عادت العلاقات الأردنية - الإسرائيلية إلى دائرة التوتر مجدداً، جرّاء الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على المسجد الأقصى خلال الأيام الماضية. فعلى الرغم من تحسن العلاقات بشكل ملحوظ بين الجانبين منذ تولي حكومة نفتالي بينت السلطة في يونيو/حزيران الماضي، إلا أن الطرفين يواجهان اليوم احتمال حدوث أزمة حقيقية بينهما، على خلفية ما تشهده مدينة القدس المحتلة والمسجد الأقصى، خصوصاً بعدما سعى الأردن مع كافة الأطراف المعنية للحفاظ على الهدوء في الأقصى خلال شهر رمضان (بدأ في 2 إبريل/نيسان الماضي) بالتنسيق مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وكبار السياسيين في دولة الاحتلال.
عمّان تستدعي القائم بأعمال السفارة الإسرائيلية
وجاءت قمّة التوتر بعد إعلان وزارة الخارجية وشؤون المغتربين الأردنية، أول من أمس الإثنين، استدعاءها القائم بأعمال السفارة الإسرائيلية في عمّان، إلى مقر الوزارة، وذلك لنقل رسالة احتجاج حول كافة الانتهاكات الإسرائيلية اللاشرعية والاستفزازية في المسجد الأقصى، والتأكيد على ضرورة احترام حقوق المصلين في ممارسة شعائرهم الدينية بحرّية ودون قيود.
جاءت قمّة التوتر بعد استدعاء الخارجية الأردنية، القائم بأعمال السفارة الإسرائيلية في عمّان
وقال المتحدث باسم الوزارة السفير هيثم أبو الفول، إنه قد تمّ تسليم القائم بأعمال السفارة الإسرائيلية رسالة احتجاج لنقلها على الفور لحكومته وتتضمن المُطالبة بالوقف الفوري للانتهاكات والمحاولات الإسرائيلية المُستهدفة تغيير الوضع التاريخي والقانوني القائم في المسجد الأقصى وفرض التقسيم الزماني والمكاني فيه، واللذين يُمثلان تصعيداً خطيراً وخرقاً مُداناً ومرفوضاً استناداً للقانون الدولي ولالتزامات إسرائيل بصفتها القوة القائمة بالاحتلال.
ورداً على ذلك، صعّدت دولة الاحتلال تصريحاتها ضد الأردن أول من أمس الإثنين. ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية مختلفة أن مسؤولين في الخارجية الإسرائيلية، أطلقوا خلال جلسة تقدير موقف أجراها وزير الخارجية يئير لبيد، تصريحات ضد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، متهمين إياه بأن "أداءه يؤدي إلى رفع حدة التوتر في القدس ويعرض حياة الناس للخطر"، بحسب "يديعوت أحرونوت". كما نشر رئيس حكومة الاحتلال شريطاً مصوراً لمّح فيه إلى الموقف الأردني، لافتاً إلى أنه "ينظر بخطورة للتصريحات التي تتهم إسرائيل بالمسؤولية عن العنف الموجه ضدها".
وأصدرت الخارجية الإسرائيلية بياناً شديد اللهجة ضد الخطوة الأردنية باستدعاء القائم بأعمال السفارة الإسرائيلية، معتبرة أنها "تمسّ بالجهود لتحقيق الهدوء في القدس وتدعم أولئك الذين يمسون بقدسية الأعياد ويلجؤون ويستخدمون العنف الذي يهدد حياة مواطنين مسلمين ويهود على حد سواء".
توتر ليس جديداً بين الأردن وإسرائيل
وليس توتر العلاقات بين الأردن ودولة الاحتلال بجديد، إذ كان العاهل الأردني عبدالله الثاني قد وصف في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، علاقات عمّان مع تل أبيب بأنها في أسوأ حالاتها حالياً، مضيفا أن "مستقبل إسرائيل هو أن تكون جزءاً من الشرق الأوسط؛ فالمشكلة في ذلك أنه لن يحصل بالكامل إذا لم نقم بحلّ القضية الفلسطينية"، وذلك على خلفية انتهاكات إسرائيلية بحق القدس والمسجد الأقصى واعتداءات على قطاع غزة، واحتجاز متبادل لأردنيين وإسرائيليين.
الموقف السياسي الأردني تجاه السياسات الإسرائيلية، والذي يقوده العاهل الأردني الذي تواصل خلال الأيام الأخيرة الماضية مع عدد كبير من قادة الدول العربية والإقليمية والمسؤولين الدوليين، يتلخص بالتركيز على "وقف الاعتداءات الإسرائيلية على مدينة القدس ومقدساتها، وتكثيف المساعي لتحقيق السلام العادل والشامل الذي يلبي الحقوق المشروعة للأشقاء الفلسطينيين على أساس حل الدولتين".
فالتوتر في الضفة الغربية ينعكس بشكل مباشر على الأردن، والذي يتحول إلى غضب شعبي تجاه إسرائيل والسياسات الحكومية الأردنية بشكل عام. فالسلطات الأردنية حاولت خلال الفترة الماضية بشكل صارم منع أي اعتصامات أو احتجاجات شعبية، وتكشف الاعتقالات الاحترازية الأخيرة لمعلمين وحراكيين قبل مشاركتهم بفعاليات واعتصامات، عن أن السلطات تسعى بكامل قوتها إلى ضبط الأوضاع الأمنية والحفاظ على الهدوء، خصوصاً بعد عام مضطرب ارتبط بقضية الأمير حمزة، أو ما تعرف بـ"قضية الفتنة".
ورأى الكاتب الصحافي ماجد توبة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الأردن يريد الحفاظ على الهدوء، فقد بذل جهوداً كبيرة خلال الفترة الماضية بهذا الاتجاه، مشيراً إلى أن التوتر في الأقصى وفلسطين المحتلة، له انعكاس مباشر على الأمن الوطني الأردني، في الداخل وعلى الحدود أيضاً.
وأضاف توبة أن الاقتحامات للأقصى والتقسيم الزماني والمكاني الذي أصبح أمراً واقعاً، هو انسياق خلف مواقف يمينية متطرفة، يهدد الوصاية الهاشمية على القدس، وهي خط أحمر لا يسمح بتجاوزه.
وأعتبر الكاتب الصحافي أن التحذير الأردني ينسجم مع الواقع، فهو يحذر من حرب دينية وانفجار تام للأوضاع، خصوصاً في الضفة الغربية، مضيفاً أن الأردن لا يريد وقوع هذا الانفجار، لأن مثل هذا التصعيد ينعكس عليه، ويشكل مسّاً مباشراً بالأمن الأردني وهو أحد أسباب الموقف الأردني الحاد.
وذكّر توبة بأن العلاقات بين حكومة بينت والأردن كانت سالكة بعد فترة توتر طويلة خلال تولي بنيامين نتنياهو القيادة، لكن التوتر يعود بعد انقياد الحكومة الإسرائيلية إلى أجندة اليمين المتطرف بدرجة كبيرة، حتى أنها لم تتقبل التحذيرات والانتقادات لسياستها في الأقصى والحرم الشريف حتى من قبل دولة مثل الأردن تقيم معها علاقات دبلوماسية، بحسب الكاتب.
السلطات الأردنية حاولت بشكل صارم منع أي اعتصامات أو احتجاجات شعبية دعماً للأقصى
من جهته، أوضح الخبير في الشؤون الإسرائيلية، أيمن الحنيطي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه منذ 30 عاماً على الأقل لم يكن هناك هجوم إسرائيلي على الأردن بهذه الطريقة، فالعلاقات الأردنية - الإسرائيلية عادت إلى الحضيض مجدداً، برأيه، متحدثاً عن "هجوم كاسح من الإعلام العبري والساسة الاسرائيليين على الأردن بعد تحركات الملك عبدالله الثاني وتصريحات رئيس الوزراء بشر الخصاونة ووزير الخارجية أيمن الصفدي في أعقاب التصعيد الإسرائيلي في القدس، وإصرار الاحتلال على تغيير الوضع القائم في الأقصى".
نقض للاتفاقيات وتهديد للوصاية الهاشمية
ولفت الحنيطي إلى أن موقف الأردن نابع من حقائق على أرض الواقع. وقال في هذا الإطار: "نعم، فإن حكومة بنيامين نتنياهو رحلت، وجاءت حكومة نفتالي بينت، ما أحدث تحسناً في العلاقات، لكن عند التدقيق، نجد أن أكبر عدد من الاقتحامات والاعتداءات حدثت في عهد بينت، وهي مهولة"، معتبراً أن التطورات الأخيرة "أثبتت أن الإسرائيليين ماضون في التقسيم الزماني والمكاني، وهو تغير للوضع القائم والاتفاقات القائمة، وهناك تهديد واضح للوصاية الهاشمية".
وأشار الخبير في الشؤون الإسرائيلية إلى تصريحات رئيس جهاز الموساد الأسبق إفرايم هاليفي، التي طالب فيها بتهدئة الوضع مع الأردن واحترام الاتفاق معه حول الأقصى، مشيراً إلى أن الأمور ستتجه نحو التأزيم إذا لم يؤخذ الموقف الأردني على محمل الجد. ورأى أن هناك الكثير من السياسيين اليمينيين في دولة الاحتلال الذين يتهمون الأردن بتأجيج الموقف، متناسين خرقهم للاتفاقيات السابقة ومعاهدة السلام.
ووصف الحنيطي الموقف الأردني الأخير بـ"القوي جداً"، لافتاً إلى أنه "إذا جرى التدقيق في المصطلحات التي استخدمها السياسيون الأردنيون، فإننا نجدها غير معهودة". ورأى أن ما يحدث "مرتبط بالحكومة الهشّة في تل ابيب، فالمشهد غامض، وربما قد تذهب دولة الاحتلال إلى انتخابات جديدة"، متحدثاً عن "استغلال من حزب الليكود للوضع القائم، ومن المتطرفين اليمينيين".
بدوره، قال النائب الأردني موسى هنطش، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الوضع في الأقصى يأتي في ظل وجود جيل فلسطيني جديد منتم إلى وطنه، وفي ظل تماسك كبير بين مكونات المجتمع الفلسطيني، فيما يشكل الموقف الأردني بعداً داخلياً وخارجياً، وهو موقف متقدم ومتميز. ورأى هنطش أن الموقف الأردني موحد شعبياً ورسمياً خلف الحق الفلسطيني، "فالأردن بلد الرباط وموقفه ليس غريباً، وإسرائيل تعلم الموقف الأردني تجاهها".
ماجد توبة: الاقتحامات للأقصى والتقسيم الزماني والمكاني يهدد الوصاية الهاشمية على القدس، وهي خط أحمر
واعتبر النائب الأردني أن الوقوف عند محطة الاستنكار والشجب لما يجري في القدس والمسجد الأقصى، لم يعد خياراً ينسجم مع مصلحة الدولة الأردنية وتطلعات ومشاعر الشعب الأردني. وقال إن المطلوب اليوم "قرارات وإجراءات تحاسب الاحتلال الإسرائيلي، والتأكيد على أن الحكومة الأردنية ليست بصدد التفريط بالوصاية والرعاية الهاشمية الأردنية، بمعنى أنها لا تقف عند حدود التنديد والرفض بالموقف السياسي، بل تتخذ إجراءات قوية ورادعة في مواجهة التدنيس لحرم المسجد الأقصى".
وأكد هنطش على "أهمية قطع العلاقات الدبلوماسية مع العدو، وإغلاق سفارة الاحتلال في عمّان وطرد سفيره واستدعاء السفير الأردني في دولة الاحتلال وتجميد العمل بكل الاتفاقيات الثنائية"، منتقداً استمرار الحكومة بتنفيذ الاتفاقات الثنائية، ومنها على سبيل المثال التعاون الزراعي". وأشار النائب الأردني إلى أن هناك الكثير من الأسواق العربية والعالمية التي يمكن التصدير إليها بدل أسواق الاحتلال.
يذكر أن العلاقات الأردنية - الإسرائيلية ظلّت مشحونة بالتوترات منذ توقيع معاهدة السلام الأردنية - الإسرائيلية المعروفة بمعاهدة وادي عربة في عام 1994، ومن أبرزها محاولة جهاز الموساد الإسرائيلي اغتيال القيادي في حركة "حماس" خالد مشعل في عمّان عام 1997، وواقعة تزويد إسرائيل للأردن بمياه ملوثة في عام 2009، أو حادثة قتل القاضي الأردني رائد زعيتر في عام 2014 بسبب احتجاجه على إجراءات التنكيل والتفتيش عند معبر جسر الملك حسين الرابط بين الضفة والأردن.
كما تبدى التوتر في حادثة قيام موظف أمني في السفارة الإسرائيلية في عمّان بإطلاق النار على أردنيين وقتلهما في يوليو/تموز 2017، وهو الحادث الذي تبعه توتر شديد أدى إلى سحب موظفي السفارة، وإلى اعتذار إسرائيلي لاحق ثم التزام بدفع تعويضات إلى أسرتي القتيلين. وفي العام الماضي، وضعت السلطات الإسرائيلية قيوداً أمنية على زيارة موكب ولي العهد الأردني الأمير الحسين بن عبد الله، والتي كانت مقررة إلى المسجد الأقصى، بفرض الحراسة الأمنية الإسرائيلية، ما أدى إلى إلغاء الأمير زيارته.