يجد أهالي بلدة قراوة بني حسان شمال غرب مدينة سلفيت شمال الضفة الغربية المحتلة، في منطقة عين "بير أبو عمار" متنفساً لهم في الطبيعة، لكن رحلتهم إلى هناك ليست مجرد ترفيه، فقد عمل المجلس البلدي على تنظيم زيارات شبه يومية إلى المكان للحفاظ على تواجد دائم للأهالي في محاولة لمواجهة الاستيطان المستمر في المنطقة، خصوصاً أنّ بؤرة استيطانية تتربع على جبل مواجه للمكان.
في هذا السياق، يقول رئيس بلدية قراوة بني حسان إبراهيم عاصي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "البلدية رفقة نشطاء آخرين قرروا دعوة الأهالي إلى مسارات يومية في مناطق البلدة، وبشكل خاص منطقة بير أبو عمار المهددة".
وقبل عيد الأضحى بأسبوعين تقريباً، فرش الأهالي عشباً صناعياً في مساحة فارغة قرب العين، ليصنعوا ملعباً لممارسة رياضة كرة الطائرة، وكذا قاموا بغرس الأشجار في تلك المنطقة التي لا تزال غير مشجرة، في محاولة لضمان استمرار توافد الشبان والأهالي إليها.
وقبل عيد الأضحى بثلاثة أيام، أصدر جيش الاحتلال قراراً بإخلاء المنطقة بحجة أنّها محمية طبيعية يمنع البناء والزراعة فيها، وبحسب رئيس المجلس، فإنّ قرار الإخلاء شمل إزالة العشب الصناعي والملعب وإزالة الأشجار التي تمت زراعتها، بالإضافة إلى معرش أقيم ليوفر ظلاً لمرتادي المكان، وكذا وحدات إنارة.
وبالرغم من قرار جيش الاحتلال، أصرت البلدية والنشطاء على الحفاظ على المنطقة متنزهاً طبيعياً لهم. في هذا السياق، يقول عاصي إنّ "الأهالي بقوا ليلة أول أيام عيد الأضحى المبارك حتى الثالثة فجراً في المكان، وسيواصلون التواجد هناك".
فيما يؤكد النشطاء على أنّ هذه المنطقة شهدت العديد من الاعتداءات على المزارعين ورعاة الأغنام، وهم يحتاجون إلى ما يعزز ثباتهم هنا. ويقول الفتى محمد مرعي (15 عاماً) لـ"العربي الجديد"، إنّ المستوطنين اعترضوا طريقه عدة مرات خلال رعيه للأغنام، وقد سرقوا عدداً من الأغنام التي برفقته في إحدى المرات، فضلاً عن استدعاء جيش الاحتلال لمنعه من البقاء في الأراضي التي تعود ملكيتها للبلدة، لكنهم يدعون كما يقول، أنّ تواجده وأغنامه بها ممنوع.
ويؤكد مرعي أنّ اثنين من أقربائه اعتقلوا في حوادث مشابهة، بحجة منع الرعي في هذه الأراضي، مضيفاً: "نرعى الأغنام في أرضنا، مع ذلك يستدعون جيش الاحتلال لطردنا" بحجة أنها أرضهم.
وتتعرض بلدة قراوة للعديد من الاعتداءات في مناطق أخرى أيضاً، وهو ما أدى في 11 فبراير/ شباط الماضي، إلى استشهاد مثقال ريان (27 عاماً) برصاص أحد المستوطنين خلال هجومهم على البلدة.
ويعتبر الأهالي منطقة "بير أبو عمار" مهددةً بالمصادرة في حال لم يتحركوا بشكل جدي للحفاظ على أحد المتنفسات الباقية للبلدة.
يُذكر أنّ البلدة تعرضت، خلال السنة الماضية، لاعتداءات متكررة من قطعان المستوطنين، الذين اعتدوا على المزارعين ورعاة الأغنام بحماية ومساندة جيش الاحتلال، وبحسب عاصي، فإن "هذه الممارسات تهدف إلى منعنا من التواجد، وأن نبتعد عن أراضينا"، مؤكداً أنّ "الشهرين الماضيين شهدا أزمة أخرى عند نبع النويطف، حيث شق المستوطنون طريقاً يوصلهم بالنبع، في محاولة بمنع الأهالي من الوصول إليه، فضلاً عن محاولة إقامة بؤرة جديدة في منطقة المحفور، ومع ازدياد الهجمات ظهرت فكرة المسارات والزيارات الترفيهية".
وتابع: "بشكل يومي لدينا أكثر من مجموعة تتواجد إما على نبع النويطف، أو منطقة الراس، وقسم مهم هنا في بير أبو عمار، وهناك مسارات على الجبل الأبرد، ومنطقة المحفور، نقسم أنفسنا إلى مجموعات لتتحرك كل مجموعة مع بعضها البعض، حتى لا نسمح بفرض سيطرة وسيادة للمستوطنين على الشبان".
في هذا السياق، يؤكد همام مرعي لـ"العربي الجديد"، وهو خطيب وإمام مسجد وأحد مرتادي المكان، أنّ "منطقة بير أبو عمار تعتبر متنفس البلدة منذ عشرات السنين، ومكاناً لورود الأغنام والأبقار بسبب توفر المياه، ليس فقط لبلدة قراوة بني حسان بل لكل القرى المجاورة، لكن الهجمة الاستيطانية تريد فصل المنطقة عن البلدة".
وأضاف: "أصبح المكان هنا مطمعاً للمستوطنين، يضيقون على المزارعين في كل يوم، ويجب أنّ نبذل كل الجهود، وأنّ تبذل المؤسسات الرسمية كذلك ما تستطيع للحفاظ على هذه المنطقة وهذا النبع، لأنه لو تمت السيطرة على هذا المكان فستكون معيشة أهالي البلدة صعبة".
ومنذ أن بدأت زيارات الأهالي إلى المنطقة يقضي الشبان ثلاثاً إلى أربع ساعات يومياً في المنطقة، يمارسون رياضة كرة الطائرة أو سباق الخيول أو الجلوس تحت المعرش مع تحضير بعضهم الشاي على الحطب، أو يقومون بتنظيف المكان وزراعة الأشجار.
ويطالب المجلس البلدي أيضاً المؤسسات الرسمية بتوفير سبل ومقومات الصمود للمزارعين أصحاب الأراضي، ليتمكنوا من رعاية أراضيهم والحفاظ عليها وتسييجها وزراعتها.