تبنى مكتب البرلمان التونسي، مساء أمس الخميس، مقترحاً لتعديل المجلة الجزائية يتعلّق بـ"زجر الاعتراف والتعامل مع الكيان الصهيوني"، عوضاً عن مقترح قانون تجريم التطبيع مع إسرائيل، الذي كان مبرمجاً لجلسة الاثنين المقبل.
وأكد النواب، في وثيقة شرح أسباب المقترح الجديد، أن هذا الخيار أكثر تقارباً مع "مفهوم الخيانة العظمى"، باعتبارها "جوهر مفهوم المجلة الجزائية"، كما يهدف إلى "إكساء قدر عال من الانسجام بين الموقفين الرسمي والشعبي للدولة، حتى يكون مقترح التنقيح أكثر مقبولية ومعقولية"، لكن من دون أن تتضمن وثيقة المقترح أي بند بنص صريح يربط بين الاعتراف بإسرائيل والخيانة العظمى.
وأصدر البرلمان التونسي بياناً رسمياً، قال فيه إنه "على أثر إحالة مكتب المجلس لمقترح قانون يتعلّق بإتمام بعض أحكام المجلة الجزائية عدد 18/2024 إلى لجنة التشريع العام، وتبعاً لتعلّق هذه المبادرة التشريعية باقتراح إضافة فقرة سادسة جديدة إلى الفصل 61 من المجلة الجزائية تهدف إلى زجر الاعتراف والتعامل مع الكيان الصهيوني، فإنّ المكتب قرّر تأجيل موعد استئناف الجلسة العامة المبرمجة سلفاً ليوم 26 فبراير/شباط 2024، وذلك إلى حين رفع اللجنة المختصة تقريرها".
ووقع نحو 82 نائباً من كتل مختلفة المقترح الجديد الذي قدّم يوم أمس، ليعوض مشروع قانون تجريم التطبيع المقدّم من كتلة الخط الوطني السيادي.
ويتضمن المقترح بنداً وحيداً، ينصّ على إضافة فقرة سادسة إلى الفصل 61 من المجلة الجزائية تحت عنوان "زجر الاعتراف والتعامل مع الكيان الصهيوني"، تنص على أنه "يعد مرتكباً لجريمة الاعتراف والتعامل مع الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين وأراض عربية أخرى كل شخص تونسي الجنسية زمن اقتراف الفعل تعمد إقامة أو التوسط في إقامة علاقة مباشرة مع أي ذات طبيعية، أو معنوية، أو أي هيئة، أو مؤسسة حكومية، أو غير حكومية، أو أي منظمة، أو جمعية، أو تنظيم ينتمي إلى الكيان الصهيوني. (..)".
ولم يكشف بلاغ البرلمان مصير مقترح قانون "تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني"، الذي صادقت الجلسة العامة، في نوفمبر/ تشرين الثاني، على عنوانه والفصلين الأولين منه، من جملة 4 فصول، قبل أن يقرر رئيس البرلمان إبراهيم بودربالة تعليق الجلسة، معلناً للبرلمانيين أنّ "الرئيس (قيس) سعيّد أعلمه أنّ القانون سيمسّ بأمن تونس... وأنه محل مزايدات انتخابية"، مشيراً إلى أنّ "رئيس الجمهورية يرفض التطبيع انطلاقاً من المسألة الأخلاقية والسياسية...".
وأثار تأجيل قانون تجريم التطبيع انقساماً حاداً واحتجاجاً من قبل البرلمانيين في تونس، واختلافاً حول تأويل موقف الرئيس قيس سعيّد من القانون.
من جانبه، أكد سعيّد، في كلمة نقلها التلفزيون الرسمي في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني العام الماضي، أنّ "الموقف التونسي من التطبيع ثابت برفضه، ولا توجد في قاموسي كلمة تطبيع، والتفكير بهذه الطريقة تعبير عن الانهزامية، ولا يمكن أن يكون فكر المقاوم والفدائي بهذا الشكل". وأكد سعيّد أنه "يمكن الاستئناس بالفصل 60 من المجلة الجزائية في إعداد قانون لتجريم التعامل مع الكيان الصهيوني".
ويصف الفصل 60 مرتكب هذه الجريمة من قبيل الاعتداءات على أمن الدولة الخارجي، ويعد مرتكبها خائناً ويعاقب بالإعدام.
تأجيل مقترح التطبيع لتضمين الخيانة العظمى؟
وقال نائب رئيس كتلة الأحرار وعضو لجنة التشريع العام التي ستنظر في المقترح الجديد يوسف التومي، في تصريح لـ"العربي الجديد": "أردنا تضمين الخيانة العظمى بتنقيح الفصل 61 من المجلة الجزائية، وتوجه هذه التهم لكل من تعامل مع الكيان الصهيوني، حيث يعتبر ذلك خيانة عظمى، بينما مقترح قانون تجريم التطبيع لا يحتوي على هذا التنصيص بل جاء ببنود عامة".
وأضاف التومي أن "المقترح الجديد يدعمه 82 نائباً، أي أنه يحظى بمقبولية لتمريره، حيث تحتاج المصادقة عليه تصويت 81 نائباً من 161 عضواً (أغلبية مطلقة)". وأوضح أنه "جرى تأجيل جلسة 26 فبراير التي كانت معدة لمناقشة قانون تجريم التطبيع حتى يُناقَش المقترح الجديد في لجنة التشريع العام".
التومي: جرى تأجيل جلسة 26 فبراير التي كانت معدة لمناقشة قانون تجريم التطبيع حتى يتم مناقشة المقترح الجديد
وبين أنّ "هذا المقترح منسجم وفي نفس الإطار العام مع طرح رئيس الجمهورية الذي يعتبر التطبيع خيانة عظمى، ولكن الرئيس تعرّض إلى البند 60 من المجلة الجزائية، غير أنّ مقترح البرلمان يخص تعديل البند 61 من نفس المجلة".
وأفاد التومي بأنّ "المقترح يعتبر الاعتراف والتعامل مع إسرائيل من قبيل الاعتداء على أمن الدولة الخارجي، وينص على عقوبات وقت الحرب ووقت السلم، في حين الطرح الذي تحدث عنه رئيس الجمهورية يتحدث عن جزاء الخيانة العظمى عقوبة الإعدام، وهي عقوبة لا تنفذ في تونس احتراماً لمعاهدات حقوق الإنسان".
وحول مصير قانون تجريم التطبيع، أكد أنه "لن يمرّ وسيسقط، وسيعوّضه هذا المقترح"، مشيراً إلى أنّ "لجنة التشريع العام ستنطلق في مناقشته قريباً وسيعرض على مصادقة الجلسة العامة".
وحول أولوية النظر إلى مشاريع السلطة التنفيذية حسب الدستور، بيّن التومي أنه "سيجرى التعرض لمناقشة مقترحات النواب أيضاً في أقرب وقت".
وأشار إلى أنّ "لجنة التشريع العام ستوجه دعوات إلى المؤسسات المعنية بهذا المقترح الذي يهم الأمن القومي، على غرار رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية ووزارة العدل والمجلس المؤقت للقضاء..".
وحول إمكانية أن تطول النقاشات والاستماعات، بيّن أنه "ليس بالضرورة أن تطول، باعتبار أن هناك جلسة عامة في 26 فبراير مؤجلة في انتظار استكمال اللجنة عملها، وبالتالي ستكون المصادقة قريباً".
بن خليفة: المشكل ليس في العنوان
من جهته، قال عضو تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين والحملة التونسية للمقاطعة ومناهضة التطبيع غسان بن خليفة، في تصريح لـ"العربي الجديد": "لسنا مُفاجئين من موقف رئيس البرلمان ومن يسانده، فمن الواضح أنهم لا يرغبون في تمرير قانون تجريم التطبيع، وذلك عبر تعليق الجلسة والتأجيل والمماطلة والتسويف حتى تنتهي الحرب في غزة ويفقد الشعب حماسه واهتمامه".
واستغرب بن خليفة من أن "ينتظر النواب قبل يومين من جلسة استئناف جلسة المصادقة على قانون تجريم التطبيع ويُطرح المقترح الجديد الذي كان ممكنا تقديمه منذ مدة"، معتبراً أن ما جرى "لا يؤشر بخير ولا بجدية".
وشدد على أن "هذا يزيد من إحباطنا من البرلمان ويزيد من توجسنا ومن مؤشرات أن الدولة، بسلطتيها التنفيذية والتشريعية، لا ترغب في تجريم التطبيع، بل ترفع شعارات فقط حول القضية الفلسطينية ولا تفعل شيئا لإسناد المقاومة الفلسطينية وأهلنا في غزة".
وقال بن خليفة: "إننا في الحملة نشدد على مطلبنا ومطلب التونسيين سن قانون يجرم كافة أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، فليس الإشكال في أن يكون في المجلة الجزائية أو قانوناً منفرداً، بقدر تمسكنا بنص قانوني واضح يجرم كل أشكاله الاقتصادية والسياسية والإعلامية والثقافية والأكاديمية... وكل مجالات التعامل، فالمشكل ليس في العنوان، بل في المضمون الذي يجب أن يكون شاملا ووافيا ومن دون ثغرات".
في المقابل، اعتبر رئيس الهيئة الوطنية في تونس لدعم المقاومة ومناهضة التطبيع أحمد الكحلاوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "هذه الخطوة إيجابية ومرحب بها، فالمطلوب هو معاقبة كل من يعترف ويتعامل مع إسرائيل، وتونس ستصبح بلداً من البلدان التي تعاقب كل من يمد يده للكيان الصهيوني".
وقال: "أعتقد أن هذا الفصل سيضع حداً لكل من يتعامل مع الكيان الصهيوني"، مبينا أن "المعنى هو نفسه، حتى بالتخلي عن عنوان تجريم التطبيع، فالمهم هو معاقبة كل من يعترف ويتعامل مع إسرائيل"، حسب تعبيره.