استمع إلى الملخص
- جهود دبلوماسية تشمل مكالمة هاتفية بين رئيس الوزراء العراقي وبشار الأسد لتأسيس أرضية مشتركة بين أنقرة ودمشق، مع التأكيد على دور العراق كوسيط في عملية المصالحة.
- التحديات تواجه عملية التطبيع بين البلدين تشمل الشروط المسبقة والمطالب المتبادلة، والتأثيرات الخارجية، مع توقعات بأن تراوح العملية مكانها دون تقدم ملموس في المستقبل القريب.
خفّض النظام السوري، أقلّه لفظياً، من سقف شروطه للتفاوض مع تركيا لإعادة تطبيع العلاقات معها، إذ حدّد وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، خلال مؤتمر صحافي جمعه بوزير الخارجية الإيراني بالوكالة علي باقري كني في دمشق، أول من أمس الثلاثاء، شرطين لبدء أي مفاوضات ترتبط بإعادة التطبيع بين أنقرة ودمشق. وقال المقداد إن الشرط الأساسي لأي حوار سوري تركي هو "أن تقوم أنقرة بإعلان استعدادها للانسحاب من أراضينا التي تحتلها"، مضيفاً أن دمشق تريد أن ترى "تعهدات تركية دقيقة تعكس التزام أنقرة بالانسحاب من سورية"، ووقف دعمها لفصائل المعارضة السورية.
كما برز أمس الاتصال الهاتفي بين رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ورئيس النظام السوري بشار الأسد، بعد أيام من حديثه في مقابلة مع محطة تلفزيون تركية عن "دور تؤديه بغداد لتأسيس أرضية مشتركة بين أنقرة ودمشق"، مؤكداً أنه على اتصال بالأسد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان "بشأن جهود المصالحة، وسنرى بعض الخطوات في هذا الصدد قريباً".
وتأتي تصريحات المقداد حول مفاوضات مع أنقرة، بعد أيام قليلة من تصريحات وزير الدفاع التركي يشار غولر، أكد فيها أن بلاده تدرس إمكانية سحب قواتها من سورية، بشرط أن يتم ضمان بيئة آمنة، وأن تكون الحدود التركية آمنة. وشدّد غولر في مقابلة تلفزيونية الأسبوع الماضي، على أن تركيا ليست لديها أطماع في السيطرة على أراضي سورية أو الدول المجاورة لها، وأن القوات التركية ستغادر سورية لكن بشرطين: الأول هو الاتفاق بين النظام والمعارضة على وضع دستور جديد، والثاني إجراء انتخابات حرّة نزيهة في سورية. ولفت إلى أن هذين الشرطين قد يمهدان الطريق لإنهاء الصراع المستمر في سورية منذ عام 2011.
طه عودة أوغلو: الفتور بين موسكو وأنقرة يفرض نفسه على مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق
وسابقاً، كان النظام السوري يشدّد على الانسحاب، وليس "إعلان الاستعداد للانسحاب" كشرط رئيسي للدخول في مفاوضات جدية بهدف إعادة التطبيع بين أنقرة ودمشق بعد القطيعة التي بدأت في 2011، ولا تزال مستمرة حتى اليوم وإن بوتيرة أقل، على خلفية دعم تركيا للمعارضة السورية إثر الحراك المناهض للنظام الذي بدأ ربيع ذلك العام.
مطبات التطبيع بين أنقرة ودمشق
وتعرضت مفاوضات التطبيع بين أنقرة ودمشق لمطبات عدة منذ بدئها نهاية عام 2022، بدفع من روسيا بشكل أساسي، قبل أن تنخرط إيران في المسار. غير أن تلك المفاوضات لم تأخذ شكل المفاوضات المباشرة والمجدولة بإطار زمني، وتُركت لظروف كل من الطرفين في استخدامها ورقةً يتم تحريكها عند اللزوم. واستخدمت أنقرة هذه الورقة في ثلاث محطات انتخابية (الرئاسية والتشريعية والبلدية)، فيما يستخدمها النظام للتلويح أمام الغرب والعرب أن بإمكانه العودة إلى محيطه الإقليمي رغم الحصار والضغوط الدولية عليه.
ورأى الباحث والمحلل السياسي التركي، طه عودة أوغلو، في حديث إلى "العربي الجديد"، أن عملية التطبيع سوف تُراوح مكانها من دون أفق واضح لأخذها مساراً جدياً، على الأقل في المستقبل القريب، مرجعاً ذلك في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى عوامل عدة. وأوضح أن "الثوابت التركية تجاه الاستمرار في عملية التطبيع بين أنقرة ودمشق أحدى تلك العوامل، حيث يتشدد النظام السوري بالانسحاب التركي فيما ترى أنقرة أن الانسحاب لن يتم إلا بإتمام الحل السياسي في سورية وإبعاد خطر المجموعات الكردية عن الحدود". بالإضافة إلى ذلك، وفق قوله، فإن "الفتور بين موسكو وأنقرة يفرض نفسه على هذا المسار، ما دفع تركيا للتركيز على ملفات أخرى، مع إهمال ملف التطبيع مع النظام".
ولفت عودة أوغلو إلى أن أنقرة "وضعت عناوين عريضة للإكمال في مسألة التطبيع، لا سيما مكافحة الإرهاب وإعادة اللاجئين، وهما ملفان لم يتم حلّهما، لاسيما أننا اليوم نلاحظ الانزعاج التركي من مسألة الانتخابات التي تتحضر الإدارة الذاتية الكردية لشمال وشرق سورية لإجرائها، بالإضافة إلى استمرار تحركات قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من حين إلى آخر"، معتبرا أن أنقرة رغم ذلك، وجهت رسائل بأنها لا ترفض أي خطوة للحل، لكنها متمسكة بما حددته لإكمال هذه العملية عبر ثوابت أفصح عنها وزير الدفاع التركي في تصريحاته الأخيرة.
كما رأى عودة أوغلو، أن "الجانب الإيراني كذلك يضغط لعدم تحقيق مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق نتائج كبيرة، وهو يدعم شرط النظام بالانسحاب التركي الكامل من الأراضي السورية". واعتبر عودة أوغلو أن وضع تركيا أفضل لجهة مسار التطبيع مع النظام، ما يجعلها متمسكة بثوابتها، مستندة إلى القرارات الأممية للحل الشامل في سورية، لا سيما القرار 2254.
خريطة تطبيع غامضة
من جهته، أشار المحلل السياسي درويش خليفة، إلى أن هناك تحريفاً من بعض وسائل الإعلام السورية لتصريحات وزير الدفاع التركي، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "من يقرأ تصريحه بالتركية، يجد أنه ربط الانسحاب بالتقدم في العملية السياسية وتنفيذ القرار الدولي 2254 الذي تتمحور حوله خريطة الطريق للحالة السورية".
لكن خليفة أشار إلى أنه "من ناحية عملياتية، هناك اتفاق تمّ توقيعه بين الطرفين، النظام السوري والسلطات التركية، عام 1999، يعطي تركيا الحق بحماية الحدود بينهما، واكتفاء النظام بوجود شُعب تجنيد فقط في المناطق الحدودية، وهذا ما تمّ تطبيقه بالفعل في جميع المناطق من كسب (ريف اللاذقية) مروراً بعفرين وجرابلس وعين العرب (ريف حلب) وصولاً إلى تل أبيض (ريف الرقة) ورأس العين (ريف الحسكة)"، أي على كامل الشريط الحدودي بين البلدين.
درويش خليفة: لا يمكن للجيش التركي الانسحاب حتى لو أعاد النظام سيطرته على كامل الجغرافية
وأشار خليفة إلى أنه "وفق ما أنتجته السنوات الماضية من وجود قوى تؤثر على الاستقرار الإقليمي بين البلدين (قسد وحزب الاتحاد الديمقراطي – بي واي دي على سبيل المثال)، لا يمكن للجيش التركي الانسحاب حتى لو أعاد النظام سيطرته على كامل الجغرافية، لأننا نعلم أن النظام ليس بتلك القوة التي تؤهله لحماية حدود بلاده، حتى يقوم بحماية حدود الدول المجاورة، وبالتالي هذا التحريف بالتصريحات وإظهار وجود تقارب، ما هما إلا رسائل في صندوق الدول الكبرى المتداخلة كالولايات المتحدة وروسيا".
من جهة أخرى، رأى خليفة أنه "في ظل ما يعانيه النظام من ويلات العقوبات الاقتصادية الغربية، وعدم فتح خزائن الدول العربية أمامه بالشكل الذي كان يتوقعه مع حلفائه الروس والايرانيين، لن يغلق النظام الأبواب أمام أي جهة ربما تساعده للتقدم ولو نصف خطوة إلى الأمام، وتركيا لديها القدرة على فرض شيء في مسيرة الحل السياسي السوري، فنفوذها في الشمال السوري الذي يسكنه أربعة ملايين نسمة ووجود ثلاثة ملايين آخرين داخل حدودها، يُعتبران عاملين مهمين لدور تركي بارز في سورية".
ومنتصف العام الماضي، أعلنت روسيا أن خريطة إعادة التطبيع بين أنقرة ودمشق باتت جاهزة، بعدما تمّ تكليف وزراء خارجية روسيا وتركيا والنظام وإيران نوابهم بإعدادها، غير أن تلك الخريطة لم يتم الإفصاح عن محتواها بشكل كامل.
وبدأ مسار التقارب بين أنقرة والنظام في ديسمبر/كانون الأول 2022 بدفع من موسكو، واجتمع أواخر ذلك الشهر وزير الدفاع التركي (السابق) خلوصي أكار ونظيره في النظام السوري علي محمود عباس، بمشاركة وزير الدفاع الروسي (السابق) سيرغي شويغو، واتفقا على تشكيل لجان مشتركة من مسؤولي الدفاع والاستخبارات. وفي أواخر إبريل/نيسان 2023، عُقد في موسكو اجتماع رباعي ضمّ وزراء دفاع ورؤساء استخبارات تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري (بحضور وزير الدفاع الإيراني محمد رضا أشتياني) لاستكمال المباحثات حول ملفات عسكرية وأمنية.
كما مهّد اجتماع دبلوماسي في إبريل من العام الماضي ضم نواب وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري، الطريق أمام مباحثات وزراء الخارجية (المقداد ووزير الخارجية الإيراني الراحل حسين أمير عبد اللهيان والروسي سيرغي لافروف ووزير الخارجية التركي السابق مولود جاووش أوغلو) والذي عُقد في مايو/أيار 2023. ووفق البيان الختامي لاجتماع وزراء الخارجية، اتفق المجتمعون على إعداد خريطة طريق للنهوض بالعلاقات التركية السورية، والتأكيد على تسهيل ضمان عودة اللاجئين السوريين إلى "وطنهم الأم بشكل طوعي وآمن ومشرّف". كما اتفقوا على تكليف نواب وزراء الخارجية بإعداد خريطة طريق لتطوير العلاقات بين تركيا وسورية بالتنسيق مع وزارات الدفاع والاستخبارات للدول الأربع. ولم تحرز عملية التطبيع بين أنقرة ودمشق أي تقدم، سوى من بعض النقاشات وتبادل الأوراق، فيما وقف كلّ طرف عند شروطه ومطالبه.