خلق التحالف الثلاثي، الذي يقوده حزب "التجمع الوطني للأحرار" مع حزبي "الأصالة والمعاصرة " و"الاستقلال"، واقعا جديدا في المشهد السياسي في المغرب، بعد أن أحكم سيطرته على تدبير الشأن الحكومي والمجالس الجهوية والبلدية.
وبينما بدا لافتاً للانتباه استفراد القوى السياسية الثلاث المتصدرة للترتيب الانتخابي لمحطة الثامن من سبتمبر / أيلول الجاري، بمجالات الانتدابات الشعبية، عرفت الساحة السياسية المغربية نقاشا حول تأثير ذلك الاستفراد على المشهد السياسي في البلاد، وصل إلى حد التساؤل حول إن كان ما وقع خلال انتخابات تشكيل هياكل المجالس المحلية والجهوية خلال الأيام الماضية تغولا يهدد التعددية السياسية أم أن الأمر لا يعدو أن يكون تنسيقا من أجل انسجام وفعالية أكبر في الحكومة والمؤسسات التمثيلية.
وأيا كانت دوافع التحول الذي عرفته انتخابات تشكيل المجالس الترابية (البلديات، مجالس الجهات، المجلس الإقليمية) بشأن تدبير التحالفات عما كان عليه الأمر في الانتخابات السابقة، فقد كان لافتا حجم التخوف الذي أبدته قوى سياسية من التحالف الثلاثي واستفراده وهيمنته على الانتدابات الشعبية، من أبرزها حزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية "، الذي اعتبر كاتبه الوطني، إدريس لشكر أن التحالف الثلاثي "ضار جدا ويحاول إنهاك جميع التنظيمات السياسية الأخرى"، وأن "أغلبية بهذا الشكل أفقدت السياسة معناها".
وبدا حجم التخوف من التحالف الثلاثي بشكل جلي، حينما قال زعيم الاتحاد الاشتراكي "، في المؤتمر الصحافي لإعلان خروج حزبه للمعارضة، الأربعاء الماضي، إنه يخشى كثيرا على الوطن وعلى كل الحقوق والمكتسبات من "المثلث المتغول"، معتبرا أن ذلك التحالف "أساء إلى العرس الديمقراطي الذي خاضته البلاد في 8 سبتمبر / أيلول الجاري وللمشهد السياسي والحزبي، وأساء للسياسة وللمؤسسات".
وبينما رفض الأمين العام لحزب "الأصالة والمعاصرة "، في اتصال مع "العربي الجديد"، الرد على الاتهامات الصادرة عن قيادة "الاتحاد الاشتراكي "، قال قيادي في الائتلاف الحكومي الجديد إن هاجس الأحزاب الثلاثة لم يكن الهيمنة وإنما عقلنة تركيبة المؤسسات الانتدابية، وذلك بهدف ضمان الانسجام والفعالية في الأداء، خاصة أن البلاد تنتظرها تحديات عدة من أبرزها تنزيل ورش النموذج التنموي، الذي يتطلب بالإضافة إلى وجود الكفاءات والأطر الضرورية، تناغماً ورؤية مشتركة ونجاعة وسرعة في الأداء.
ويوضح القيادي، الذي طلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول له بالتصريح للصحافة، في تصريح لـ"العربي الجديد "، أن التحالف ليس فقط على أساس المناصب في المجالس الجهوية والجماعية والحكومة، وإنما بناء على إطار مرجعي مشترك، ورؤية موحدة، مشيراً إلى أن الأمر يتعلق ببساطة بنهج منهجية مغايرة لما اعتاد عليه المشهد السياسي المغربي على امتداد السنوات الماضية بشأن تدبير التحالفات.
لكن المحلل السياسي نوفل العمري، يرى أن إسقاط التحالف الحكومي على المجالس المحلية هو ما يعطي الانطباع بتحول هذا التحالف إلى تحالف سيهيمن على المشهد العام مؤسساتيا، لافتا في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن "التحالف العمودي والأفقي بالشكل المغلق الذي تابعنا قد يكون منتجا للهيمنة السياسية التي تتناقض مع طبيعة النظام السياسي التعددي المغربي. كما قد يكون متناقضاً مع مرامي إقرار القاسم الانتخابي على أساس المسجلين في اللوائح الانتخابية، المتمثلة في توسيع تمثيلية جميع الأحزاب في المؤسسات المنتخبة".
مبعث القلق
من جهته، يرى أستاذ القانون الدستوري بجامعة الحسن الأول بسطات عبد الحفيظ اليونسي، أن مبعث القلق الذي تبديه قوى سياسية بشأن التحالف الثلاثي ينصب بدرجة أولى على مستوى الجماعات الترابية (البلديات، المجالس الجهوية) على اعتبار ما وقع من هيمنة للتحالف على تشكيلة تلك المجالس، لافتا إلى أن "ما شهدناه بعد اقتراع الثامن من سبتمبر / أيلول الجاري يؤكد البعد الهيمنيّ الذي يثير القلق بخصوص مستقبل مبدأ أصيل في الحياة السياسية الدستورية منذ استقلال المغرب، ويتعلق بمناهضة فكرة الهيمنة والحزب الوحيد".
ويوضح اليونسي في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أنه "حينما نقوم بتنزيل التنسيق بطريقة عمودية، فنحن هنا نحاصر بطريقة أو بأخرى مبدأ التعددية والاختلاف، ونصبح أمام خطر التنميط والهيمنة ووجود نسق في التدبير ينحو منحى إعادة الاعتبار مرة أخرى، لنسق الأعيان (الوجهاء) ولكن بمضمون جديد، وهو ما سيعطينا، في النهاية، نموذجاً يقوم على تقديم الخدمات للمواطن بعيدا عن السياسة وقريبا من المصلحة الخاصة. وهو ما قد يؤدي، لا قدر الله، إلى موت السياسة في المغرب وظهور منطق المصلحة في تدبير الشأن المحلي، وكذا تشكيل تحالف مصالح ثلاثي أضلعه المنتخب ورجل السلطة وأصحاب المصالح".
ويختتم بالقول "وهنا تضيع المصلحة العامة والهدف السامي من ممارسة السياسة الذي هو تحقيق المصلحة العامة بالنسبة للمواطنين كافة، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والطبقية".