يشرع البرلمان التونسي، اليوم الثلاثاء، بمناقشة مشروع قانون يتعلق بزجر الاعتداء على القوات المسلحة، الذي يقبع في رفوف مجلس الشعب منذ 2015، بسبب الرفض الواسع للمنظمات والجمعيات الحقوقية التي تصفه بالتشريع لثقافة الإفلات من العقاب ومنح الأمنيين حصانة مطلقة.
ويرزح البرلمان التونسي منذ الدورة السابقة بين مطرقة نقابات وحدات الأمن والدرك والجمارك التي تطالب بإلحاح بتمرير هذا القانون لتعزيز قدرتها على تطبيق القانون لحفظ النظام العام ومحاربة الإرهاب، وبين سندان المنظمات الحقوقية والجمعيات المدنية التي تشن حملة معاكسة لرفض هذا القانون والحيلولة دون تمريره.
وأكد الوزير المكلف بحقوق الإنسان والعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني السابق، الحقوقي العياشي الهمامي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه ضد هذا القانون، لافتاً إلى أنّ "التشريع التونسي يحمي الأمنيين، فلا جدوى من صياغة قوانين استثنائية لكل قطاع وإلا سيُطالب كل سلك بقانون استثنائي". وشدد الهمامي على أنّ "حماية الأمنيين مكفولة في أحكام المجلة الجزائية وفي قانون مكافحة الإرهاب".
ويُنتظر أن يُعرض القانون على الجلسة العامة البرلمانية التي تمتد بداية من اليوم الثلاثاء وحتى الخميس المقبل، إذ تحتاج المصادقة على هذا القانون إلى تصويت 109 نواب على الأقل (من أصل 217)، وفي ظل توفر أغلبية برلمانية جديدة يمكن تمرير القانون بيسر. وصادقت لجنة التشريع العام على المشروع في صيغته المعدلة، وأوصت الجلسات العامة بالموافقة عليه بعد التعديلات.
وأكدت رئيسة لجنة التشريع العام، القيادية في حزب "التيار الديمقراطي" سامية عبو، في تصريح صحافي، أنه تمّ إدخال تعديلات أساسية على مشروع القانون، الذي يضم 18 فصلاً، لتصبح فلسفة مشروع هذا النص القانوني قائمة على حماية الأمنيين، دون انتهاك الحقوق والحرّيات الفردية والعامة ودون السّماح بالتجاوزات من طرف سلك الأمن.
وتتمسك العديد من المنظمات الحقوقية بسحب القانون فوراً من البرلمان ورفضه جملة وتفصيلاً، نظراً لما يتضمّنه من تجاوزات وخروقات شديدة لحقوق الإنسان، فضلاً عن عدم دستوريته وخطورته وتهديده للديمقراطية التونسية، وما تحقّق من حريات بعد الثورة، بحسب بيانات المنظمات الحقوقية.
وقالت نائبة رئيس "الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان" أميمة جبنون، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "الرابطة سبق أن عبّرت عن رفضها لهذا المشروع منذ إحالته للبرلمان في 2015، وما زالت ترفض المشروع وتدعو لإسقاطه".
وأبرزت جبنون أنّ "مشروع القانون يتعارض مع روح الدستور الذي أسس لمفهوم الأمن الجمهوري ونصّ على المساواة بين المواطنين وضمن الحقوق والحريات".
وعلاوة عن ذلك، ذكّرت جبنون بأنّ "القوات الحاملة للسلاح تحظى بحماية قانونية بموجب عدة نصوص تشريعية سابقة، وليست بحاجة لنص جديد يفردها بحصانة قانونية ضد كل الأخطاء والاختلالات".
وبيّنت أنّ "هذا المشروع يُعد تكريساًً لمبدأ الإفلات من العقاب من قبل السلطة التشريعية، لذلك أبدى المجتمع المدني، وفي مقدمته الرابطة، رفضاً قاطعاً لهذا المشروع بكافة صيغه".
وتدين "الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان"، في هذا الصدد، وضع البرلمان لجدول أعمال خلال هذه الفترة يتضمن مناقشة كل المشاريع السالبة للحرية على غرار هذا المشروع ومشروع قانون الطوارئ. ودعت جبنون البرلمانيين إلى "الاستفاقة والانتباه لهذا النهج الذي توخاه، المبني على العنف وعلى التأسيس لخنق الحريات والتضييق عليها".
وفي السياق، طالبت منظمة "العفو" الدولية البرلمان برفض مشروع قانون زجر الاعتداء على القوات المسلحة، معتبرة أنّ هذا المشروع من شأنه أن يعزز إفلات قوات الأمن من العقاب، ويحميها من أي مسؤولية جنائية عن استخدام القوة المميتة لحماية المنشآت الأمنية.
وقالت نائبة المديرة الإقليمية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة "العفو" الدولية آمنة القلالي، في تصريح صحافي، إنه "على الرغم من التعديلات الإيجابية على مشروع القانون المقترح التي أزالت الانتهاكات المروعة على الحق في حرية التعبير والوصول إلى المعلومات، التي كانت موجودة في المسودات السابقة، لا يزال مشروع القانون يحتوي على أحكام من شأنها أن تعيق المساءلة عن الانتهاكات الجسمية لحقوق الإنسان".
#تونس: يجب على أعضاء البرلمان التونسي رفض مشروع قانون من شأنه أن يعزز إفلات قوات الأمن من العقاب ويحميها من أي مسؤولية جنائية عن استخدام القوة المميتة لحماية المنشآت الأمنية؛ وذلك قبل مناقشة برلمانية حول مشروع القانون المتوقع إجراؤها غدا 6 أكتوبر.https://t.co/QoZpWBlVkv
— منظمة العفو الدولية (@AmnestyAR) October 5, 2020
وبينت القلالي أنّ "قوات الأمن التونسية تمتعت منذ فترة طويلة بالإفلات من العقاب على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، مثل الاستخدام المفرط للقوة ضد المحتجين السلميين في تطاوين، في يونيو/ حزيران الماضي، والتدخلات الأمنية التي أدت إلى وفاة عمر العبيدي، وأيمن عثماني، في 2018"، حسب قولها.