لم ينهِ اتفاق وقف النار بين أذربيجان وأرمينيا، الموقّع في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، المشاكل الجمّة بين البلدين، على الرغم من الإشراف الروسي المباشر على الاتفاق، بسبب الواقع الجيوبوليتيكي في جنوب القوقاز، والارتباط السابق لباكو ويريفان بموسكو السوفييتية.
وجاء الاتفاق بعد شهرين من القتال الذي اندلع في إقليم ناغورنو كاراباخ، في سبتمبر/أيلول 2020، ونجحت فيه أذربيجان في تحقيق انتصارات ميدانية، أدت إلى تعديل موازين القوى في الإقليم، ونشر 1960 جنديا روسيا في إطار قوة لحفظ السلام، على معبر لاتشين.
غير أن التوترات استمرت بنسب متفاوتة، في ظل محاولة روسيا دفع أذربيجان وأرمينيا إلى إجراء مفاوضات وصولا لتوقيع اتفاق سلام نهائي، يُنهي نزاعا بدأ فعلياً في عام 1988، في آخر أيام الاتحاد السوفييتي (1917 ـ 1991)، مرورا بسيطرة يريفان على ناغورنو كاراباخ بين عامي 1994 و2020.
وعلى وقع انغماس روسيا في غزوها أوكرانيا، بدءاً من 24 فبراير/شباط 2022، ازداد الزخم الدولي، خارج السياقات الإقليمية، بالولوج إلى قلب الصراع بين أرمينيا وأذربيجان، خصوصاً فرنسا والولايات المتحدة، اللتين أبدتا اهتماماً أكبر بالمنطقة، مهددتين النفوذ الروسي فيه، وبدرجة أقل النفوذ الإيراني.
وما عزز مخاوف موسكو من التوغل الغربي في جنوب القوقاز، هو الموقف الأرميني، الذي وجد في الغرب طرفاً أضعف من فرض نفسه حكَماً في المنطقة، خصوصاً بعد التمدد الأذربيجاني، في المرحلة التي تلت وقف إطلاق النار، وتحديدا في معبر لاتشين.
سيطرة الجيش الأذربيجاني
وفي ترجمة لهذه التوترات، كشفت وكالة "أنباء أذربيجان الحكومية" (أذرتاج)، أمس الخميس، أن "الجيش الأذربيجاني سيطر على المرتفعات والطرق الفرعية والرئيسية، الواقعة بين قريتي جاغازور وزابوخ لمحافظة لاتشين، وكذلك المساحات الواسعة في الحدود، نتيجة تدشين طريق لاتشين الجديد".
وهي مناطق كانت تحت سيطرة القوات الأرمينية، ومن شأن السيطرة عليها أن تعزل الأرمن المتبقين في ناغورنو كاراباخ، وتمنح القوات الأذربيجانية مواقع ميدانية استراتيجية في أي مواجهة عسكرية مقبلة.
باشينيان: ثمة احتمال كبير جداً لحدوث تصعيد
وتكمن أهمية طريق لاتشين في أنه محطة أساسية في بندين من أصل تسعة، تضمّنها اتفاق وقف النار. وجاء في البند الثالث من الاتفاق: "تنتشر وحدة لحفظ السلام تابعة لروسيا، ويبلغ عددها 1960 جنديا، على طول خط التماس في مرتفعات ناغورنو كاراباخ وعلى طول ممر لاتشين، مع أسلحة خفيفة، و90 ناقلة جنود مدرعة، و380 وحدة آلية ومعدات خاصة".
أما في البند السادس من الاتفاق، فتوزع على 3 نقاط. وجاء في النقطة الأولى: تُعيد أرمينيا إقليم كلبجار إلى أذربيجان، بحلول 15 نوفمبر 2020، وإقليم لاتشين في 1 ديسمبر/كانون الأول 2020. على أن يبقى معبر لاتشين (بطول 5 كيلومترات)، تحت السيطرة الروسية، لتسهيل التواصل بين إقليم ناغورنو كاراباخ وأرمينيا، من دون أن يتضمن أراضي مدينة شوشة.
أما النقطة الثانية من البند السادس، فنصت على أنه "في غضون 3 سنوات، وبموافقة كل الأطراف، يتم تدشين طريق جديد من خلال معبر لاتشين، لربط ناغورنو كاراباخ بأرمينيا، تحت حماية القوات الروسية. والنقطة الثالثة من البند السادس تطرقت إلى ضمان أذربيجان الحماية للأفراد والعربات والشحن، على الخطين في هذا الطريق.
وبعد أكثر من عامين ونيّف على الاتفاق، لم يتم تنفيذه بالشكل الكافي، خصوصا أن الاشتباكات استمرت بين باكو ويريفان، بصورة متقطعة، مع اتهام باكو يريفان بالسعي للسيطرة على بعض المناجم في منطقة لاتشين واستخدام الطريق لنقل الأسلحة والقوات. وفي السياق، يستمر إقفال متظاهرين بيئيين من أذربيجان الطريق إلى المناجم، منذ ديسمبر الماضي، وسط حديث يريفان عن خسائر باهظة يوميا جراء هذا الإقفال.
وفي السياق، ذكرت وكالة "أرمنبريس" الأرمينية، أول من أمس الأربعاء، أن تقريرا صادرا عن فريق اقتصادي بقيادة المستشار الدولي للإدارة المالية فاردان أراميان، حذّر من أن "تعافي اقتصاد ناغورنو كاراباخ في المستقبل سيكون صعبا للغاية"، معتبرا أن إغلاق الطريق (الحصار بحسب الوصف الرسمي الأرميني)، تسبب "في أضرار بقيمة 190 مليون دولار لناغورنو كاراباخ".
نفي نقل السلاح عبر لاتشين
في المقابل، نفى رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان الاتهامات الأذربيجانية، حول نقل أرمينيا السلاح عبر معبر لاتشين، ووصفها بالدعاية الكاذبة بهدف إشعال صراع جديد في قره باغ.
وقال باشينيان في مؤتمر صحافي أمس "ثمة احتمال كبير جداً لحدوث تصعيد على طول الحدود الأرمينية وفي ناغورنو كاراباخ... يوما بعد يوم يزداد خطاب أذربيجان عداء". وكان باشينيان حذر قبل أسبوعين من "احتمال كبير لحدوث تصعيد" عند الحدود مع أذربيجان وفي ناغورنو كاراباخ.
سيطر الجيش الأذربيجاني على مواقع أساسية في لاتشين
وفي كلمته مساء الثلاثاء، أمام القمة الثانية للديمقراطية التي عقدت بمبادرة من الرئيس الأميركي جو بايدن، عبر الإنترنت، قال باشينيان: "لقد شعرنا في سبتمبر الماضي بوحدة الديمقراطيات والإدانة الواضحة للعدوان على أرمينيا، أودّ أن أغتنم هذه الفرصة وأعبر عن امتناننا للولايات المتحدة والشركاء الآخرين الذين ساعدونا في وقف المزيد من التوغل من خلال المشاركة الدبلوماسية".
ونقلت عنه وكالة "أرمنبريس" قوله: "مهما كان ما يحدث مع الأرمن في ناغورنو كاراباخ اليوم فإن حصار أذربيجان في معبر لاتشين والأزمة الإنسانية التي نتجت عنه، هو بالتأكيد محاولة للتطهير العرقي للأرمن في الإقليم. ولا يمكننا أن نغض الطرف عن ذلك. وفي نفس الوقت، أكرر أن أرمينيا لا تزال ملتزمة بعملية السلام مع أذربيجان. نحن مقتنعون بأنه لا بديل عن التنمية السلمية للمنطقة، وأن التمسك بالقيم الديمقراطية سيساعدنا على إيجاد طريق للسلام".
وحيال الدعم الأميركي المتنامي لأرمينيا، كانت علاقة الأخيرة بروسيا قد تدهورت أخيرا، وهو ما تجلى في تصريحات نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل غالوزين، خلال مقابلة مع قناة "أر تي في إن روسيا"، مساء الثلاثاء، بقوله: "نتوقع أن تتوقف المناقشات الضارة بشأن شراكة أرمينيا مع زملائها الأعضاء في منظمة معاهدة الأمن الجماعي (رابطة تضم أرمينيا، بيلاروسيا، كازاخستان، قرغيزستان، روسيا، طاجيكستان)، وأن تتلقى القضايا المتعلقة بهذا الأمر حلاً بنّاءً"، وذلك في إشارة إلى العلاقات السلبية بين يريفان وموسكو، مضيفاً: "يجب حل جميع قضايا الشراكة مع يريفان داخل منظمة معاهدة الأمن الجماعي، بما في ذلك نشر بعثة مراقبة في أراضي أرمينيا بطريقة بناءة ومفيدة للطرفين".
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز، الأناضول)