- تزامن الدورة مع فضائح فساد كبرى ومطالبات المجتمع المغربي بإرادة سياسية حقيقية للقطع مع الفساد، ومنع 10 برلمانيين من تولي مناصب المسؤولية.
- الدورة الربيعية تشكل فرصة لتبني إجراءات جادة في مكافحة الفساد، بما في ذلك إقرار مدونة السلوك والأخلاقيات البرلمانية، لتحسين جودة النخب البرلمانية وتعزيز مشاركة النساء والشباب.
يفتتح البرلمان المغربي بمجلسيه (النواب والمستشارين)، غدا الجمعة، دورته الربيعية، في ظل مطالب بمحاربة ومحاسبة المتورطين في الفساد من برلمانيين وسياسيين، وتجميد عضوياتهم.
وتحل الدورة الربيعية على وقع متابعة 30 برلمانياً قضائياً خلال الأشهر الماضية بتهم تتعلق باختلاس وتبديد أموال عمومية، في سابقة في تاريخ البرلمان المغربي. ومن بين البرلمانيين من فتحت ضده ملفات غسل أموال وتم حجز ممتلكاته وأمواله.
وشهدت الساحة البرلمانية في المغرب تحقيقاً مع عدد من البرلمانيين، وعزل آخرين، بسبب تورطهم في قضايا جنائية، في حين يتم الاستماع إلى آخرين بشبهات في عدد من الملفات، مع إحالة طلبات بعزل 119 منتخبا في عدد من البلديات، من ضمنهم برلمانيون، بسبب ارتكابهم مخالفات قانونية.
وبموجب هذه الطلبات التي وضعها محافظو الأقاليم المغربية صدر 83 حكماً إدارياً و65 حكماً استئنافياً وقرار واحد من النقض، فيما بلغت الأحكام الرائجة 5 ابتدائية و8 أمام محكمة النقض وحكماً واحداً استئنافياً، وفق آخر تقرير لوزارة الداخلية حول منجزاتها لسنة 2023.
كما تفجرت، خلال الأسابيع الماضية، قضية بارون المخدرات المعروف إعلامياً بـ"إسكوبار الصحراء" التي تورط فيها قياديان حزبيان يتوليان تسيير جماعات ترابية مهمة، وتبديد واختلاس المال العام من خلال رفض إرجاع ما تبقى من أموال الدعم العمومي، أو تقديم وثائق ومستندات غير قانونية لتبرير صرف هذا الدعم، ناهيك عن فضيحة ما تعرف إعلامياً بصفقات الدراسات والأبحاث التي منحتها عدة أحزاب لمكاتب دراسات يملكها مسؤولون فيها، أو تعود إلى أشخاص مقربين من هذه الأحزاب.
وقبل أيام قليلة من افتتاح الدورة الربيعية راجت أخبار عن منع 10 برلمانيين مغاربة من مختلف الفرق، أغلبية ومعارضة، من تولي مناصب المسؤولية خلال هذه الدورة، بسبب متابعتهم قضائيا في حالة سراح.
وفي وقت يستمر فيه الجدل السياسي بشأن ملاحقة عدد من البرلمانيين أمام القضاء بتُهم فساد، وتجريد آخرين من عضوية البرلمان، قال رئيس "الجمعية المغربية لحماية المال العام"، محمد الغلوسي لـ"العربي الجديد"، إن "السؤال المطروح هو ما إذا كان ما تبقى من البرلمانيين سيجعل من هذا الواقع المخجل أرضية للانكباب بجدية على سن منظومة قانونية لمكافحة الفساد والرشوة ونهب المال العام، وفي مقدمتها تجريم الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح، أم أنهم سيقفزون على هذا الواقع كأنه يعني بلدا آخر، وسيستمرون في التطبيع مع الفساد والريع وحماية لصوص المال العام؟".
وأضاف: "لا يخفى على نواب الأمة أن تقارير قد توقفت عند تفاقم الفساد والرشوة بالمغرب وهو ما يشكل تهديدا حقيقيا للسلم والأمن الاجتماعيين، ولذلك فإن المغاربة يتطلعون إلى إرادة سياسية حقيقية للقطع مع الفساد ونهب المال العام والريع وربط المسؤولية بالمحاسبة، ويتمنون أن تستمر المعركة ضد الفساد، وذلك بمحاكمة لصوص المال العام والمفسدين وتحريك مساطر غسل الأموال ضدهم".
واعتبر الغلوسي أن "هذا الواقع يفرض على الأحزاب السياسية أن تلتقط دفة المرحلة وصعوباتها وخطورة الفساد على الدولة والمجتمع قبل فوات الآوان وأن تبدأ من نفسها، وذلك بتجميد عضوية كافة المتهمين في جرائم الفساد، وعدم ترشيحهم لأية مسؤولية عمومية كيفما كانت أو تكليفهم بتمثيل البرلمان في أي نشاط، مع اتخاذ البرلمان لقرار نافذ يقضي بوقف صرف أجورهم وتعويضاتهم".
وانتقد الغلوسي استمرار بعض الأحزاب في معاكسة توجه الدولة "المعبر عنه رسميا وعلى أعلى مستوى في مكافحة الفساد والرشوة ونهب المال العام"، والتعامل مع ذلك باعتباره مجرد حملة ظرفية اقتضتها طبيعة المرحلة.
إلى ذلك، ينتظر أن تتضمن الدورة الثانية من السنة التشريعية 2023-2024 التي ستفتتح غدا الجمعة، رهانات وورشا عديدة على رأسها إقرار مدونة السلوك والأخلاقيات البرلمانية، استجابة لدعوة العاهل المغربي الملك محمد السادس لإقرار مدونة للأخلاقيات في المؤسسة التشريعية بمجلسيها تكون ذات طابع قانوني ملزم، وتحقيق الانسجام بين ممارسة الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية، فضلا عن العمل على الرفع من جودة النخب البرلمانية والمنتخبة، وتعزيز ولوج النساء والشباب أكثر إلى المؤسسات التمثيلية.
وفي الإطار، قالت الباحثة في العلوم السياسية شريفة لموير لـ"العربي الجديد"، إن تكريس محاربة الفساد في مختلف مؤسسات الدولة وكذا مع مختلف الفاعلين داخل الدولة هي مقاربة جديدة تتأسس على تخليق المشهد السياسي بالمغرب، معتبرة أن "تجدد مطالب محاربة الفساد ومحاسبة المتورطين من داخل المؤسسات التشريعية هو إعلان صريح عن مرحلة جديدة تقطع مع جل الممارسات التي سفهت الحياة من خلال مسؤولين فاسدين".
وأعربت الباحثة عن اعتقادها بأنه "حتى في حال خروج مدونة الأخلاقيات إلى حيز الوجود والاعتماد عليها من أجل تحسين للحياة السياسية بالمغرب، فمن الصعب الاعتماد عليها لوحدها وبشكل كلي من أجل اجتثاث هذه الظاهرة داخل المؤسسات التشريعية خاصة أن المحاربة الحقيقية لها يجب أن تكون جذرية ومن داخل الأحزاب السياسية التي تبقى مسؤولة عن ولوج الأفراد للمؤسسات التشريعية"، مشيرة إلى أن "إشكال تحسين الحياة العامة يقتضي اعتماد مقاربة تستهدف المشكلة من أساسها لقطع جذورها والقطع معها".