يمثّل التودد الناشئ بين روسيا وإيران تطوراً غير مرحَّب به بالنسبة إلى الغرب، وستراقبه الولايات المتحدة في قلق، لكنه لا يرقى إلى مستوى التغيير الجيوسياسي في اللعبة.
واستغل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جولة خارجية نادرة أمس الثلاثاء، هي الأولى له خارج الاتحاد السوفياتي السابق منذ أن بدأت بلاده غزوها لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط، لإجراء محادثات في طهران مع المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي والرئيس إبراهيم رئيسي، وكذلك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. لكن حقيقة أنّ روسيا وإيران تتنافسان في مجال إنتاج الطاقة، من المرجح أن تضع قيوداً على أي شراكة أعمق، حتى على الرغم من أنّ البلدين متحدان في عدائهما للغرب.
وفي ما يأتي نظرة على بعض المسائل الرئيسية التي تطرحها العلاقة الآخذة في التطور بينهما:
هل بإمكان إيران مساعدة روسيا في حرب أوكرانيا؟
قال مسؤولون أميركيون إنّ إيران تستعد للمساعدة في إمداد روسيا ببضع مئات من الطائرات المسيّرة، وبعضها قادر على حمل أسلحة، لكن أيّاً من البلدين لم يؤكد هذا. وكانت وكالة الإعلام الروسية قد نقلت عن مساعد بوتين يوري أوشاكوف قوله إنّ الرئيس الروسي لم يناقش المسألة مع زعماء إيران.
وقال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، الأسبوع الماضي، إنّ "تعميق روسيا لتحالفها مع إيران من أجل قتل الأوكرانيين، أمر ينبغي للعالم بأسره النظر إليه كتهديد حقيقي".
واستخدمت أوكرانيا الطائرات المسيّرة من طراز بيرقدار التي أمدتها بها تركيا لإحداث تأثير مميت، من خلال استهداف وحدات روسية، وتدمير أعداد هائلة من الدبابات والعربات المدرعة الأخرى.
ولفت الخبير في شؤون الحرب في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مؤسسة بحثية مقرها في لندن، جاك واتلينغ، إلى أنّ الطائرات المسيّرة الإيرانية ستكون مفيدة لروسيا في ما يخص الاستطلاع، وربما استخدامها كذخيرة عند الحاجة إلى تفجير أهداف، ويمكنها أن تأخذ وقتها في تحديد الأهداف المناسبة والاشتباك معها، مضيفاً: "فضلاً عن توفير طائرات مسيّرة، بإمكان إيران أيضاً أن تساعد روسيا في التملص من العقوبات، وربما التعاون في تصنيع منظومات أسلحة قد تكون أقل اعتماداً على سلاسل الإمداد التي تمرّ عبر دول غربية".
ماذا بإمكان روسيا أن تتعلم من إيران في ما يتعلق بالعقوبات؟
تتمتع إيران بخبرة تمتد لسنوات عديدة في ما يخص الدفاع عن نفسها في مواجهة العقوبات الغربية المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي. وقال واتلينغ: "يرى الروس أنّ إيران تتمتع بخبرة عالية وشريك له قيمة كبيرة في التهرب من العقوبات الغربية".
وتعرضت روسيا لموجات من العقوبات التي استهدفت البنوك والأعمال والأفراد، بسبب حرب أوكرانيا. وقال جانيس كلوجه، من مؤسسة إس.دبليو.بي البحثية في برلين، إنّ البلدين يفتقران بالتالي إلى التكنولوجيا ورأس المال الغربيين. وأضاف: "قد تكون هناك بعض الدروس التي يمكن روسيا أن تتعلمها من إيران... وفي المقابل، بإمكان روسيا أن توفر معدات عسكرية، وربما مواد خاماً أو حبوباً".
وفي ظل استبعاد بعض البنوك الروسية من نظام المدفوعات الدولي (سويفت)، قال كلوجه إنّ موسكو تطور بديلاً يتيح دمج البنوك الإيرانية.
وعلى نطاق أوسع، تُعدّ إيران جزءاً من مجموعة أكبر من الدول – تشمل أيضاً الصين والهند وأميركا اللاتينية والعالم العربي وأفريقيا – شكلت معها روسيا علاقات أقوى، في مسعى لإثبات زعمها أن بإمكانها أن تزدهر في ظل العقوبات التي تدعي أن تأثيرها سيرتد على الغرب.
كيف يمكن روسيا وإيران التعاون في مجال الطاقة؟
قد تكون هذه مسألة حساسة، إذ إنّ كلا البلدين منتج للنفط والغاز، واحتدمت المنافسة بينهما منذ بدء الحرب في أوكرانيا، مع تحويل روسيا المزيد من صادراتها النفطية إلى الصين والهند بأسعار مخفضة.
وأوضح نائب رئيس قسم الأبحاث في مجموعة أوراسيا، هنري روم، أنه "على الصعيد الاقتصادي، أدت الحرب إلى تدهور علاقتهما إلى حدّ كبير. موسكو تأخذ حصة طهران في سوق السلع، كذلك فإن لديها موارد أقل لطرحها في مشروعات في إيران".
لكن بالتزامن مع زيارة بوتين، وقّعت شركتا النفط الإيرانية الوطنية وغازبروم الروسية مذكرة تفاهم بقيمة 40 مليار دولار تقريباً، تساعد "غازبروم" بموجبها شركة النفط الإيرانية الوطنية على تطوير حقلي غاز وستة حقول نفط، فضلاً عن المشاركة في مشروعات الغاز الطبيعي المسال ومد خطوط أنابيب لتصدير الغاز.
هل تغير شيء في المحادثات النووية الإيرانية؟
غيّرت الحرب في أوكرانيا من نهج موسكو تجاه المحادثات الخاصة بإحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015، والمعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة.
وبلغت المحادثات التي استمرت 11 شهراً لإحياء الاتفاق، الذي نتج منه رفع بعض العقوبات عن إيران مقابل وضع قيود على برنامجها النووي، مراحلها النهائية في مارس/آذار، لكنها انهارت بسبب طلب روسي في اللحظة الأخيرة بالحصول على ضمانات مكتوبة من واشنطن بأن العقوبات الغربية التي تستهدف موسكو بسبب غزوها لأوكرانيا لن تؤثر بتجارتها مع إيران.
وعلى الرغم من أن روسيا سرعان ما تراجعت تحت وطأة الضغط الإيراني، فإن الزخم الدبلوماسي للتوصل إلى اتفاق تلاشى. وتعثرت المحادثات منذ ذلك الحين بسبب قضايا عالقة.
وما إذا كان يمكن أن يعود الاتفاق إلى مساره الصحيح، سيكون أحد مقاييس تأثير التقارب بين بوتين وزعماء إيران.
وقال روم من مجموعة أوراسيا: "تدخّل روسيا في محادثات خطة العمل الشاملة المشتركة كان تراجعاً كبيراً في النهج الروسي التقليدي، وربما فاقم الشكوك في طهران بشأن صدقية موسكو وإمكانية الاعتماد عليها".
(رويترز)