قرر البرلمان المغربي بغرفتيه، اليوم الاثنين، إعادة النظر في علاقاته مع البرلمان الأوروبي، مع اتخاذ خطوات وقرارات أخرى تخص هذه العلاقة، سيتم الإعلان عنها لاحقاً.
وجاء ذلك في ختام الجلسة العمومية المشتركة لمجلسي النواب والمستشارين التي عُقدت، مساء الاثنين، من أجل التداول حول قرار البرلمان الأوروبي الذي طالب الرباط باحترام حرية التعبير والصحافة والإفراج عن الصحافيين المعتقلين، وبالوقف الفوري لجميع المضايقات ضد جميع الصحافيين ومحاميهم وعائلاتهم.
ووصف البرلمان المغربي القرار بأنه "انحراف خطير وتجاوز غير مقبول لاختصاصات وصلاحيات هذه المؤسسة"، معتبراً في بيان أصدره عقب الجلسة المشتركة، أن توصية البرلمان الأوروبي "أجهزت على منسوب الثقة بين المؤسستين التشريعيتين المغربية والأوروبية، ومست التراكمات الإيجابية التي استغرق إنجازها عدة قرون أو عقود في الصميم".
وعبّر البرلمان المغربي عن أسفه لـ"انصياع البرلمان الأوروبي لبعض الجهات المعادية داخله، واستدراجه في حملتهم المضللة التي تستهدف شريكاً عريقاً وذا مصداقية يضطلع بأدوار كبرى في حماية الحقوق والحريات والدفاع عن السلم الإقليمي والدولي".
وبدا لافتاً، خلال الجلسة، حجم الإجماع لدى مكونات المجلسين، أغلبية ومعارضة، على إدانة وشجب ما اعتبروه موقفاً سلبياً للبرلمان الأوروبي و"ابتزازاً" و"مساومة" و"تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية".
وفي السياق، اعتبر رئيس مجلس النواب، رشيد الطالبي العلمي، في افتتاح الجلسة المشتركة، أن تصويت البرلمان الأوروبي على توصية تقضي بإدانة وضعية حقوق الإنسان وحرية الصحافة في المغرب، غير مفهومة المغزى والمعنى، وفق تعبيره، لافتا إلى أن مكونات المجلسين يدركون جميعا خلفيات موقف البرلمان الأوربي وطبيعته وسياقاته.
من جهته، قال رئيس فريق "التجمع الوطني للأحرار" (قائد الائتلاف الحكومي في المغرب)، محمد غيات، إن حزبه لن يقبل "أن يكون وطننا عرضة للمساومة أو الخنوع، ولن تخيفنا قراراتهم، ولن نغيّر من مسارنا ومن مقاربتنا، ونحن مقتنعون ومؤمنون بعدالة قضايانا".
وأبدى غيات استغرابه مما سماه ازدواجية الخطاب لدى البرلمان الأوربي، بالقول "خطابكم الرسمي يعترف بمجهودات المغرب في تحصين الحقوق والحريات وتكريس دولة الحق والقانون وتأصيل النظام الديمقراطي من جهة، ومن جهة أخرى ممارسات تنتقد وتدين، وما نريد نحن هو موقف واضح ماذا تريدون؟".
بدوره، اعتبر رئيس الفريق النيابي لـ"الأصالة والمعاصرة" (المشارك في الحكومة)، أحمد التويزي، ما صدر عن البرلمان الأوربي "تهجماً واضحاً وممنهجاً على بلادنا، وتدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية للمملكة، ومحاولة يائسة للتأثير على القضاء المستقل".
وقال إن قرار البرلمان الأوروبي يقف وراءه "بلد كنا نعتقد أنه صديق، لكن رائحة الغاز أفقدته وعيه وصوابه"، موضحاً أن المغرب لم يعلن الحرب على أي دولة من دول الاتحاد الأوروبي حتى يعمل البرلمان الأوروبي على صياغة قرار تحت الطلب ضد المغرب، وفق تعبيره.
وبينما أكد التويزي أن "منطق الابتزاز" الذي تتعامل به دول أوروبية لن ينفع مع المغرب، اعتبر رئيس "الفريق الاشتراكي" المعارض، عبد الرحيم شهيد، أن البرلمان الأوروبي "غير مؤهل أخلاقياً لإعطاء الدروس للآخرين عن الديمقراطية وحقوق الإنسان".
وعبّر شهيد عن "رفض أي تدخل في الشؤون الداخلية للمملكة، ومحاولات استهداف المغرب وابتزازه، من خلال التشكيك في اختياراته الديمقراطية والحقوقية، واستهداف مؤسساته الدستورية، وفي مقدمتها استقلالية السلطة القضائية".
من جهته، قال رئيس المجموعة النيابية لحزب "العدالة والتنمية" (المعارض)، عبد الله بوانو، تعليقاً على قرار البرلمان الأوروبي، إن "المغرب مستهدف"، وإن "مسار التقدم في بلادنا أصبح يزعج"، معبراً عن إدانة حزبه القوية ورفضه للإملاءات الخارجية ولكل تدخل وللوصاية الاستعمارية.
وكان البرلمان الأوروبي أصدر، الأسبوع الماضي، قراراً يحث السلطات المغربية على احترام حرية التعبير وحرية الإعلام، وتوفير محاكمات عادلة للصحافيين المسجونين، ولا سيما عمر الراضي وسليمان الريسوني وتوفيق بوعشرين، مع المطالبة بالإفراج الفوري عنهم.
كما يطالب القرار السلطات المغربية بوضع حد لمضايقة جميع الصحافيين في البلاد، وكذا محاميهم وعائلاتهم، والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بالتوقف عن تصدير تكنولوجيا المراقبة إلى المغرب، بما يتماشى مع لائحة الاستخدام المزدوج للاتحاد الأوروبي.
وخلص القرار إلى دعوة الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه، إلى مواصلة إثارة قضايا الصحافيين المعتقلين والسجناء السياسيين مع السلطات المغربية، واستخدام نفوذها للسعي إلى تحسينات ملموسة لحالة حقوق الإنسان في البلاد.
وأثار القرار على وجه الخصوص قضية الصحافي عمر الراضي، الذي أدين بالسجن ستة أعوام في قضيتي "اعتداء جنسي" و"تجسس"، وهما تهمتان ينكرهما، بالإضافة إلى محاكمة الصحافيين سليمان الريسوني وتوفيق بوعشرين.