البريطانيون على موعد مع تتويج الملك والانتخابات المحلية وسط أحوال معيشية متدهورة

26 ابريل 2023
ترخي الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة بظلالها على المناسبتين (Getty)
+ الخط -

لن يكون الشهر القادم تقليدياً بالنسبة إلى ملايين البريطانيين، حيث من المقرّر أن تجري الانتخابات المحلية في الرابع من مايو/أيار، أي بعد أسبوعين، تليها مراسم تتويج الملك تشارلز الثالث المقرّرة في السادس منه، على أن يحصل الناخبون على عطلة نهاية أسبوع مطوّلة تستمرّ حتى 8 مايو/أيار.

تجدر الإشارة إلى أن الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة والإضرابات المستمرة ترخي بظلالها على المناسبتين وتنغّص "فرحة" الاحتفالات التي تبدو اليوم وكأنها "دخيلة" و"مقحمة" وغير متناسقة مع الأوضاع العامة الصعبة؛ إذ يصعب تجاهل عناوين الصحف العريضة حيث تتجاور في صفحاتها الأولى مراسم التتويج المكلفة جداً مع عناوين الفقر المدقع الذي يعيشه ملايين البريطانيين بسبب غلاء المعيشة وارتفاع أسعار الوقود وفواتير الطاقة.

وتتجاور أخبار ثروة الملك الباهظة، مثلًا، مع خبر عن 500 ألف بريطاني أمضوا هذا الشتاء في "الغرف الدافئة"، وهو مشروع خيري أقيم في معظم أنحاء البلاد لتوفير مساحات مغلقة ودافئة لاحتضان الأشخاص العاجزين عن سداد فواتير الطاقة وتدفئة منازلهم، ومعظمهم من كبار السن. تتجاور أيضاً أخبار الانتخابات المحلية، وهي حدث "ديمقراطي" يتباهى به البريطانيون، مع أخبار عن فشل الحكومة البريطانية في إجلاء رعاياها العالقين في السودان، مع أنها "أنقذت" الدبلوماسيين وعائلاتهم في حين أن جارتها فرنسا كانت قد أجلت كل الفرنسيين بلا تمييز نهاية الأسبوع الماضي.

يتوّج ملك أعفيت الأصول التي ورثها عن والدته الملكة إليزابيث الثانية من أي مساهمة في الخزانة العامة، لتبلغ ثروته اليوم ملياري جنيهاً استرلينياً في الوقت الذي يرزح فيه مليون طفل دون سن الرابعة تحت خط الفقر

وربما سيحلو للمتابع أن يلتقط رمزية المناسبتين اللتين لن تفصل بينهما سوى ساعات قليلة، لكنهما تؤرّخان لرثاثة المشهد السياسي والاقتصادي اليومي في بريطانيا، حيث يتوّج ملك أعفيت الأصول التي ورثها عن والدته الملكة إليزابيث الثانية من أي مساهمة في الخزانة العامة، لتبلغ ثروته اليوم ملياري جنيه إسترليني في الوقت الذي يرزح فيه مليون طفل دون سن الرابعة تحت خط الفقر بسبب التضّخم وغلاء المعيشة. وبينما ستبلغ قيمة مراسم التتويج 100 مليون جنيه إسترليني تتكفّل بها الحكومة البريطانية ودافعو الضرائب، لا يزال واحد من كل أربعة أشخاص في المملكة المتحدة عاجزًا عن دفع فواتير الطاقة والضرائب والمواد الغذائية بحسب الإحصاءات الأخيرة.

ومع أن الحكومة البريطانية وقصر باكنغهام استبقا الشعور بالغبن لدى الملايين عبر تسريب معلومات عن أن مراسم التتويج المكلفة ستدرّ على المملكة في المقابل ما قد يصل إلى بليون جنيه إسترليني مما سيدعم عجلة الاقتصاد، فإن ذلك ليس مؤكّداً وسط حالة اللايقين والأزمات التي تعيشها دول الجوار وتداعيات الغزو الروسي على أوكرانيا وأيضاً سياسات "حزب المحافظين" المتشدّدة تجاه "الغرباء" من طالبي اللجوء.

أخبار
التحديثات الحية

أما الانتخابات العامة فتسجري بالتزامن مع فشل حكومات حزب المحافظين المتعاقبة في تلبية مطالب الناخبين والسيطرة على التضخم والحدّ من لوائح الانتظار المرهقة لمئات الآلاف من المرضى، والاستجابة لمطالب رفع الأجور في قطاعات حيوية كالقطاع الصحي والنقل العام، ما تسبّب بسلسلة غير مسبوقة من الإضرابات المستمرة حتى لحظة كتابة هذا التقرير. وأيضاً، ستجري الانتخابات في الوقت الذي يعيش فيه الحزب الحاكم انقسامات "مخجلة" بينما لم توفّر المعارضة أي خطط بديلة تجعلها في مقدمة صناديق الاقتراع.

فقبل أيام فقط، استقال وزير العدل ونائب رئيس الحكومة دومينيك راب بعد أن أثبتت التحقيقات ممارسته "التنمّر" على موظّفي الخدمة المدنية. وقبلها بشهرين استقال رئيس حزب المحافظين ناظم الزهاوي على خلفية التهرّب الضريبي إضافة إلى رئيس مكتب رئيس الوزراء غافين ويليامسون، الذي استقال بعد أيام من وصول ريشي سوناك إلى الزعامة بسبب رسالة "بذيئة" أرسلها إلى مسؤول الانضباط في "حزب المحافظين".

وما يميّز الاستقالات الثلاث هو التنصّل من المسؤولية وغياب المساءلة والمحاسبة اللتين شكّلتا العنوان العريض لحملة سوناك الانتخابية، إذ إن رئيس الحكومة لم يعزل أياً من المسؤولين الثلاثة واحتفظ بهم في مناصبهم رغم تهم الفساد والتنمّر منتظراً نتائج التحقيقات. كما ستجري الانتخابات بالتزامن مع خطة الحكومة البريطانية الانسحاب من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، غير عابئة بما ستمثله الخطوة من تقويض القانون الدولي في بلد اشتهر سابقاً بقضائه المستقل، المناصر لسيادة القانون وللحريات.

ستجري الانتخابات أيضًا في الوقت الذي يخشى فيه المحافظون من انهيار الجدار الأزرق في الانتخابات المحلية بسبب أزمة القطاع الصحي والأزمة الاقتصادية؛ إذ تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى تقدّم حزب العمّال المعارض بأكثر من نقطتين على الحزب الحاكم في مناطق "الجدار الأزرق" الغنيّة والمعروفة تقليدياً بأنها محافظة. وتشير الاستطلاعات أيضاً إلى أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والتداعيات الاقتصادية والسياسية اللاحقة، كانا العامل الأساسي في تراجع شعبية الحزب في تلك المناطق. يخشى المحافظون أيضًا أن يفقدوا مقاعدهم في "الجدار الأحمر" بسبب سياسات الزعيمين السابقين بوريس جونسون وليز تراس والزعيم الحالي سوناك. وإن كانت الانتخابات المحلية هذه هي الاختبار الانتخابي الأول لسوناك منذ وصوله إلى "داونينغ ستريت" في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فهي أيضاً الاختبار الأكبر لمزاج الناخبين والرأي العام قبيل الانتخابات العامة المقررة بعد عامين على أبعد تقدير، والاختبار الأكبر أيضاً بالنسبة إلى حزب العمال المعارض ليثبت قدرته على قيادة البلاد في الانتخابات العامة المقبلة.