البرلمان اللبناني أمام جلسة "استعراضية" ثالثة لانتخاب رئيس للبلاد

19 أكتوبر 2022
جلسة نيابية ثالثة بسيناريو مكرر (حسين بيضون/العربي الجديد)
+ الخط -

تُجمع الآراء السياسية في لبنان عشية جلسة البرلمان الثالثة، التي دعا إليها رئيسه نبيه بري، لانتخاب رئيس جديد للبلاد، على أن يوم غد الخميس لن يُكلَّل بفوز أي مرشحٍ لخلافة الرئيس ميشال عون، الذي تنتهي ولايته في 31 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، في ظلّ عدم تسجيل تطورات جدية على مستوى التوافق على الشخصية الرئاسية سلفاً.

وتصبّ المواقف الصادرة اليوم عن نواب في البرلمان اللبناني بمختلف أطيافهم الحزبية باتجاه سيناريو مُكرّر لنتيجة الجلستين الأولى والثانية، لناحية عدم انتخاب رئيسٍ جديدٍ، بغضّ النظر عما إذا تأمن النصاب المطلوب لانعقاد الجلسة، أي غالبية الثلثين من أعضاء البرلمان (ما يعادل 86 نائباً من أصل 128)، كما حصل في 29 سبتمبر/أيلول الماضي، إذ سيُسقَط حتماً في الدورة الثانية، أو لم يؤمَّن من الأساس، على غرار جلسة 13 أكتوبر.

كذلك، سيتكرّر سيناريو "المنافسة" في حال انعقاد الجلسة الخميس، أي بين النائب ميشال معوض مرشح أحزاب المعارضة، و"الورقة البيضاء" التي لا تزال خيار "حزب الله" وحلفائه، في ظل عدم توافقهم على مرشح واحد يمثلهم.

والنائب ميشال معوض مرشح أحزاب المعارضة التي تضمّ "التقدمي الاشتراكي" (يرأسه وليد جنبلاط)، و"القوات اللبنانية" (يرأسه سمير جعجع)، و"الكتائب اللبنانية" (برئاسة النائب سامي الجميل)، مع ترجيح ارتفاع عدد الأصوات التي سيحصل عليها، في حال انضمام مستقلين إلى صفوفه، ليتخطى بالتالي رصيده الأول، أي 36 صوتاً، لكنه لن يتمكن من تأمين 86 صوتاً للفوز.

في المقابل، سيبرز مستجد في جلسة الغد، يتمثل بوضعية نواب التغيير، بعد انسحاب أحد أعضاء التكتل البرلماني، الذي كان يضمّ 13 نائباً، أي النائب ميشال دويهي، والخلافات العلنية الظاهرة في صفوفه، التي كانت تبرز أيضاً عند كل اجتماع يحصل عشية أي استحقاق، يتقدمها الآن الاستحقاق الرئاسي، بحيث إنهم ما كانوا يتوافقون على اسم واحد، ويترك قرارهم للحظة الأخيرة، كما حصل في الجلسة الأولى، عندما سُرِّب أكثر من اسمٍ مرشح، منهم وزير الداخلية الأسبق زياد بارود، والنائب السابق الدستوري صلاح حنين، إلى أن اعتمدوا في الجلسة تسمية سليم إدة، وسط تباينات ظهرت كذلك حول تبني ترشيح معوض، مع رفض بعض الأعضاء الاقتراع له باعتباره يمثل المنظومة السياسية.

ويعقد نواب تكتل التغييريين اليوم اجتماعات مفتوحة لتحديد مسار المرحلة المقبلة، خصوصاً بعد انسحاب دويهي، وخروجهم من عضوية اللجان النيابية، وكذلك موقفهم من جلسة الخميس. 

في السياق، يقول عضو كتلة "التنمية والتحرير" (يرأسها بري) النائب ميشال موسى، لـ"العربي الجديد": "لا تقارب حتى الساعة بين طروحات الكتل النيابية، وبالتالي، لن ينتخب رئيس للجمهورية يوم غد الخميس، علماً أن التواصل مستمرّ، لكن لم يطرأ أي جديد حول التسميات".

موسى: ليس المهم طرح الأسماء، الأهم تأمين النصاب أولاً لعقد الجلسة، وثانياً لانتخاب رئيس، والنصاب المطلوب يحتاج إلى توافق سياسي ومن الضروري أن يقوم كل طرف بخطوة إلى الأمام للوصول إلى قواسم مشتركة لعدم الوقوع في فراغ رئاسي".

ويؤكد موسى أن فريقه "ذاهب بالورقة البيضاء، وسيبقى على المسار نفسه لحين الوصول إلى حديث جدّي في الأسماء وغربلتها ليصار إلى اختيار مرشح بينها"، لافتاً إلى أن دعوة رئيس البرلمان لعقد جلسة، وإن كانت معروفة النتائج سلفاً، تأتي في إطار "التزام المهل الانتخابية، وفسحاً أيضاً في المجال أمام التواصل، علّه ينتج انتخاب رئيس".

وعن عدم تسمية "التنمية والتحرير"، وحكماً حلفائها، أي مرشح للرئاسة على غرار أحزاب المعارضة، يقول موسى: "ليس المهم طرح الأسماء، من السهل أن تفعل كل كتلة نيابية ذلك، لكن ماذا بعد؟ الأهم تأمين النصاب أولاً لعقد الجلسة، وثانياً لانتخاب رئيس، والنصاب المطلوب يحتاج إلى توافق سياسي، لذلك من الضروري أن يقوم كل طرف بخطوة إلى الأمام للوصول إلى قواسم مشتركة لعدم الوقوع في فراغ رئاسي".

وفي قراءته للحراك الدولي، يرى موسى أنه يصبّ في إطار الضغط لانتخاب رئيس ضمن المهلة الدستورية والإسراع بذلك قبل انتهاء ولاية الرئيس عون، تفادياً للفراغ، لكنه لا يصل إلى حدّ الدخول في أسماء وتقاطعات معينة، فهذا عمل الكتل النيابية اللبنانية. 

من جهته، يقول عضو تكتل "لبنان القوي" (يرأسه النائب جبران باسيل) إدغار طرابلسي، لـ"العربي الجديد"، إن نواب التكتل سيحضرون بعد مقاطعتهم الجلسة الماضية اعتراضاً على إقامتها في ذكرى 13 تشرين، لكنهم سيضعون ورقة بيضاء.

طرابلسي: حكومة تصريف الأعمال الحالية لا يمكنها تولي صلاحيات الرئيس في حال الفراغ الرئاسي، وهي فاقدة الشرعية والثقة النيابية، وسنواجه هذه الحكومة إن لم تشكل حكومة جديدة كاملة الصلاحيات، بكل الأدوات الدستورية.

ويشير طرابلسي إلى أن "هذا الخيار هو الأنسب في الوقت الحالي، طالما لم نستكمل بعد زياراتنا لكل الكتل النيابية في إطار تقديم ورقة التكتل للأولويات الرئاسية، إذ نحرص على محاورة جميع الفرقاء، والبحث في الآراء تمهيداً للاتفاق على شخصية لا تكون بمثابة رئيس تحدٍّ، وتعمل في إطار الرؤية التي تتلاقى مع ورقة الأولويات، سواء سياسياً أو اقتصادياً".

ويلفت طرابلسي إلى أن "الأجواء على مستوى اللقاءات إيجابية، وتكتل لبنان القوي سيكون حاضراً بقوة في الاستحقاق الرئاسي، وبطريقة فاعلة، وهو يعطي أولوية لانتخاب رئيس قبل نهاية ولاية الرئيس عون، من دون أن نهمل، في المقابل، ضرورة تشكيل حكومة جديدة، لأن حكومة تصريف الأعمال الحالية لا يمكنها تولي صلاحيات الرئيس في حال الفراغ الرئاسي، وهي فاقدة الشرعية والثقة النيابية، مؤكداً: "سنواجه هذه الحكومة إن لم تشكل حكومة جديدة كاملة الصلاحيات، بكل الأدوات الدستورية".

بدوره، يرى الكاتب السياسي جورج علم أن جلسة الغد تدخل في إطار الجلسات المفتوحة لانتخاب رئيس ضمن المهلة الدستورية، و"هذا عنوان يوظف لهذه المرحلة، ولكن تحته سلبيتان: الأولى تتمثل بعدم وجود تفاهم بين الكتل الوازنة على انتخاب رئيس، إذ لكل مربّع مرشحه، وكل كتلة لها مطالبها ومواصفاتها الرئاسية. أما الثانية، فترتبط بالمحيط الإقليمي والدولي المؤثر في الساحة اللبنانية، والذي قد يساعد في التوصل إلى تفاهم على شخصية الرئيس، لكن حتى الساعة يعاني من صراع وانقسامات على مستوى الكثير من ملفات المنطقة، ما يصعب التفاهم على الملف اللبناني".

علم: الرهان على الداخل اللبناني معدوم اليوم، لناحية انتخاب رئيس صنع في لبنان، لذلك يبقى معلقاً على الخارج، وبالتالي، فإن كل الاحتمالات واردة وعلينا الانتظار

لكن، في المقابل، يقول علم إن "المناخ الجديد الإيجابي المتصل بترسيم الحدود البحرية الجنوبية أعطى بعض التفاؤل بأجواء إيجابية، خصوصاً تبعاً للدور الكبير الذي لعبته دول معنية بالملف اللبناني، أبرزها فرنسا والولايات المتحدة الأميركية وإيران، التي باركت العملية من خلال موقف "حزب الله"، وكذلك دول خليجية، ما يترجم باهتمام خارجي بلبنان، وإن كان اقتصادياً".

تبعاً لذلك، يرى الكاتب السياسي اللبناني أن "المناخ هذا قد يترجم بالضغط على الطبقة السياسية لانتخاب رئيس يحفظ مكتسبات ترسيم الحدود، ويراعي الإصلاحات المطلوبة من قبل صندوق النقد الدولي والدول المانحة، على حد سواء، ليعود لبنان على الخريطة العربية، وتبدأ ورشة النهوض الاقتصادي".

ويشير علم إلى أن "الرهان على الداخل اللبناني معدوم اليوم، لناحية انتخاب رئيس صنع في لبنان، لذلك يبقى معلقاً على الخارج، وبالتالي، كل الاحتمالات واردة، وعلينا الانتظار".

أما على صعيد الأسماء، فلا يرى علم حظوظاً لمعوض، و"الأبرز اسم قائد الجيش العماد جوزاف عون، إذ يشكل مروحة واسعة إلى حدٍّ ما من التوافق، خصوصاً إذا ما أخذنا بأن اسم رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية (حليف حزب الله وحركة أمل) مرفوض من قبل فرقاء سياسيين لكونه مرشح تحدٍّ، وإذا صحّت المواقف التي تقول بوجود "فيتو" سعودي عليه".

كذلك لا يستبعد علم على الطريقة اللبنانية أن "تنزل أسماء جديدة فجأة لم تكن في الحسبان أو البحث، تكون ربما مقربة من صندوق النقد الدولي أو مؤسسات دولية، يدفع بها الخارج، لتأمين مصالحه في لبنان، وقد سرب كثيراً اسم المصرفي اللبناني العالمي سمير عساف، الذي قيل إنه قدم إلى لبنان منذ فترة قصيرة، كمرشح رئاسي مدعوم من فرنسا".

جولات السفير السعودي: تأكيد مرجعية الطائف

بحسب بيان صادر عن رئاسة مجلس الوزراء، استقبل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي سفير المملكة العربية السعودية وليد بخاري، صباح اليوم الأربعاء، وجرى خلال اللقاء "تأكيد مرجعية اتفاق الطائف الذي انبثق منه الدستور اللبناني في رعاية الواقع اللبناني والعلاقات الوطيدة بين مختلف المكونات اللبنانية"، بحسب ما ذكر بيان صادر.

وتبرز أخيراً جولات السفير السعودي على المسؤولين اللبنانيين، حاملاً فيها راية الحفاظ على اتفاق الطائف، واضعاً مسلَّمات في البيان المشترك السعودي الفرنسي الأميركي حول لبنان، والمواصفات الرئاسية، وقد رُبطت حركته التي التقى معها إعلاميون يوم أمس، بإطاحة عشاء السفارة السويسرية الذي كان مقرراً، الثلاثاء، والذي شنت حملات بوجهه من بوابة أنه يهدف إلى تغيير النظام، وضمنه الطائف، مع نفي السفارة السويسرية ذلك، واضعة دعوة منظمة "هيومن ديالوغ" السويسرية الشخصيات السياسية والنيابية في إطار المناقشات التشاورية، التي لا علاقة لها بأي مؤتمر حواري.

وبعد اللقاء الإعلامي الذي عقده السفير بخاري، كان قد بدأ يتردد حديث عن عقد مؤتمر سعودي لأجل لبنان، في ذكرى توقيع اتفاق الطائف (22 أكتوبر/ تشرين الأول 1989).

المساهمون