الجزائر: السلطة تورّط المرجعيات الدينية في معركة الدستور

24 أكتوبر 2020
سيجري الاستفتاء على الدستور في الأول من نوفمبر (رياض كرمدي/فرانس برس)
+ الخط -

لجأت السلطات الجزائرية إلى المرجعيات الدينية والزوايا الصوفية المؤثرة في المناطق الداخلية خصوصاً، لدعم موقفها بشأن إقناع كلّ الجزائريين بالذهاب إلى صناديق الاقتراع، وتعزيز الدعوة إلى التصويت الشعبي في الاستفتاء على الدستور المقرَّر في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، قبل ثلاثة أيام من اختتام الحملة الدعائية للدستور التي تنتهي يوم الثلاثاء المقبل.

ووعدت السلطات الجزائرية، الجمعيات الدينية والزوايا الدينية بمزيد الدعم والاسناد المالي، وبإصدار قانون خاص للجمعيات الدينية، لكنها ربطت ذلك بنجاح الاستفتاء على الدستور، والتصويت للمسوَّدة الدستورية المطروحة للاستفتاء الشعبي.

وقال مستشار الرئيس المكلَّف أمر الجمعيات الدينية، عيسى بلخضر، في مؤتمر عقده مركز الدراسات الاستراتيجية اليوم السبت، حول دور الجمعيات الدينية، إن الأخيرة "ستظل ثابتة في الدفاع عن الثوابت، من خلال دعمها للمسار الانتخابي وللاستفتاء على الدستور لحماية البلاد، لأنها تساهم بذلك في تحصين البلاد ووضعها على الخيار الصحيح، ضد شذاذ الآفاق الذين يتربصون بالجزائر"، مؤكداً أن "التصويت على تعديل الدستور سيسمح للسلطات بمباشرة سنّ القوانين العضوية، ومنها سنّ قانون خاص للجمعيات الدينية، بما سيساعد هذه الجمعيات والزوايا على تعزيز دورها ومكانتها المجتمعية ".

وقبل أيام، تتابع إعلان الجمعيات والزوايا الدينية ومشايخ الطرق الصوفية، عن دعوتها الجزائريين إلى المشاركة في الاستفتاء، والدعوة إلى التصويت للدستور، إذ دعا شيخ الطريقة التجانية (طريقة صوفية تمتد إلى السنغال ومالي ودول غرب أفريقيا)، وزاوية تماسين الواقعة بتقرت في ورقلة جنوبي الجزائر، محمد العيد التجاني، بياناً مصوراً دعا فيه الجزائريين إلى المشاركة بقوة في استفتاء الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. وقال إن "بناء الجزائر الجديدة يمرّ حتماً عبر التعديل الدستوري، الذي هو الأساس" الذي ستحدث به نهضة الجزائر، على جميع الأصعدة، وترقية مكانة بلادنا بين الأمم. وأضاف أن "الجزائر تعيش اليوم في الألفية الثالثة، فبالتالي تحتاج إلى دستور جديد وآليات جديدة لبناء الجزائر الجديدة وتحسين أوضاعها"، مؤكداً أن "الزاوية مجندة من أجل شرح وتحسيس المواطنين بأهمية مشروع تعديل الدستور وضرورة المشاركة في الاستفتاء المقبل".

وفي السياق نفسه، أصدرت السلطة موقفاً مؤيداً للدستور من الزاوية البلقائدية الهبرية (طريقة صوفية معروفة في غربي الجزائر خاصة)، وأعلن شيخ الطريقة محمد عبد اللطيف، دعمه لمشروع تعديل الدستور، معتبراً أن الدستور الجديد "أحد مظاهر مسيرة التغيير"، مضيفاً أن "مشروع تعديل الدستور الذي سيُقبل عليه الشعب الجزائري في مطلع نوفمبر، أحد مظاهر هذا التغيير، وسيكون لبنة الأساس لبناء جزائر جديدة مبنية على أصول ثابتة تضمن للأجيال القادمة حياة سعيدة، وترقى ببلدنا إلى مصافّ كبريات الدول في شتى ميادين الحياة، وذلك فإننا نؤيد هذا المشروع بقلوبنا ودعواتنا".

وخلال فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، كان الأخير على علاقة وثيقة بالزوايا والطرق الصوفية، وعمل بسبب علاقته الشخصية مع شيوخها على توفير لها مساحة كبيرة في المجتمع ودعمها، واستخدامها لمواجهة تيار الإسلام السياسي، حيث توفر للطرق الصوفية إمكانات مادية ومقارّ وتمويل دائم من السلطة، التي كانت تستفيد أيضاً من دعمها لها في كل مشاريعها السياسية وفي الاستحقاقات الانتخابية، على الرغم من مطالبات سياسية ومجتمعية كبيرة بضرورة إبعاد هذه المؤسسات والمرجعيات الدينية عن التوظيف السياسي.

وإضافة إلى هذه الزوايا والطرق الصوفية، حثت السلطات الأئمة في المساجد وإطارات وزارة الشؤون الدينية، على المساهمة في الدعوة إلى الاستفتاء والدستور، وذهب وزير الشؤون الدينية والأوقاف مصطفى بلمهدي، في لقاء أمس الجمعة جمعه بالأئمة، بعيداً في محاولة استخدام خطاب ديني لزيادة التعبئة الشعبية لمصلحة الدستور، وإسقاطه على واقع سياسي متغير، عندما قال: "الاستفتاء الشعبي والذهاب إلى صناديق الاقتراع هو اقتداء بالرسول في حماية الأوطان وتحصينها".

وأثار تصريحه هذا جدلاً بالغاً، على خلفية استخدامه وتوظيفه قيماً دينية لا تمت إلى الواقع الجزائري بصلة من جهة، ولكون أن الخطاب نفسه كانت تستخدمه السلطة في فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

 ويعتقد مراقبون أن لجوء السلطة إلى الاستعانة بالمؤسسات الدينية والزوايا والطرق الصوفية، لدعم الدستور، ناتج من ملاحظتها للفتور في التفاعل الشعبي مع الحملة الدعائية للدستور، على امتداد ما يقارب ثلاثة أسابيع من جهة، وهو ما دفعها إلى البحث عن توظيف الجانب والخطاب الديني لإقناع الجزائريين بمشروع الدستور.

وقال الناشط السياسي والنائب السابق في البرلمان، يوسف خبابة لـ"العربي الجديد"، إنه لاحظ بكل أسف "أن السلطة التي تنكر على غيرها استعمال وتوظيف رموز الوطنية والرموز الدينية والثقافية، تسارع إلى استغلال الدين والزوايا والجمعيات والمساجد لتمرير وتبرير مشاريعها، لاعتقادها بوجود ارتباط المواطن الجزائري بهذه الرموز والمعالم، ومدى تأثير هذه المؤسسات في أوساط كبيرة من المجتمع، ولعل السلطة في هذه المرحلة قد وظفت هذا الأمر إلى أقصاه بتوظيف أول نوفمبر كتاريخ وكرمزية، وجعله يوماً للاستفتاء، وكذلك تدشين جامع الجزائر في  اليوم، بالإضافة إلى توظيف قطاع وزارة الشؤون الدينية التي تسيطر على الخطاب المسجدي وتوظيفه سياسياً لمصلحة السلطة التي ما زالت تحتفظ بنسيج من الزبائنية والمصلحية، بالإضافة إلى بعض المؤسسات التي تتخذها قاعدة اجتماعية للحكم، تؤمّن لها الحدّ الأدنى من النصاب الذي يسمح لها بتمرير مشاريعها".

وأضاف أن مستويات توظيف كل ما هو ديني لجهة قضية سياسية "بلغت حداً بعيداً بعد سقطة وزير الشؤون الدينية، وتوصيفه الذهاب للاستفتاء بأنه مثابة الاقتداء بالنبي الكريم، أعتقد أن ذلك إساءة بالغة". وتابع: "لا أعتقد أن هذا الخطاب والزوايا والطرق الصوفية ما زالت تتمتع بتأثير لدى الجزائريين، خصوصاً أن منسوب الوعي والصدمة التي أحدثها الحراك طوال أكثر من عام تقريباً في أوساط الشعب، تجعل من أدوات السلطة هذه ضعيفة المفعول".

المساهمون