التدخل الروسي في سورية: ثماني سنوات غيّرت المشهد

30 سبتمبر 2023
مشهد مختلف رسمته روسيا في البلاد بالنار والدمار (Getty)
+ الخط -

يُرجع مراقبون للمشهد في سورية، بعد حوالى 12 عاماً من الحراك والثورة على بشار الأسد، أسباب تراجع المعارضة وانحسار سيطرتها إلى التدخل الروسي، ولا سيما العسكري، الذي يصادف اليوم، الـ30 من سبتمبر/أيلول، الذكرى الثامنة له، وهو موعد أول غارة للطيران الروسي في سورية من عام 2015، لتبدأ قوات موسكو برسم مشهد جديد في البلاد بالنار والدماء، كما كان المشهد في ذلك اليوم. 

ولا يقتصر التدخل الروسي في البلاد على الجانب العسكري فقط، إذ حفز التدخل العسكري على تفعيل النشاط السياسي والدبلوماسي لمصلحة النظام، ما بدل المشهد عسكرياً في البلاد، بالإضافة إلى خلق واقع سياسي نتيجة مماطلة النظام ومراوغة الروس، بدفعه إلى طاولة التفاوض الأممية، بل خلقت واقعاً سياسياً خاصاً بها. 

بداية عام 2017، أطلقت روسيا مسار أستانة التفاوضي، برعايتها ومشاركة كل من إيران وتركيا، ومنذ إطلاق هذا المسار، فإن موسكو عمدت خلاله إلى اللعب على عامل الوقت، وإبعاد الحل السوري عن أروقة الأمم المتحدة ومسار جنيف التفاوضي بشكل رئيسي، ليتسنى لها فرض رؤيتها بعيداً عن حلفاء المعارضة الغربيين، ولا سيما الولايات المتحدة. كذلك لجأت إلى تمييع المسار بالمراوغة على أجنداته ومخرجاته، فزجت بمواضيع وملفات لا يمكن مناقشتها إلا بعد إقرار الحل السوري نهائياً، كعودة اللاجئين وإعادة الإعمار، فيما غطت من خلاله على توسع النظام وإعادة فرض سيطرته عسكرياً، بالإضافة إلى المماطلة بملف المعتقلين. 

وصل المسار إلى الجولة الـ20 في يونيو/حزيران الماضي، لكن الجولة الأبرز في تاريخ المسار كانت الرابعة، في مايو/أيار 2017، حين حصل الاتفاق على إقرار مناطق خفض التصعيد الأربع، وهي: درعا والجنوب، غوطة دمشق، شماليّ حمص وجنوبيّ حماة، وإدلب ومحيطها. 

لكن روسيا عمدت إلى الالتفاف على هذا الاتفاق وإخراج المعارضة منها تباعاً، من خلال سياسة التسويات. ولم يبقَ تحت سيطرة المعارضة إلا إدلب، أو "منطقة خفض التصعيد الرابعة"، التي تضم كامل محافظة إدلب وأجزاءً من أرياف حماة الشمالي والغربي، وحلب الجنوبي والغربي، واللاذقية الشرقي، بالإضافة إلى المناطق الخاضعة للنفوذ التركي شماليّ حلب وشرقيّ الفرات. 

وحاولت روسيا الضغط، نهاية 2018، على إدلب عسكرياً بعد انتهائها من الاستحواذ على المناطق السابقة كافة، لتحاول تركيا تجنيب إدلب سيناريو سابقاتها من خلال اتفاق سوتشي الموقع في سبتمبر/أيلول 2018، والذي يقضي بنشر نقاط مراقبة حول إدلب، وإنشاء منطقة منزوعة السلاح في محيطها. 

إلا أن روسيا ضربت بالاتفاق ومخرجات أستانة عرض الحائط، ودعمت قوات النظام والمليشيات الإيرانية التي اجتاحت "منطقة خفض التصعيد الرابعة" في إبريل/نيسان 2019، في ثلاث عمليات متتالية، وسيطرت على ريف إدلب الجنوبي، وحماة الشمالي، وأجزاء من ريفي حلب الغربي والجنوبي، والسيطرة على الطريق الدولي حلب - دمشق المعروف بطريق "أم 5"، قبل أن تتدخل تركيا عسكرياً بوجه النظام إلى جانب المعارضة، وتتوقف العمليات باتفاق لوقف إطلاق النار بين روسيا وتركيا في مارس/آذار 2020. 

حالياً، تمتلك روسيا قاعدتين عسكريتين في سورية، هما قاعدة حميميم الجوية، بريف محافظة اللاذقية، وقاعدة طرطوس البحرية، غربيّ البلاد، وتنتشر القوات الروسية في العديد من المحافظات، سواء من خلال قوات المشاة أو الشرطة العسكرية الروسية، ولا سيما في دمشق وحلب وحمص والأجزاء الواقعة تحت سيطرة النظام في إدلب، بالإضافة إلى انتشار واسع في البادية وشرق سورية، لحماية بعض حقول الغاز والفوسفات التي تهيمن عليها روسيا، بالإضافة إلى خلق توازن مع الانتشار الأميركي شرقيّ البلاد. 

كذلك، ضغطت موسكو مع بعض أصدقائها العرب لإعادة النظام إلى محيطه العربي والجامعة العربية، وكان لهذا الجهود الدبلوماسي بعض الأثر في عودة النظام إلى مقعده بالجامعة في مايو/أيار من هذا العام. 

ويرى المحلل السياسي، المقيم في موسكو، طه عبد الواحد، أن روسيا تجهد لدعم النظام لضمان بقائها في سورية، مشيراً، لـ"العربي الجديد"، إلى أن استراتيجية بقائها في سورية تكمن في إطلالها على وجهات حيوية مختلفة، أولها البحر المتوسط، ثم الجنوب الخليج والأردن، ومن الشرق العراق وإيران، ومن الشمال تركيا التي تُعَدّ بوابة حلف شمال الأطلسي/ناتو. 

ويضيف عبد الواحد أن روسيا تريد أيضاً البقاء في سورية نظراً للعامل الاقتصادي، ومحاولة الاستفادة من الثروات، بالإضافة إلى انتظار أي حل أو مشهد جديد يمكنها من الاستفادة الاقتصادية. 

ويرى عبد الواحد أنه كان للدبلوماسية الروسية الدور الأكبر في دفع الدول العربية إلى التطبيع مع النظام، ويعتقد أنها ستواصل الدفع بهذا الاتجاه، على أمل التوصل إلى تسوية تلائم توجهاتها المستقبلية الجيوسياسية، أي خلق توازن مع التحرك الأميركي و"الناتو" بالبقاء في المنطقة، بالإضافة إلى طموحها بلعب دور في حل الصراع العربي الإسرائيلي. 

ويشير المحلل السياسي إلى أن روسيا تريد أن تكون دولة مستقرة سياسياً واقتصادياً، لكن في الوقت الحالي النظام لا يساعدها، لكونه لا ينصاع لأيٍّ من أشكال التسوية، وأمام هذا المشهد قد تضطر روسيا، بشكل أو آخر، إلى تغيير تعاملها مع رأس النظام، لكن ليس النظام بمجمله، بما يوازي أو يتوافق مع تطلعاتها.  

المساهمون