التطبيع يقيّد العرب

09 يونيو 2023
ترفض الشعوب العربية التطبيع مع إسرائيل (فرانس برس)
+ الخط -

تثبت تجربة وواقع الدول العربية التي أقامت علاقات رسمية مع إسرائيل، ثم وقعت في شباك الدعاية الإسرائيلية أنّ التطبيع الفعلي (الرسمي والشعبي) سيخرجها من "حالتها الاقتصادية البائسة" وستعمّ ثماره على الجميع، مدى خطورة التطبيع على هذه الدول أولاً، وعلى القضية الفلسطينية ثانياً.

فعلى الصعيد الأول، وجدت هذه الدول (من مصر، وحتى المغرب والسودان) الوعود الإسرائيلية مجرد حبر على ورق، فلا نشاط اقتصادياً حقيقياً أو انتعاشاً لاقتصادها، مقابل تجنّد هذه الدول وعملها لإلغاء مكتب المقاطعة العربية، مما أنقذ الاقتصاد الإسرائيلي، قبل أن يتحول إلى الاعتماد الأساسي على تصدير برامج التجسس السيبرانية، وبرامج الحراسة والمراقبة الأمنية والسلاح، بالتوازي مع إغلاق أسواق عالمية وعربية كبيرة الباب أمامه ما لم يتم إنهاء الاحتلال. وقد ساهمت السلطة الفلسطينية أيضاً بدورها في باب رفع المقاطعة، كشرط من اتفاقيات أوسلو المشؤومة.

وعلى الصعيد الثاني، وجدت الدول العربية أنّ مجرد انتقالها من حالة العداء والحرب مع دولة الاحتلال إلى حالة "السلام" نفسها تفقدها كلّ أوراق قوتها ووزنها القومي والإقليمي.

لم تعد دول التطبيع قادرة على أكثر من التمني على حكومات إسرائيل بأن تجنح للسلام، وهو ما أثبتته كل الأزمات التي أشعلتها دولة الاحتلال دون أي اعتبار حقيقي وفعلي للدول المتصالحة معها، باستثناء منحها بيانات بلاغية تؤكد حرص إسرائيل على علاقاتها الودية والسلمية مع هذه الدول.

لكن ما لم تقله هذه البيانات، وظهر على الأرض ممارسة، أو الأصح القول "غياب الممارسة"، هو خروج هذه الدول من "دائرة الصراع"، وتحوّلها إلى عنصر محايد فعلياً، تراعي أنظمتها وحكامها قيود اتفاقيات السلام مع إسرائيل بملاحقها المختلفة، السرية منها والعلنية، أكثر مما تراعي مواقف شعوبها، الوفية للشعب الفلسطيني.

إسرائيل مثلاً ما كانت لتحلم، لولا اتفاقية "كامب ديفيد" بملاحقها العسكرية، بأن تطلب منها مصر موافقتها على تعديل الملحق العسكري بما يمكن للجيش المصري وقواته المسلحة تغيير نمط انتشاره في سيناء لمحاربة تنظيم "داعش".

ولم تكن إسرائيل لتجرؤ على ممارساتها في المسجد الأقصى لولا اتفاقية وادي عربة، التي دفعت إسرائيل مقابلها تعهداً كلامياً لا غير، يُطلق عليه "الوصاية الأردنية"، لا يتجاوز فعلياً دفع الأردن رواتب الموظفين.

التطبيع كما ثبت إذاً يضرّ بالعرب ككلّ، وبالفلسطينيين على نحو خاص، ولا يخدم إلا بقاء الاحتلال واستمراره.

المساهمون