الجزائر... بلد يتلمس خصره

22 ديسمبر 2021
زيارة تبون إلى تونس الأولى من نوعها منذ 12 سنة (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

فليكن، أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي. متأخرة بزمن سياسي كبير، بدأت الجزائر تعيد تلمّس الجغرافيا حولها، من الجنوب والشمال، ورسم علاقات جديدة مع دول الطوق والجوار، على ما في هذه الدول من أزمات متعددة وتداخل للمصالح الأجنبية والتقاطعات الدولية.

أهملت الجزائر جوارها الجغرافي لعقود وبشكل غريب، فلم يزر رئيس جزائري موريتانيا منذ الثمانينيات، والنيجر ومالي منذ عقود أيضاً. ولم يحط رئيس جزائري في تونس منذ 2009، وغادرت الجزائر ليبيا واكتفت بدور المتفرج منذ 2011، إضافة إلى العلاقات مع المغرب التي استمرت في الجمود والتوتر، ليصبّ كل ذلك في صالح دول ومحاور سياسياً واقتصادياً. ومع هذا الانطواء الجزائري والخطأ الاستراتيجي أمنياً وسياسياً، كان حبل الأحداث والأزمات في هذه الدول يقترب من الحدود الجزائرية شيئاً فشيئاً وينعكس بالتالي على الأمن القومي والمصالح الاقتصادية للجزائر.

في ظروف سياسية سابقة، بدت الجزائر في حالة إنكار لعمقها الأفريقي والمغاربي، سعياً وراء الحداثة السياسية شمال المتوسط. كان هذا خطأ باهظاً ومكلفاً، إذ كان يتعيّن على الجزائر أن تقبل بقدر الجغرافيا التي وضعتها في دائرة النار، محاطة بدول هشة في غالبيتها ومضطربة سياسياً وضعيفة في اقتصادياتها المحلية، وبالغة الضعف في بنيتها الأمنية والعسكرية، وهذا في حد ذاته مشكلة أخرى، لأن الجار القوي دائماً خير من الجار الضعيف.

بيد أن العودة أخيراً إلى تلمّس جغرافيا الجوار وتصحيح المحددات في العلاقة مع دول الطوق، بإدخال البُعد الاقتصادي كمحدد جديد بدلاً من الاتكاء على الأبعاد السياسية والأمنية فحسب، بدأ يتركز في الوقت الراهن كخيار استراتيجي بالغ الأهمية بالنسبة للجزائر. وفي ترجمة أولية لهذا التوجه التصحيحي، تبرز زيارة الرئيس عبد المجيد تبون (بغض النظر عن توقيتها) إلى تونس، الأولى منذ 12 سنة، واستقبال الجزائر للرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني قريباً للمرة الأولى منذ 2011، وفتح معبر بري وتجاري، وإعادة فتح سفارتها في ليبيا وتركيز بعثة دبلوماسية وفتح معابر تجارية، إضافة إلى كثافة التمركز السياسي للجزائر في مالي والنيجر.

بالتأكيد فإن هذا التأخر سيكلف الجزائر الكثير من الجهد والمقدرات في المرحلة المقبلة، لأن الرصيد التاريخي في العلاقة بين الجزائر ودول الجوار آيل إلى التآكل، ولأنه في الوقت الذي انتبه فيه صانع القرار السياسي في الجزائر إلى ضرورات الجغرافيا والتوجّه الحتمي نحو خيار ترميم العلاقات مع دول الطوق بحثاً عن "الجوار الآمن"، كانت قواعد بناء العلاقات والمصالح بين الدول قد تغيّرت وتزحزحت قليلاً لدى الأجيال الراهنة، من الأبعاد التقليدية إلى لغة المصالح الاقتصادية وحسابات الربح والخسارة.

لم تعد العلاقات قابلة لأن تُبنى في إطار كلاسيكي يتوقف عند مقولات السبعينيات، وصارت بحاجة إلى هندسة منتجة للقيمة المضافة، اقتصادياً بالأساس، تستعين ولا تتكئ بالكامل على عوامل التاريخ والقرابات الثقافية والاجتماعية، وهذا أمر سيتوقف عليه نجاح وإخفاق الخطوة الجزائرية.