التمثيل السياسي لفلسطينيي 48

28 يوليو 2024
من تظاهرات فلسطينيي الداخل في حيفا لإنهاء الحرب والانسحاب من غزة (مصطفى الخروف/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **النكبة الفلسطينية وتبعاتها:** في عام 1948، تسببت النكبة في تهجير 800 ألف فلسطيني، بينما بقي 150 ألف تحت السيطرة الإسرائيلية مع حقوق منقوصة. سعت إسرائيل لدمج العرب في مؤسساتها تحت رقابة أمنية مشددة.

- **التمثيل السياسي في الكنيست:** شهدت الساحة السياسية الفلسطينية في إسرائيل تحولات كبيرة، حيث توزعت الأصوات بين عدة أحزاب. في 2014، أجبرت الأحزاب العربية على تشكيل قائمة مشتركة، وفازت بـ 15 مقعدًا في انتخابات 2020.

- **الانقسامات والتحديات:** في 2021، انفصلت القائمة العربية الموحدة وشاركت في ائتلاف حكومي، مما أثار انتقادات. بعد انهيار الحكومة، تراجع التمثيل السياسي للفلسطينيين في الكنيست، مع تيارات ترفض المشاركة في الانتخابات.

أفرزت النكبة الفلسطينية في عام 1948 حالةً جيوسياسيةً جديدةً في فلسطين، إذ هجرَ قرابة 800 ألف فلسطينيٍ من 531 قريةٍ ومدينةٍ احتلتها إسرائيل ووضعتها تحت سيطرتها في حينها، كما بقي تحت سلطة إسرائيل قرابة 150 ألف فلسطينيٍ فقط، لم يكن من مهربٍ أمام الحكومة الإسرائيلية إلّا منحهم هوياتها، والاعتراف بهم مواطنين فيها، وإنْ كانت حقوقهم منقوصةً.

ترتّب على هذه الحالة سعيٌ إسرائيلٌ لدمج العرب في مؤسَّسات الدولة، تحت رقابةٍ أمنيةٍ مُشدّدةٍ، بزعم احتمال تواصلهم مع امتدادهم العربي المحيط، سواء في الضفّة الغربية وقطاع غزّة أو الدول المجاورة. كما سمحت لهم بالمشاركة في الحياة السياسية ضمن منظومتين، الأولى أحزاب، الحزب الشيوعي الإسرائيلي، وهو حزبٌ مشتركٌ يهوديٌ عربيٌ. والثانية قوائم عربية انتخابية تابعة لحزب العمال الحاكم بعد 1948، ومحكومةٌ بتوجيهات قيادته السياسية. في حينها رفضت حكومات إسرائيل تشكيل أحزابٍ عربيةٍ مستقلةٍ حتّى نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات، بعدها تشكلت بعض الأحزاب، وكان من أبرزها حزب التجمّع الوطني الديموقراطي برئاسة عزمي بشارة.

نلاحظ من ذلك وجود تمثيلٍ عربيٍ في الكنيست الإسرائيلي منذ دورته الأولى، إلّا أنّه تمثيلٌ تحت رايةٍ مقبولةٍ ومُرْضيٌّ عنه في السياق السياسي الإسرائيلي. ونعني بذلك اعتراف هذه الأحزاب، أو القوائم الانتخابية بإسرائيل، وقبول قوانينها. مثّلَ تمثيل الفلسطينيين السياسي تحدّيًا كبيرًا لدولة إسرائيل في تعامُلِها مع مواطنيها من غير اليهود. إذ اعتبرتهم دخلاء عليها، وغير مرغوب فيهم.

أثارت فكرة القائمة العربية المشتركة مخاوف وشكوك وحذر الأحزاب السياسية اليهودية، على تياراتها المختلفة

توزّعت أصوات الناخبين الفلسطينيين في إسرائيل على الحزب الشيوعي، ثمّ جبهته الديموقراطية، والقوائم العربية التابعة للحزب الحاكم، ولباقي الأحزاب الصهيونية سواء اليسارية أو سواها. بعد ذلك حصل تحوُّلٌ بدأ منذ ثلاثة عقودٍ، إذ توزّعت أصوات الفلسطينيين بين التيارات السياسية التالية: الحزب الشيوعي بتسميته "الجبهة الديموقراطية"، التجمُّع الوطني الديموقراطي (أيّ التيار القومي)، قائمة إسلامية، وقائمة مستقلة بمُسمّى "التغيير" برئاسة أحمد الطيبي. لكن، وهذه نقطةٌ مهمةٌ، أنّ تحولاتٍ ديناميكيةً شهدتها ساحة التمثيل السياسي في الكنيست الإسرائيلي أسوةً بتلك الحاصلة في المجتمع اليهودي، هذا يعني أنّ التمثيل البرلماني عكس التيارات الفكرية والسياسية للفلسطينيين في إسرائيل، أي أصبح الكنيست الإسرائيلي ساحةً للمنافسة السياسية في المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل، ومرآةً لساحات هذا المجتمع. وهناك إجماعٌ واتّفاقٌ على تبنّي خطوطٍ موحّدةٍ في طرح القضايا الرئيسية، التي يعاني منها الفلسطينيون، كما هناك خلافاتٌ وتبايناتٌ في عددٍ من القضايا الجوهرية، مثل تعريف مفهوم المواطنة، طروحات حلّ القضية الفلسطينية، مفهوم وتعريف الدولة.. الخ، أما القضايا اليومية والحياتية فكان هناك توافقٌ في الحدّ الأدنى في ما بين الأحزاب السياسية العربية الممثّلة في الكنيست الإسرائيلي.

شاركت الأحزاب العربية في الجولات الانتخابية منفردةً ومستقلةً، إذ رفضت تشكيل قائمةٍ واحدةٍ تمثِّل كلّ التوجهات، حتّى رفع الكنيست في عام 2014 نسبة الحسم، أيّ الحدّ الأدنى لفوز حزب سياسي في مقاعد برلمانية، بعدها بات على قيادات هذه الأحزاب الاتّفاق مرغمةً على خوض الانتخابات في قائمةٍ عربيةٍ مشتركةٍ تُمَثِّل كلّ الأحزاب والتيارات السياسية في المجتمع الفلسطيني في اسرائيل حتّى تتمكّن جميعها من الفوز بمقاعد تحت قبّة الكنيست. حظيت فكرة التمثيل السياسي لفلسطينيي الـ 48 بقائمةٍ مشتركةٍ واحدةٍ بقبولٍ لدى الجماهير الفلسطينية في الداخل، مع ترحيبٍ فلسطينيٍ وعربيٍ خارج حدود الخط الأخضر، فارتفعت نسبة مشاركة الجمهور الفلسطيني في إسرائيل في الانتخابات البرلمانية، بنية إيصال أكبر عددٍ من ممثليه إلى الكنيست، والتأثير من هناك، إذ شارك أكثر من 80% من أصحاب حقّ الاقتراع من الفلسطينيين في إسرائيل في الانتخابات، ليعبروا عن رغبتهم في المشاركة في الحياة السياسية من خلال التمثيل السياسي في الكنيست، باعتباره ساحةً رئيسيةً للمطالبة بالحقوق، والتعبير عن الرأي. في مقابل ذلك، أثارت فكرة القائمة العربية المشتركة مخاوف وشكوك وحذر الأحزاب السياسية اليهودية، على تياراتها المختلفة، ونعني بذلك تشكُّـل قوّةٍ عربيةٍ فلسطينيةٍ يُحسب لها حسابٌ في البرلمان الإسرائيلي. آثرت القائمة المشتركة أنْ تبقى في صفوف المعارضة، إذ إنّ الأحزاب العربية منذ تأسيس إسرائيل، حتّى تلك التي كانت محسوبةً على حزب العمال الحاكم، بقيت خارج الائتلافات الحكومية، ودعمتها من الخارج. شكـّلت القائمة المشتركة صوتًا عربيًا مؤثِّرا في المشهد السياسي في إسرائيل، إذ نجحت هذه القائمة في اجتياز نسبة الحسم والفوز بـ 15 مقعدًا في انتخابات الكنيست لعام 2020.

ثمّ دبّت خلافاتٌ داخل مرُكبات القائمة المشتركة، حول رئاستها، والتناوب في مقاعدها بين الأحزاب التي تُشكِّلها، حتّى انفصلت في عام 2021 القائمة العربية الموحدة، الحركة الإسلامية الجناح الجنوبي برئاسة منصور عباس، وتوجّهت للانتخابات منفردةً، في حين استمرت القائمة المشتركة بمكوناتها الثلاثة الأخرى: الجبهة الديموقراطية، حزب التجمع الدمقراطي وقائمة التغيير.

تبع ذلك، وللمرّة الأوّل في تاريخ التمثيل السياسي للفلسطينيين في إسرائيل، مشاركة حزبٍ عربيٍ في تشكيل ائتلافٍ حكوميٍ كلّ أحزابه صهيونية العقيدة والنهج، كان هذا الحزب هو القائمة العربية الموحدة، التي أعلن رئيسها، منصور عباس، عن توقيعه على اتّفاقية الائتلاف لتشكيل حكومةٍ برئاسة الثنائي نفتالي بينت ويئير لبيد.

مثّلت هذه الخطوة تحوّلًا في علاقة المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل مع الدولة، ونعني بذلك تحقيق خطوةٍ متقدِّمةٍ نحو أسرلة المشهد السياسي، والمشاركة في حكومةٍ إسرائيليةٍ مؤلفةٍ من أحزابٍ صهيونيةٍ. ادّعى عباس أنّه حان الوقت للتأثير من الداخل، وتحصيل الحقوق والامتيازات التي يستحقُّها المجتمع العربي في إسرائيل. تعرّضت هذه الخطوة إلى انتقاد لاذِعٍ وشديدٍ من قطاعاتٍ واسعةٍ من المجتمع العربي في إسرائيل، لإدراكها أنّها غير صحيحةٍ، وليست في الوقت المناسب، خصوصًا مع حكومةٍ مؤلّفةٍ من أحزابٍ صهيونيةٍ وقوميةٍ متطرفةٍ وعنصريةٍ لا تعترف بالشعب الفلسطيني، ولا تسعى إلى السلام والعدالة والانصاف تجاه الفلسطينيين.

حظيت فكرة التمثيل السياسي لفلسطينيي الـ 48 بقائمةٍ مشتركةٍ واحدةٍ بقبولٍ لدى الجماهير الفلسطينية في الداخل

لم تستمر حكومة بينت-لبيد، التي شاركت فيها القائمة العربية الموحدة، إلّا سنةً تقريبًا، إذ استقالت وتوجهت إسرائيل إلى انتخاباتٍ جديدةٍ عام 2022 فاز بها حزب الليكود، بزعامة بنيامين نتنياهو، وشكّـل حكومةً يمينيةً متطرفةً جدًّا، لذا عادت القائمة العربية الموحدة إلى مقاعد المعارضة رافضةً أيّ محاولةٍ لإعادة تشكيل، أو ترميم القائمة المشتركة حسب النسق السابق.

أدّى انهيار القائمة المشتركة إلى وقوع حالةٍ من الانقسام بين الأحزاب السياسية، وانعكس ذلك داخل المجتمع. وبالتالي، تراجع التمثيل السياسي في الكنيست للمواطنين الفلسطينيين، إذ لم يجتز حزب التجمُّع الوطني نسبة الحسم، عِلمًا أنّه كان قاب قوسين أو أدنى من ذلك، وعليه فإنّ المشهد الحالي مؤلَّفٌ من حزبين عربيين، وهما: القائمة العربية الموحدة (خمسة مقاعد) والجبهة والعربية للتغيير (خمسة مقاعد). ولا بدّ لنا من الإشارة هنا إلى أنّ حالة الانقسام في الداخل الفلسطيني ليست بعيدةً عن حالة الانقسام بين الفصائل الفلسطينية بين الضفّة الغربية وقطاع غزّة، وهذا موضوعٌ نتركه للمستقبل، للغوص في موجاتٍ تحليليةٍ ذات أهمّيةٍ لفهم طبيعة ديناميكية السياسة الفلسطينية في مواقع وجود وانتشار الفلسطينيين.

ملحق فلسطين
التحديثات الحية

كما لا يجب أن يغيب عن بالنا بالمرّة، أنّه مقابل التمثيل السياسي في الكنيست الإسرائيلي للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، هناك تياراتٌ سياسيةٌ ترفض خوض أيّ انتخاباتٍ برلمانيةٍ، من منطلق رفضها المشاركة في العمل السياسي تحت قبّة برلمان إسرائيل، باعتباره مؤسّسةً صهيونيةً مشارِكةً في هضم حقوق الفلسطينيين وقضمها منذ 1948. وتفضل هذه التيارات التأثير من الخارج، من أبرزها حركة أبناء البلد، وهي إطارٌ سياسيٌ غير مُسَجّلٍ رسميًّا، لكنه فاعلٌ على الأرض في تعزيز الهوية الوطنية الفلسطينية، والتمسُّك بالثوابت الفلسطينية كاملةً.

يبقى السؤال هنا، إلى أيّ مدى يؤثِّر هذا التمثيل السياسي على صُنّاع القرار؟ ويُحقّق انجازاتٍ تعود بالنفع على المجتمع العربي، الذي يواجه منذ 75 عامًا سياساتٍ تمييزيةً وعنصريةً. إنّه سؤالٌ جديرٌ بالنقاش والحوار.