انطلقت الجالية العربية في بريطانيا نحو تأسيس "لوبي عربي"، تجاوباً مع التحديات السياسية الحديثة وبهدف تقديم الدعم اللازم لمجموعة متنوعة من المرشحين العرب الذين يستعدون للمشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة. ويعدّ هذا التحرك الأول من نوعه، ويأتي مع تصاعد مشاعر الاستياء والخيبة تجاه الأحزاب السياسية الرئيسية في البلاد، وهي حزب المحافظين وحزب العمال.
ونظّمت الجالية العربية مؤتمراً بالتعاون مع "منتدى التفكير العربي" وموقع "عرب لندن"، واستضافت جلسة حوار مفتوحة في العاصمة البريطانية لندن، مساء أمس الجمعة. وشارك في اللقاء عدد من المرشحين العرب المتميزين الذين يخطّطون للمشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، وهم: الناشط السياسي الفلسطيني البريطاني والأكاديمي، البروفيسور كامل حواش، الذي ينوي الترشّح عن دائرة في مدينة بيرمنغهام، والناشطة منى آدم، التي استقالت مؤخراً من حزب العمال بسبب موقفها من القضية الفلسطينية، وتترشح عن حزب الخضر في منطقة كينزيغتون وبيزووتر في لندن، بالإضافة إلى الناشط حلمي الحراحشة، الذي سيتنافس في منطقة شمال إيلينغ بالعاصمة لندن.
وخلال المؤتمر، أعلن "مؤتمر الجالية العربية" الذي تأسس العام الماضي في لندن عن دعمه للمرشحين الثلاثة، فيما دار حوار موسع عن البرامج الانتخابية لهم، حيث أكدوا جميعاً أن القضية الفلسطينية والموقف من الحرب على قطاع غزة سيلعبان دوراً حيوياً في نتائج الانتخابات المقبلة. ويأتي هذا التأكيد عقب الحراك الكبير الذي شهده الشارع البريطاني، حيث تتجمّع الاحتجاجات باستمرار منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأوّل الفائت، للمطالبة بوقف إطلاق النار وإنهاء دعم الحرب الإسرائيلية التي تستهدف غزة.
وفي إطار تعزيز التزامهم بالقضايا المحلية والداخلية، أكد المرشحون الثلاثة أنهم سيعملون بجدية لتسليط الضوء على هذه القضايا أيضاً، وتضمينها في برامجهم الانتخابية.
وفي حديث لـ"العربي الجديد"، يوضح البروفيسور كامل حواش أنّه كان عضواً في حزب العمال، لكن أمام موقف رئيس الحزب، كير ستارمر، المؤيد لحقّ إسرائيل في قطع الماء والكهرباء عن أهل غزة، قدّم رسالة استقالته. وفكّر في الترشح للنيابة وتشكيل حزب قبل موعد الانتخابات البرلمانية. وفي حال إنشاء الحزب سيترشّح باسمه، أما إذا تأخر ذلك، فسيترشّح كمستقلّ.
ويلفت حواش إلى أنّه بعد حرب غزة، خذل حزب العمّال شريحة كبيرة من أعضائه، فهو لم يعر انتباهاً للصوت المسلم. ورأى آخرون في سياساته أنّهم لا يستطيعوا الوثوق به لتمثيلهم. مشيراً إلى أنّه "من المهم أن ينظر كل مرشح مستقل إلى الموضوع الذي دفعه لخوض الانتخابات، مع ضرورة الاهتمام بالسياسات المحلية، التي يهتم بها سكان الدائرة المرشّح عنها".
من جهته، يؤكّد حلمي الحراحشة، في ردّه على أسئلة "العربي الجديد"، أنّه كان في حزب العمّال أيضاً، لكنّه انتقل إلى الحزب الليبرالي الديمقراطي. ومع ذلك، ينوي الترشح للانتخابات بشكل مستقل، كي لا يتقيّد بسياسات أي حزب.
ويشير الحراحشة إلى أنّه في حال فوزه في الانتخابات سيكون التعليم الجامعي إحدى القضايا الرئيسية الثلاث التي سيهتم بها، كونه يرى أنّه حق وليس امتيازاً. وينتقد ما يحدث اليوم حيث يتخرّج الشباب من الجامعات وهم يرزحون تحت الديون. أما القضية الثانية فستكون إعادة الحياة لمراكز الشباب، التي أغلق حزب المحافظين المئات منها لأسباب غير منطقية، مع أنّها كانت تلعب دوراً كبيراً في إشغال الشباب في أمور أخرى بعيدة عن المخدرات والجريمة، وبالنسبة للقضية الثالثة، فتتمثل في أنّ ضريبة البلدية ترتفع بجنون ولا بدّ من وضع حدٍّ لذلك، لافتاً إلى أنّ معظم الناس يتعثّرون في دفع تكاليف حياتهم اليومية خلال هذه المرحلة.
أمّا محمد أمين، رئيس منصة "عرب لندن" ورئيس منتدى التفكير العربي، الذي أدار الحوار مع المرشحين الثلاثة، فأكّد إمكانية لعب الأصوات الانتخابية للجالية العربية في بريطانيا دوراً مهماً في الانتخابات المقبلة. مشيراً إلى أن العرب قادرون على تشكيل "لوبي قوي ومؤثر"، حيث يمكن أن يصبح صوتهم أكثر سمعة وتأثيراً من أي وقت مضى.
وقال أمين: "يتمحور الهدف الرئيسي لهذه الترشيحات حول المشاركة الفعّالة في الحياة السياسية بهدف تحقيق التغيير السلمي من الداخل". وهناك مزاج عام حالياً في بريطانيا يتوق إلى التغيير، مشيراً إلى أنه من المتوقع حدوث تحولات في الانتخابات المقبلة تعكس هذا الاستعداد للتغيير في السياسة البريطانية".
ووفقاً للإحصاءات الحكومية الرسمية لعام 2021، يتركز المسلمون الذين يبلغ عددهم قرابة 4 ملايين مسلم في مدينة لندن، ويبلغ عدد العرب 321 ألفاً، في ظل غياب إحصاءات دقيقة بسبب صعوبة تسجيل وإحصاء كل العرب المقيمين في المملكة المتحدة.
وتأسس "مؤتمر الجالية العربية" في لندن العام الماضي، ويضم مجموعة متنوعة من المفكرين والنشطاء والصحافيين والكتّاب، إضافة إلى ممثلين عن مختلف الجاليات العربية المقيمة في بريطانيا. ويُعد هذا المؤتمر مبادرة أولى من نوعها تهدف إلى تشكيل هيكل تنظيمي يُمثل الجالية العربية بشكل موحد في المملكة المتحدة، ويتطلع إلى أن يصبح مظلة تجمع العرب في هذا البلد.
وخلال الفترة الحالية التي تشهد الحرب الإسرائيلية على غزة، تلقى "مؤتمر الجالية العربية" رسالتين من رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، شرح فيها الموقف البريطاني تجاه النزاع. ويُعد هذا الرد جزءاً من التفاعل بين المؤتمر ورئيس الحكومة البريطانية، إذ أُرسل الخطاب الأول من المؤتمر إلى رئيس الحكومة لشرح الأوضاع في الأراضي الفلسطينية. ويعد خطاب سوناك إلى المؤتمر أول رسالة تواصل مباشرة تُوجه إلى "الجالية العربية في بريطانيا" من خلال هذا المؤتمر.