يتساءل كثيرون عن إيجابيات وسلبيّات التّطبيع مع إسرائيل؟ وانعكاسه على الصراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ؟ وعن مستقبله في ظلّ التحولات الإقليميّة والدّوليّة؟
نصت مبادرة السّلام العربيّة عام 2002 على بندٍ توافقت عليه الدّول العربيّة مجتمعةً، يحظر التّطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيليّ قبل إنهاء الصراع العربيّ الإسرائيليّ، ولكن، للأسف، طبّعت بعض الدّول العربيّة قبل انتهاء الصراع، وهنا سيتناول الكاتب في مقاله إيجابيّات وسلبيّات التّطبيع بالنّسبة لإسرائيل، وللدول المطبِّعة.
أولاً: إيجابيّات وسلبيّات التّطبيع إسرائيليّاً
الأمن والشرعيّة من أهمّ المرتكزات التي تسعى إسرائيل إلى الحفاظ عليها، فمنها تستمد الدّولة العبريّة ديمومتها واستمراريّتها، هذا ما يفسر ارتكاز جميع الاستراتيجيات الصّهيونيّة إلى الحفاظ على الأمن والشرعية، ويساعد التّطبيع مع إسرائيل من قبل بعض الدّول، أو المنظّمات، أو الشخصيات على تحقيق أهداف إسرائيل ومرتكزاتها الرئيسيّة، ويتناول المقال حصر أهمّ الإيجابيّات التي تجنيها إسرائيل من عمليّة التّطبيع، وكذلك أهمّ السلبيّات على النّحو التالي:
تؤكد التجارب التّاريخيّة أنّ التّطبيع مع إسرائيل؛ بسبب الصراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ، ما زال تطبيعاً بارداً، لا يتجاوز النظام الرسميّ
1- الإيجابيات:
أ. يكسر التّطبيع الحاجز النفسيّ للدول والمنظّمات والمجتمعات في التعاطي مع دولة الاحتلال، كدولةٍ طبيعيّةٍ في المنطقة.
ب. يعزّز التّطبيع انتماء وهوية مواطني دولة إسرائيل، الّذين يشعرون بأنّهم دولةٌ منبوذةٌ وغير مقبولةٍ في المنطقة، ما كان يدعم من مستوى الهجرة العكسيّة من إسرائيل إلى الخارج.
ج. يدعم التّطبيع فرص توغل وتغوّل جهاز الموساد في الدّول المطبِّعة.
د. يمثل التّطبيع قبل إنهاء الاحتلال الإسرائيليّ؛ للأراضيّ الفلسطينيّة والعربيّة، طعنةً في خاصرة القضيّة والشّعب الفلسطينيّ، الّذي يعول كثيراً على عمقه العربيّ والإفريقيّ والإسلاميّ، ولدى أحرار العالم.
هـ. تستفيد إسرائيل من التّطبيع في الضغط على بعض الدّول؛ وخصوصاً الإفريقيّة، من أجل تعزيز علاقاتها الدبلوماسيّة، بما يخدم توجهات إسرائيل السياسيّة والأمنيّة.
2. السلبيّات
تكاد تكون سلبيّات التّطبيع بالنّسبة لإسرائيل منعدمةً، كونها المستفيد الأكبر من التّطبيع، لكن تتمثل السلبيّة الوحيّدة؛ التي من الممكن أنّ يظن ممارسو التّطبيع تحقيقها، في:
إنّ إسرائيل دولةٌ لا تؤمن بالسّلام، لكنها تستخدم السّلام كمدخلٍ لتحقيق أهدافها وطموحاتها السياسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة، لبناء شرق أوسطٍ جديدٍ، وعليه قد يكشف التّطبيع الموقف الإسرائيليّ الرافض لعمليّة السّلام.
ثانياً: إيجابيّات وسلبيّات التّطبيع بالنّسبة للدول المطبِّعة
قد تختلف الإيجابيّات والسلبيّات من دولةٍ إلى أخرى، ولكنها تتقاطع في ما يلي:
• إيجابيّات التّطبيع تنطلق من تعزيز علاقات تلك الدّول مع الولايات المتّحدة، انطلاقاً من أنّ تلّ أبيب هي ممرٌ إجباريٌ للبيت الأبيض، من وجهة نظرهم. كما تعتقد بعض هذه الدّول أن علاقةً قويةً مع إسرائيل قد تحميها من إيران.
أما السلبيّات؛ فكّل ما ذكر من إيجابيّات التّطبيع بالنّسبة لإسرائيل، يعتبر سلبيًّا للدول المطبِّعة، على المديين القريب والبعيد.
ثالثاً: انعكاسات التّطبيع على الصراع العربيّ الإسرائيليّ
يمثل التّطبيع قبل إنهاء الاحتلال، ونيل الشّعب الفلسطينيّ حقوقه الوطنيّة المشروعة، التي كفلها القانون الدّوليّ، ومقررات الشرعيّة الدّوليّة انقلاباً على منظومة القيم والأخلاق والقانون، وتعطيلاً، بل إنهاءً لعمليّة السّلام، وخيانةً لدماء الشّهداء، التي سالت في سبيل الدفاع عن الأمة العربيّة والإسلاميّة.
رابعاً: مستقبل التّطبيع
رغم جهود الولايات المتّحدة في دفع قطار التّطبيع إلى الأمام، لكن تنتظره تحدّياتٌ كبيرةٌ لعل أهمّها:
1. طبيعة التحولات الدّوليّة، والصراع المحتدم بين الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبيّ من جهة، وروسيا والصين من جهةٍ أخرى، والمصالحات بين إيران ودولٍ عربيّةٍ هامّةٍ؛ مثل السعودية ومصر، قد يدفع بعض الأطراف إلى التريث والانتظار.
2. تؤكد التجارب التّاريخيّة أنّ التّطبيع مع إسرائيل؛ بسبب الصراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ، ما زال تطبيعاً بارداً، لا يتجاوز النظام الرسميّ.
3. الحكومة الفاشية في إسرائيل، وسخونة الأوضاع في المنطقة.
وفقاً لما سبق؛ فإنّ مستقبل التّطبيع ما زالت تنتظره تحدّياتٌ كبيرةٌ، ولكن فرملة الملف نهائياً يتطلّب تحقيق مصالحةٍ فلسطينيّةٍ، وتصعيد الاشتباك مع الاحتلال الإسرائيليّ.