شهدت مدينة البصرة، أقصى جنوبي العراق، أمس الجمعة، تظاهرة هي الأولى من نوعها، شارك فيها العشرات من المتظاهرين، أمام مبنى إدارة المحافظة، للمطالبة بتحويل البصرة إلى إقليم، على غرار إقليم كردستان العراق، وذلك بعد أيام من موجة اعتراضات حادة أثارتها التخصيصات المالية للبصرة ضمن موازنة العام الحالي 2021، والتي اعتبرت لا تتناسب مع حجم المحافظة السكاني ومشاكلها، عدا عن كونها تتحمل أكبر الأعباء البيئية لإنتاج النفط العراقي وتصديره عبر الخليج العربي.
ومن المقرّر أن تعاود "الهيئة التنسيقية لإقليم البصرة"، تنظيم فعاليات أخرى مماثلة في الأيام المقبلة، بهدف حشد الدعم للمشروع الذي اعتبرته حلاً للتخلص من الواقع السيئ في المحافظة.
المشروع الذي يقف خلفه أيضاً نواب سابقون وسياسيون من محافظة البصرة المطلة على مياه الخليج العربي وتقع ضمن مثلث يربطها مع السعودية والكويت جنوباً وإيران شرقاً، ضمن منطقة أقصى جنوبي العراق، يتبنّى إقامة إقليم إداري لمحافظة البصرة يدار بعيداً عن بغداد، وضمن ما كفله الدستور الجديد في البلاد عام 2005، عقب الغزو الأميركي للبلاد، والذي أقرّ تشكيل الأقاليم الإدارية في البلاد بعد تصويت مجلس المحافظة، وتنظيم استفتاء لسكان المحافظة أو عدة محافظات لبيان رأيهم في ذلك، وفي حال حصل الاستفتاء على أكثر من نصف الأصوات يصار إلى التحول إلى إقليم.
وتتركز حجة المطالبين بالمشروع (إقليم البصرة) على مظلومية المحافظة وتردّي الواقع المعيشي فيها، وتراجع خدمات الصحة والتعليم واستشراء الفساد. لكن مسؤولين في بغداد يؤكدون أن الإقليم ليس الحلّ للبصرة أو لأي محافظة أخرى في البلاد، لأن الفساد والتراجع الخدمي تتحمّل مسؤوليته حكومات تلك المحافظات وليس الحكومة الاتحادية في بغداد.
وقال مسؤول في مكتب رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، لـ"العربي الجديد"، تعليقاً على التظاهرات، إن حصة البصرة نحو 3 تريليونات دينار (نحو 2.5 مليار دولار) في العام الماضي، لكن للأسف لم يتم استغلالها بالشكل الصحيح من قبل حكومة البصرة المحلية، مذكراً بمحافظ البصرة السابق ماجد النصراوي، الذي فرّ خارج البلاد عقب افتضاح عمليات فساد ضخمة تورط فيها.
من جهته، قال عضو الهيئة التنسيقية لإقليم البصرة، أحمد البزوني، إن التظاهرات التي شهدتها المحافظة، أمس الجمعة "بداية فقط لحراك شعبي واسع نحو حشد الشارع لتحويل البصرة إلى إقليم، خصوصاً أن الدستور العراقي يدعم هذا الإجراء، وهذا الأمر تم التصويت عليه بالأغلبية من قبل مجلس المحافظة".
واعتبر أن "الجهات السياسية المتنفذة في بغداد ترفض تحويل البصرة إلى إقليم، حتى تبقى هي المتحكم في القرار السياسي والأمني والاقتصادي للمحافظة، وتبقى هي المسيطر على خيرات المحافظة، بنفطها وحدودها والموانئ وغيرها من القضايا الاقتصادية والمالية، التي هي تحت هيمنة قوى سياسية والأجنحة المسلحة التابعة لها"، على حدّ قوله.
ولفت، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الأيام المقبلة ستشهد تصاعداً في موجة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بتحويل محافظة البصرة إلى إقليم، وهذا جاء بعد استمرار تهميش البصرة وسلب حقوق أبنائها، خصوصاً بعد الاطلاع على مشروع قانون موازنة 2021، الذي ثبت فيه تهميش البصرة وسلب حقوق البصريين، رغم أنها ترفد الموازنة العامة للعراق بأكثر من 80%".
وكتب محمد الطائي، وهو نائب سابق وسياسي بارز في البصرة ومن الداعمين لمشروع الإقليم، على حسابه الرسمي في "فيسبوك"، أن "دعاة إقليم البصرة وجماهير البصرة تجمعوا في ساحة الحرية، الجمعة، للمطالبة بتطبيق المادة 119 من الدستور، وكذلك القانون رقم 13 لسنة 2008 بتشكيل الأقاليم، خصوصاً بعد موافقة مفوضية الانتخابات على طلب جماهير البصرة بتحويل المحافظة إلى إقليم، وإهمال الحكومات المتعاقبة في بغداد لمطالب أهالي البصرة". وختم قائلاً إن "إقليم البصرة ضمان لمستقبل العراق والبصرة".
من جهته، اعتبر النائب عن محافظة البصرة، بدر الزيادي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، خروج التظاهرات الشعبية المطالبة بتحويل المحافظة إلى إقليم، بأنه ناجم عن "استمرار تهميش وظلم المحافظة، خصوصاً في مشروع قانون موازنة سنة 2021".
وأكد أن "موازنة 2021 لم توزع بصورة صحيحة وعادلة، وهناك تأثيرات سياسية دخلت على قضية توزيع الأموال والمخصصات فيها، والموازنة فيها ظلم كبير لمحافظة البصرة، خصوصاً أنها المحافظة الأولى في العراق المنتجة للنفط". وأضاف الزيادي أن "نواب محافظة البصرة اتفقوا على عدم التصويت على مشروع موازنة 2021، إذا لم يكن هناك إنصاف للمحافظة ولم توزع المخصصات المالية بعدالة، كما سيكون لنا موقف آخر في مجلس النواب".
وبيّن أن "استمرار تهميش وظلم البصرة سوف يدفعنا إلى الذهاب إلى الإقليم لأخذ حقوقنا، وهذا الأمر ربما ليس في البصرة، فربما تتخذ محافظات عراقية أخرى تشعر بالظلم والتهميش خطوات مماثلة، وعلى الجميع الحذر من دفع المحافظات إلى هكذا خطوات للحصول على حقوقها المشروعة".
ويمنح الدستور العراقي بنسخته الجديدة التي أقرّت في عام 2005، الحرية للمحافظات العراقية، بتقديم طلب للانتقال من صفة محافظة إلى إقليم، بعد إجراء استفتاء شعبي من قبل مفوضية الانتخابات، على أن يوافق عليه أكثر من نصف الناخبين في المحافظة. ونتيجة لذلك، تصبح المحافظة إقليماً إدارياً، على غرار إقليم كردستان العراق. كما يجيز الدستور توحد محافظات عدة في الإقليم، لتبقى السلطة الاتحادية النافذة لبغداد في سنّ القوانين وتوزيع الموارد.