البرلمان التونسي يواصل أعماله منقوصاً.. وتأخر إجراء انتخابات مجلس الجهات

17 يوليو 2023
البرلمان التونسي يمارس أعماله منذ 4 أشهر رغم نقص 8 نواب (ياسين غيدي/الأناضول)
+ الخط -

يواصل البرلمان التونسي العمل منقوصاً منذ أربعة أشهر بدون بوادر جدية لاستكمال تركيبته، ولم يتضح بعد أفق انتخاب مجلس الجهات والأقاليم (الغرفة التشريعية الثانية).

ويعمل البرلمان منذ 13 مارس/آذار الماضي منقوصاً من ثمانية نواب، حيث لم تجر انتخابات في سبع دوائر في الخارج، بسبب عدم قدرة المترشحين على جمع 400 تزكية من الناخبين التونسيين المقيمين في المهجر، بالإضافة إلى سجن نائب منذ أربعة أشهر، فيما لم يبادر مكتب البرلمان بطرح الموضوع أو معاينة الشغور، غير مكترث لبقاء مواطني ثماني دوائر انتخابية دون تمثيل.

ورجّح رئيس هيئة الانتخابات، فاروق بوعسكر، أن "يكون موعد الانتخابات المحلية مع نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول أو بداية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبلين".

وقال بوعسكر، في حوار أدلى به لوكالة الأنباء الرسمية، السبت الماضي، إن "هيئة الانتخابات تتم استعدادها لهذا الموعد، وتنتظر نشر جميع قرارات التقسيم الترابي للعمادات التابعة للولايات الـ 24 بالرائد الرسمي (تقسيم جديد للدوائر الانتخابية)، لتنطلق في عملية تحيين السجل الانتخابي المتعلق بهذه الانتخابات المحلية".

وتعتبر هذه الخطوة تمهيداً لإنجاز الانتخابات المحلية في أكثر من 2155 دائرة انتخابية محلية (عمادة)، وذلك استعداداً لانتخابات مجلس الجهات والأقاليم (الغرفة التشريعية الثانية في الدستور)، والتي لم يجر تحديد موعدها بعد.

"آخر اهتمامات التونسيين"

ورجح القيادي عن حزب النهضة المقيم في المهجر والبرلماني السابق عن دائرة ألمانيا، موسى بن أحمد، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "آخر اهتمامات التونسيين بالخارج اليوم هي الانتخابات والشأن التونسي مع حكم قيس سعيد، فأفراد الجالية التونسية بالخارج كانوا مستائين قبل الانقلاب من الحكومات المتعاقبة، والآن أصبحوا أكثر يأساً ممن يحكم البلد، ولذلك هم غير مستعدين للمشاركة في أي مهزلة انتخابية".

وقال بن أحمد: "لا أظن أن نظام قيس سعيد حريص على إجراء انتخابات لتمثيل الخارج في برلمانه الجديد"، مضيفاً "إنها ديكتاتورية رجل لا علاقة له بتسيير الدولة ولا بتدبير أمور العباد، لا يهمه شرعية برلمان صوري وناقص العدد، وهذا يسمى برلماناً فقط عند سعيد وجماعته، وفي حقيقة الأمر هم مجموعة من نواب موظفين عند الرئاسة يأتمرون بأمره ويتقاضون أجورهم"، بحسب تعبيره.

وتابع القيادي عن حزب النهضة: "الشيء نفسه بالنسبة لمجلس الجهات، ربما لن يُنتخب إلا نهاية هذه السنة، ولن يلتئم رسمياً إلا في عام 2024، هذا إذا أجريت انتخابات أصلاً"، مضيفاً "أما عن المحكمة الدستورية فحدث ولا حرج. لن يعيّنها سعيد إلا بعد أن يجد قضاة موالين له يؤدون القسم أمامه، يكون ولاؤهم له وليس للوطن"، حسب تعبيره.

من جهتها، أكدت المتحدثة باسم حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري، مريم الفرشيشي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "التعثر في انتخاب المؤسسات وسد الشغور في البرلمان ناتج عن أمرين أساسيين، أولاً أن تصور البناء القاعدي الذي أتى به قيس سعيد لم يكن تصوراً ناضجاً ولا مكتملاً، ولذلك وجد نفسه أمام تناقضات ونقاط استفهام صعُب عليه تجاوزها وتجربتها".

وتابعت الفرشيشي: "كما يعود الأمر إلى انشغال السلطة القائمة بمختلف الملفات المطروحة اليوم، وكلها ملفات حارقة تستوجب المعالجة الجذرية، ويتوقف على بعضها مدى رضا الناس عن سعيد، وحظوظه للاستمرار في السلطة".

وقالت المتحدثة باسم حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري: "قبل الحديث عن مجلس الجهات والأقاليم، لنا أن نتساءل "أين المحكمة الدستورية؟"، وهي التي تركيبتها معلومة بالاسم ولا تنتظر سوى أمر رئاسي لتدخل حيز الواقع". وأضافت: "كما لنا أن نتساءل: "لماذا لا يزال المجلس الأعلى للقضاء مجلساً مؤقتاً؟"، مشددة على أنه "أمام هذه الإخلالات يصبح غياب مجلس الأقاليم والجهات وضعية لا تستدعي الاستغراب".

وأكدت الفرشيشي أن "كل هذا يأتي في السياق نفسه الذي سبق ذكره، وملخصه أن السلطة القائمة أتت بتصور طوباوي يفتقد العمق في الطرح والجدوى، وفي الآن ذاته وجدت نفسها محاصرة بكم من التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي عجزت عن التعاطي معها، كل هذا في مرحلة تتسم فيها السلطة القائمة بالمركزية المطلقة في اتخاذ القرار، بل تجاوزت المركزية إلى حالة التفرد بالرأي والسير بخطا حلزونية في معالجة الملفات، ولكن مصيرها تأجيل النظر والتسويف، وهي بين يدي سلطة عاجزة عن اتخاذ القرار، وفي كثير من الأحيان تنكر الواقع والأسباب والمسببات".

"استكمال مؤسسات الجمهورية الثالثة"

بدوره، اعتبر المتحدث الرسمي باسم حركة الشعب، الممثلة في البرلمان والمساندة لسعيد، أسامة عويدات، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "استكمال تركيز المحكمة الدستورية هو الأكثر إلحاحاً بالنسبة لنا في حركة الشعب، نعتبره أولوية لاستكمال تركيز مؤسسات الجمهورية، وقد أكدنا ذلك على مستوى مجلس نواب الشعب، نظراً لأهميته في النظر بدستورية مشاريع القوانين التي ينظر فيها مجلس النواب، والتي صادق عليها، حتى نمر لعملية تشريعية سليمة لا تشوبها شائبة، وبقراءة دستورية سليمة للدستور الجديد، وطالبنا مراراً رئيس الجمهورية بإرسال قانون المحكمة الدستورية إلى البرلمان حتى تجري المصادقة عليه".

وأكد عويدات أنه "من الضروري استكمال مؤسسات الجمهورية الثالثة باعتبار أنه أصبح لدينا دستور ونظام حكم سياسي جديدان يقطعان مع النظام السابق، وبالتالي يجب استكمال المؤسسات حتى لا نقع في حالات فراغ، لأن حالات الفراغ تذهب بكل العملية إلى الإرباك، ما يجعل عملية التشكيك في المسار سهلة، وبالتالي عملية نسف الجمهورية الجديدة ستكون أسهل في غياب المؤسسات الدستورية".

وأضاف أن "حركة الشعب تؤكد أولوية الذهاب نحو تركيز الغرفة التشريعية الثانية، مجلس الجهات والأقاليم، لأنه بذلك يمكن المصادقة على القوانين المالية، ودفع عملية التنمية بعشرات المشاريع في الجهات التي تنتظر".

وحول الشغور في البرلمان، بيّن عويدات أن "النقص الحاصل في البرلمان يصعّب العملية، باعتبار وجود جهات غير ممثلة في مجلس الشعب، ما يصعب على مواطني هذه الدوائر والجهات التعبير عن مشاكلهم وهمومهم في غياب ممثليهم بالبرلمان، وكأن العملية التمثيلية منقوصة".

وشدد المتحدث ذاته على "ضرورة تحمل هيئة الانتخابات مسؤولياتها، بالإعلان عن انتخابات جزئية في المناطق التي تعرف شغوراً، حتى يكون التونسيون في كل مكان ممثلين تحت قبة مجلس نواب الشعب".