أقرّ البرلمان اللبناني، اليوم الثلاثاء، تمديد صلاحيات المجالس البلدية والاختيارية لمدة أقصاها سنة واحدة، بذرائع عدم تأمين الحكومة التمويل المالي اللازم لإجراء الانتخابات في موعدها المحدد في مايو/ أيار المقبل، الذي يبلغ حوالى 9 ملايين دولار، في ظلّ تزايد العقبات اللوجستية والإدارية، أبرزها إضراب الإدارات العامة، التي تحول دون إتمامها.
وتُتهم السلطة السياسية في لبنان من قبل المعارضين بتجاهل الانتخابات لعدم جهوزيتها لخوض معركتها، مادياً وشعبياً، متذرعةً بعراقيل مختلفة من أجل إرجاء الانتخابات، التي تُضاف اليوم إلى سلسلة الاستحقاقات المعطّلة في البلاد بقرار سياسي.
وتبنّى مجلس النواب اللبناني، اليوم الثلاثاء، صيغة التمديد التقني الثاني التي تفيد بانتهاء ولاية المجالس البلدية والاختيارية القائمة كحدّ أقصى حتى تاريخ 31 مايو/ أيار من عام 2024، وذلك بعدما كان قد مددها في مارس/ آذار من عام 2022 إلى 31 مايو/ أيار من عام 2023، بحجة تزامن الانتخابات حينها مع موعد إجراء الاستحقاق النيابي واستحالة إجرائها في الوقت نفسه لعوامل لوجستية ومالية.
وتأتي الجلسة التشريعية اليوم التي خصّصت لتأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية لتخرق مشهدين أساسيين: الأول يتمثل بانعقاد الجلسة بعد أكثر من 3 أشهر على إقفال مجلس النواب أبوابه لحين التوافق السياسي على انتخاب رئيس جديد للبلاد، والثاني بتأمين "التيار الوطني الحر" بالدرجة الأولى النصاب، رغم رفعه شعار رفض التشريع في ظل الشغور الرئاسي.
وبرّر رئيس "التيار"، النائب جبران باسيل، حضور نواب تكتله في جلسة اليوم، باعتبار أنّ الحدث استثنائي و"يصبّ في خانة الطارئ والمستعجل والقوة القاهرة، ومنع الفراغ البلدي والاختياري"، داعياً رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى تحديد موعد إجراء الانتخابات منذ الآن.
وفي حديثه عن الحكومة، وخصوصاً وزير الداخلية بسام مولوي، أشار باسيل، في تصريح صحافي، إلى أنّه "يتحدّث في الخارج، ويصمت في الداخل (أي بالجلسة)"، مشدداً على أنّ الوزير يعلم بالعوائق الكثيرة، ورغم ذلك يطلق مواقف بجهوزية الوزارة لإجراء الانتخابات.
وشهدت الجلسة اليوم سجالاً حاداً بين نواب "التيار الوطني الحر" وميقاتي، وبين الطرف الأول والنائب أحمد خير على خلفية مهاجمتهم رئيس الحكومة.
نواب يتوجهون للطعن بقانون التمديد
وقاطع الجلسة التي حضرها 73 نائباً من أصل 128 تكتلات برلمانية، تتقدّمها "القوات اللبنانية" بقيادة سمير جعجع، و"الكتائب اللبنانية" برئاسة النائب سامي الجميّل، وعدد من النواب المستقلين والتغييريين، وسط توجّه إلى الطعن بقانون التمديد، من بوابة اعتبار الجلسة غير دستورية وباطلة، لكون المجلس تحوّل إلى هيئة ناخبة، ولا يحق له القيام بأي عمل آخر سوى انتخاب رئيس للجمهورية.
في السياق، يقول رئيس المجلس الدستوري القاضي طنوس مشلب، لـ"العربي الجديد"، إنّ أي قانون يقرّ من قبل مجلس النواب يجوز الطعن فيه أمام المجلس الدستوري.
ويوضح مشلب أنّ مهلة الطعن 15 يوماً، وتسري من تاريخ نشر القانون في الجريدة الرسمية، لافتاً في المقابل إلى أنّ رئيس الجمهورية عادة يوقع القوانين لتصبح نافذة، وفي ظلّ الشغور يعتبر القانون نافذاً بعد شهرٍ من إقراره، وعندها تبدأ مهلة الطعن، فيما يحتاج المجلس الدستوري تقريباً إلى 25 يوماً ليصدر قراره بشأنه.
ويشير رئيس المجلس الدستوري إلى أنّ "الآراء الاجتهادية تتقاطع حول دستورية الجلسة من عدمها، وما إذا كانت جلسة مجلس النواب اليوم كهيئة ناخبة أو توضع في خانة التشريعية، وهناك خلاف حول ذلك، وكل وجهات النظر جديرة بالاحترام".
من جهته، يقول مصدر قانوني، لـ"العربي الجديد"، إنّ تأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية "نكسة للإنماء المحلي، باعتبار أنّ البلديات بشكل خاص لاعب أساسي في التنمية المحلية وحماية المجتمع المحلي، في ظل تنامي التحديات الصحية والبيئية والمعيشية".
من ناحية ثانية، يرى المصدر أنّ "المجلس الدستوري قد يردّ الطعن عندما يتقدم به النواب المعارضون للتمديد، باعتبار أنّ التأجيل تقنيٌّ وليس حتمياً، بحيث ترك البرلمان للسلطة التنفيذية تقدير الوقت المناسب لإجراء الانتخابات عند توافر الإمكانات البشرية والمادية واللوجستية، وبالتالي قد تقرر إقامتها بعد شهر أو شهرين، والحدّ الأقصى هو سنة".
وينعقد مجلس الوزراء اللبناني، بعد ظهر اليوم الثلاثاء، للبحث في تمويل الانتخابات، وهو ما اعتبره حزب "الكتائب اللبنانية" استخفافاً بعقول اللبنانيين وبمثابة مسرحية لتقاذف المسؤوليات، مشيراً إلى أنّ "الحكومة لو كانت راغبة فعلاً في تأمين المبلغ الذي يعتبر بسيطاً، لكانت موّلت الانتخابات منذ أسابيع من "حقوق السحب الخاصة بلبنان" من دون الحاجة إلى جلسات تشريع غير دستورية".
ولفت الحزب، في بيان له، إلى أنّ "قرار إطاحة المؤسسات قد اتخذ من قبل منظومة سياسية غير جاهزة لمواجهة صناديق الاقتراع بعد فشلها في كل ملف تولته، وأودت البلاد إلى انهيارات تاريخية وعلى كافة المستويات".
وأكد رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، في الجلسة النيابية، اليوم الثلاثاء، أنّ "مجلس الوزراء الذي سينعقد بعد ظهر اليوم لديه حلّ ممكن متمثل بتعديل التواريخ التي سبق أن أقرّها وزير الداخلية بسام مولوي، فيصبح 21 مايو/ أيار بديلاً من 7 مايو/ أيار و27 مايو/ أيار بديلاً من 14 مايو/ أيار".
وأضاف ميقاتي: "نتعهد بإجراء هذه الانتخابات ضمن المهل المحددة وبأسرع وقت".
وتابع: "الحكومة تحمل حلولاً ممكنة في ما يتعلق بموضوع القطاع العام، ولا يجب أنّ نلقي اللوم على بعضنا البعض، ولا يجب رمي المسؤولية على الحكومة باعتبارها مقصرة كما يفعل البعض الذي يقول إنّها غير موجودة".
وكان وزير الداخلية قد حدد تواريخ 7 مايو/ أيار لانطلاقة الاستحقاق شمالاً، و14 مايو/ أيار في جبل لبنان، و21 مايو/ أيار في بيروت والبقاع وبعلبك الهرمل، على أن تختتم في 28 مايو/ أيار في الجنوب والنبطية، علماً أنّ أي ترشيحات لم تقدّم حتى اللحظة، الأمر الذي اعتبر أيضاً من عوامل التأجيل.
وتحدث مولوي عن أبواب عدة لتغطية النفقات، منها التي تأتي بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، وحقوق السحب الخاصة، الذي يرجح أن تستخدمها الحكومة للتمويل.
وفي سبتمبر/ أيلول 2021، حوّل صندوق النقد الدولي إلى لبنان ما قيمته 1.139 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة، وقد لجأت الحكومة إليها باعتبارها أسهل الطرق بدل وضع الخطط الإصلاحية والشروع بتنفيذها، وأنفقت حوالى ثلثي هذه الأموال، رغم تعهّدها بعدم المسّ بها، وذهبت بالدرجة الأولى إلى استيراد القمح والكهرباء والدواء وغيرها من النفقات.