الجزائر: تبرئة مدير الأمن السابق ونجل وزير الدفاع من تهم فساد.. تفاهمات أم تصحيح قضائي؟
أصدر مجلس قضاء البليدة قرب العاصمة الجزائرية، أمس الأحد، حكما يقضي ببراءة المدير العام السابق للأمن الوطني، عبد الغني هامل، ومدير أمن العاصمة السابق نور الدين براشدي، في قضية استغلال الوظيفة وتلقي عمولات ورشاوى.
ورفضت المحكمة التماسات النيابة العامة التي كانت طالبت بسجن هامل وبراشدي لمدة سبع سنوات وتسليط غرامات مالية في حقهما، بعدما أفادت التحقيقات الأمنية والقضائية التي أجريت في شأنها بتورطهما في قضية فساد ووجهت لهما تهمة "سوء استغلال الوظيفة بغرض الحصول على منافع غير مستحقة ذات طابع مهني".
واستغرب عدد من الناشطين والحقوقيين والمحامين، أن تتم تبرئة مسؤول أمني أثبتت التحقيقات تورطه في قضايا فساد، بينما يستمر اعتقال وملاحقة عدد كبير من الناشطين في الحراك الشعبي وصحافيين بلغ عددهم ما يقارب 260 ناشطا.
وقال المحامي والناشط الحقوقي البارز عبد الغني بادي في تصريح لـ"العربي الجديد" إن "الكثير من المسؤولين السابقين استفادوا من أحكام مخففة ومنهم من لم يتابع أصلا"، مضيفا: "الواضح أن القضاء سيتجه إلى مزيد من التخفيف عن المسؤولين السابقين وقلة قليلة جدا منهم لا تكاد تعد على الأصابع توبعت بجنايات، أما الباقون فتوبعوا بجنح".
وواصل قائلا: "الحراك الآن صار جنايات بمفهوم المادة 87- مكرر المستحدثة، وهي تمهيد لإصدار أحكام ثقيلة والأحكام التي صدرت في ما قبل ستكون مضاعفة وأثقل بكثير"، محذرا من كون "سياسة توظيف القضاء للتخلص من الحراك واضحة في نوعية القوانين التي صدرت، بينما نلمس توجها مبطنا للمصالحة بالآلية نفسها التي يقمع بها الحراك".
ويعتبر الحكم الصادر أمس نهائيا وغير قابل للطعن بعد انتهاء مراحل التقاضي، لكنه لا يسمح بالإفراج عن مدير الأمن العام السابق، لكونه مدانا في قضايا فساد أخرى وتملك لعقارات دون وجه.
وأثارت التبرئة حفيظة الجزائريين، في ظل تساؤلات بخصوص إن كان هذا الحكم القضائي الأخير تصحيحا لمسارات قضائية رسمت بفعل تدخلات سابقة، أم أنه بداية تراجع عن سلسلة أحكام وتهم أخرى ما زالت تلاحق هامل.
ويقبع المدير العام السابق للأمن في السجن برفقة نجليه وابنته، ويظل التساؤل حول إمكانية تبرئته من مجموع التهم الموجهة إليه وخروجه من السجن، على غرار ما حدث مع قائد جهاز المخابرات السابق محمد مدين.
وكان القضاء العسكري قد أدان مدين بـ 15 سنة سجن في قضية "التآمر على الجيش"، قبل أن يتم إسقاط التهمة عنه وتبرئته بعد وفاة قائد الجيش السابق الفريق أحمد قايد صالح الذي كان وراء سجنه، إضافة إلى تبرئة وزير الدفاع السابق الجنرال خالد نزار من التهمة نفسها وإسقاط الحكم الغيابي الذي كان قد صدر في حقه.
وما يزيد من المخاوف بشأن وجود تفاهمات داخل السلطة لتبرئة بعض الشخصيات، إصدار محكمة سيدي أمحمد وسط العاصمة الجزائرية الخميس الماضي حكما يقضي ببراءة نجل وزير الدفاع السابق خالد نزار المدعو لطفي نزار، من تهم "تبييض الأموال وإخفاء أصل العائدات الإجرامية وتحويلها بطريقة غير شرعية والتزوير واستعمال المزور"، وكذا "الحصول على وثائق تصدرها الإدارات العمومية بتقديم إقرارات كاذبة وإساءة استغلال الوظيفة على نحو يخرق القوانين والتنظيمات، وكذا تهريب سيارة". وكانت قد أسقطت عنه تهمة "التآمر ضد الجيش" في القضية التي توبع فيها والده.
لكن بعض القراءات السياسية تضع المخرجات القضائية الأخيرة كنتاج التفاهمات التي تم التمهيد لها بخصوص استرجاع الأموال المنهوبة، واعتبار الأحكام بادرة حسن نية من السلطة تجاه عدد من المسؤولين السابقين والاستعداد من جانبها لتخفيف الأحكام بحقهم مقابل التعاون معها. ووفق تلك القراءات، تحاول السلطة التصالح مع تركيبتها التي ضحت بها بعد حراك 22 فبراير/ شباط 2019، ومحاولتها القيام بخطوات جدية لتكريس هذا التصالح وإعادة التوازن للنظام وتفادي منغصات وتسريبات أخرى أو أية هزات من الداخل قد تتسبب بمشكلات أخرى، خاصة في ظل استشعار السلطة لصعوبات كبيرة داخليا وخارجيا.