كل طموح الجزائريين أن تحدث المعجزة الاقتصادية والتحوّل إلى بلد للرفاه الاجتماعي، فالبلد يملك كل المقوّمات والإمكانات لذلك، ولا ينقص سوى عقل يدير وتدبير حسن وحكامة راشدة. والفرق بين الطموح والكينونة، مسافة ممكنة، صعبة لكنها غير مستحيلة.
وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، والإعلام الرسمي وغير الرسمي في الجزائر، فاجآ الجزائريين قبل أيام بموجة تقارير إعلامية تتحدث عن "تحقق المعجزة منذ سنة 2019"، و"تحوّل الجزائر إلى دولة جذابة تتوفر فيها ظروف العيش الرغيد"، و"بناء مؤسساتي في مستوى كبريات الديمقراطيات". مثل هذه التوصيفات الإنشائية، كانت بحاجة ماسة إلى إسناد بالأرقام التي يمكن أن تفسر ذلك، إن وُجدت.
ليس من الصعب نسف هذا المضمون السياسي والإعلامي الساذج، الذي لا يعبّر عن الواقع المعيشي للجزائريين الذين خرجوا للتو من أزمات مواد تموينية، وما زالت تحاصرهم مشكلات مزمنة في مجالات الصحة والتعليم والبطالة والسكن، وفيه الكثير من اتساع المسافة بين الواقع والمؤسسة الإعلامية في الجزائر. ولم يكن من الصعب أيضاً إنهاك هذه الدعاية السياسية التي لم يكن لها أي مبرر، ذلك أن الرئيس عبد المجيد تبون نفسه قال في اجتماع في يونيو/حزيران الماضي مع حكّام الولايات، إنه "ليس بحاجة إلى التملّق من أي كان".
حقاً الرئيس الجزائري ليس بحاجة إلى ذلك بالقطع، إذ ليس في الداخل من يحاول، لا من المعارضة ولا من المنتظم المدني ولا من أي من الأجهزة ولا الإعلام حتى، أن يخوض حملة ضد السلطة أو ضد سياسات الرئيس، والأخير يقود بأريحية كبيرة بعيداً عن كل إزعاج. ولذلك يبدو توقيت "حملة الإشادة" هذه، غريباً وبدون تفسير، وحتى إذا كان الغرض من ذلك إطلاق حملة مسبقة لولاية رئاسية ثانية للرئيس تبون، فذلك أمر مبكر، وما زال يفصل عن الانتخابات الرئاسية عامان كاملان.
وحتى إذا وُضعت "حملة الإشادة" هذه في سياق الترجمة الفورية لتصريح وزير الاتصال محمد بوسليماني، الذي طالب الصحافة الجزائرية بأن تتحوّل إلى "صحافة هجومية"، أو الرد عاجلاً على تقرير نشره مجلس المحاسبة عن أزمة الإنفاق الحكومي، وفسر فيه فشل سياسات التصدير خارج المحروقات، واستمرار الخلل في بنية المشاريع العمومية، والعجز الكبير للمؤسسات المملوكة للحكومة بوصفها "غير ربحية"، في كلتا الحالتين هناك ابتذال للمعنى السياسي وتوظيف سيئ للإعلام لتزييف الوعي بصورة لا تعبّر عن الجزائر الممكنة.
لا يمكن إنكار حدوث تغييرات إيجابية طفيفة في أساليب تسيير الشأن المحلي، والإقرار واقعاً بأن هناك محاولة جدية لتغيير طرق الإنفاق والتدبير، وضغطا لمنع تكرار الانحرافات والفساد، وسنّ تشريعات لضبط الفضاء العمومي، وفرض هيبة الدولة على المجال العام، وإعادة تنظيم قطاعات حيوية.
في المجمل تحاول الدولة أن تعلن عن وجودها وهي تتدافع في ذلك مع حالة من التطبّع المجتمعي على اللانظام، (السلطة نفسها هي المسؤولة عن خلقها). غير أن كل ذلك الجهد لا يزال ضمن نطاق المحاولة، ولم يرقَ أبداً لأن يوصف بـ"التحوّل" أو "المعجزة" الاقتصادية، ذلك أن "المعجزة" حين تكتمل شروط تحققها تتحدث عن نفسها، وهي بالأساس تُصنع في الواقع ولا تُكتب على الورق، تُقرأ في معيشة الناس وحياتهم أكثر مما تُرى في نشرة الأخبار.