انتخبت الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية البريطاني كريم خان لمنصب المدعي العام للمحكمة، خلفاً لفاتو بنسودا، لولاية تستمر تسع سنوات وتبدأ في الـ 16 من يونيو/حزيران المقبل. وتغلّب خان على ثلاثة مرشحين آخرين، من إسبانيا وإيطاليا وإيرلندا. وجرت الانتخابات في مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وصوتت على انتخابه 123 دولة عضوا في المحكمة الدولية، ومقرها لاهاي، والتي من ضمن مهامها النظر في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية حول العالم. وفاز خان في الجولة الثانية من الاقتراع، حيث حصل على تأييد 72 دولة من أصل 122 دولة أدلت بأصواتها.
وفي أول تصريح رسمي حول نتائج الانتخابات، قالت ليز إيفنسون، المديرة المساعدة لبرنامج العدالة الدولية في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، إن انتخاب كريم خان كمدعٍ عام للمحكمة الجنائية الدولية يأتي في فترة حرجة للغاية، حيث تواجه المحكمة ضغوطاً شديدة حول دورها، كما عيوباً في أدائها. وأضافت "نتطلع لأن يقوم خان بمعالجة الإخفاقات التي تعاني منها المحكمة، مع إظهار الاستقلالية الحازمة لمحاسبة حتى من هم أقوى. إن دور المحكمة الجنائية الدولية حاسم في طريق تحقيق العدالة في عدد من القضايا حول العالم، بما فيها أفغانستان، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وليبيا، وفلسطين وغيرها". وأردفت: "إن الصراحة هي الطريق الوحيد لمعالجة العقبات التي تواجه مكتب المدعي وتجنيد دعم لولايته بين أصحاب المصلحة والدول الأعضاء في المحكمة".
وكان خان الأكثر حظاً من بين المرشحين الأربعة. وقاد خان، وهو محامٍ بريطاني متخصص في حقوق الإنسان، مؤخراً تحقيقاً للأمم المتحدة متعلقاً بجرائم تنظيم "داعش" الإرهابي، وناشد بإجراء محاكمات لهم شبيهة بتلك التي خضع لها قادة نازيون في محاكمات نورنبرغ. وتأتي ولاية خان في وقت تتعرض فيه المحكمة الدولية لضغوطات شديدة من قبل إسرائيل ودول أخرى. واستهدفت الإدارة الأميركية السابقة المدعية الحالية، بن سودا، ومسؤولين آخرين، حين أدرجتهم على قائمة العقوبات الأميركية، وشمل ذلك حظرهم من السفر إلى الولايات المتحدة وتجميد أصولهم. وجاءت الخطوة الأميركية بسبب تحقيقات تجريها المحكمة في جرائم حرب مفترضة لأميركان في أفغانستان، كما لإسرائيليين ضد فلسطينيين.
وكثفت سلطات الاحتلال الإسرائيلي مؤخراً من هجماتها على المحكمة، بعد إعلان الأخيرة، الأسبوع الماضي، أن "لديها اختصاصا للنظر في القضايا المرفوعة أمامها فيما يخص الأراضي الفلسطينية المحتلة"، مما يمهد الطريق لإجراء تحقيقات في جرائم حرب محتملة.
وعلى الرغم من التوقعات التي ترى أن إدارة الرئيس جو بايدن ستكون أقل عدائية ضد المحكمة وأعضائها؛ فإن من غير المتوقع أن يكون هناك تغيير جذريٌ في الموقف الأميركي، بخصوص نظر المحكمة في جرائم حرب محتملة في فلسطين أو أفغانستان.
وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة "غيرت" من نهجها تجاه المحكمة بعض الشيء بمرور الزمن. حيث كان توجهها عند تأسيس المحكمة، قبل عشرين عاماً، وفي سنوات لاحقة، عدائياً للغاية، ثم بدأت حتى في نهاية إدارة (الرئيس الأسبق) جورج بوش الابن الاعتراف بأنه يمكن للمحكمة أن تلعب دوراً مهماً في مقاضاة مرتكبي جرائم حرب في عدد من الأماكن، كدارفور مثلاً. وحتى إدارة (الرئيس السابق) باراك أوباما بدت أكثر دعماً لدور المحكمة. أما إدارة ترامب فقامت بمعاداتها بشكل تام، في حين من المتوقع أن تتخذ إدارة بايدن نهجاً مشابها لذلك الذي اتخذته إدارة أوباما.