إلى أن كثيراً من الوحدات السياسية (دول) تمر بحالة يأس سياسي واقتصادي، ومن ثم عجزها عن المشاركة لوجيستياً في القوة العسكرية الأفريقية، فضلاً عن عدم توفر آليات واضحة لوضع خطة للمشروع حيز التنفيذ"، مؤكداً أن "أفريقيا في حاجة إلى الأمننة الاقتصادية والصحية ودمقرطة أنظمتها السياسية باعتبارها مقدمة لتأتي مساعي تشكيل القوة العسكرية في الخطة التالية".

المساهمون