في ظل استمرار الفشل في اختيار أعضاء المحكمة الدستورية في تونس منذ ما يزيد على 7 سنوات، بعد المصادقة على دستور الثورة في 2014، وعجز مجلس النواب، خلال ولايته الماضية وحتى في الحالية، في إتمام مهمته بانتخاب 4 أعضاء في المحكمة، يبدو أن المجلس يتجه لحسم هذا الملف، بعد أن تيقن البرلمانيون من قرار رئيس الجمهورية قيس سعيّد تجميد قانون المحكمة، الذي كانت تعديلاته بمثابة الحل لتجاوز عقبة إنشائها.
وأقر مجلس النواب جلسة انتخابية عامة، في 8 يوليو/تموز المقبل، لانتخاب 3 أعضاء من أربعة في المحكمة، يوجب الدستور على البرلمان انتخابهم. وإذا نجح المجلس في هذه المهمة يشرع المجلس الأعلى للقضاء في اختيار 4 أعضاء، ثم يعيّن الرئيس سعيّد 4 آخرين، لتكتمل المحكمة الدستورية المؤلفة من 12 عضواً، لم يتم سوى انتخاب عضو وحيد فقط، وهي القاضية روضة الورسيغني.
هناء بن عبدة: يبدو أن هناك توافقات بما يمكّن من بلوغ التصويت بالثلثين
وبانقضاء آجال الطعن والرد والنشر من دون أن يُصدر سعيّد تعديلات قانون المحكمة الدستورية، التي صادق البرلمان عليها في مناسبتين بأغلبية مريحة قاربت الثلثين، لم يتبق من حلول سوى العودة إلى الانتخاب على أساس القانون القديم. ويبدو أن مجلس النواب قد عقد العزم هذه المرة على تجاوز تعطيل المحكمة الدستورية. فبعد نجاح رؤساء الكتل والمجموعات في التوافق حول هيئة الوقاية من التعذيب، والتوصل لانتخاب 8 أعضاء دفعة واحدة، استعاد البرلمان المبادرة والأمل في الوصول إلى نتيجة إيجابية.
وعن ذلك، قالت أستاذة القانون الدستوري هناء بن عبدة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه "باعتبار أن رئيس الجمهورية لم يختم تعديل قانون المحكمة الدستورية إلى حد الآن، فإننا نطبّق القانون الأصلي لسنة 2015، وبالتالي فالأغلبية المطلوبة للتصويت والانتخاب هي 145 صوتاً من 217، وليس 131 كما أقرتها التعديلات". وأضافت أنه بحسب المؤشرات وما صدر عن اجتماع المكتب ورؤساء الكتل، يبدو أن هناك توافقات بما يمكّن من بلوغ التصويت بالثلثين، أي 145 صوتاً، وتمرير الأعضاء الثلاثة المتبقّين من نصيب المجلس. وتابعت "الأمر اليوم رهن التوافقات داخل المجلس، وهل سيتم فعلاً جمع المواقف للتصويت يوم الجلسة الانتخابية أم لا؟".
وأعربت بن عبدة عن أسفها "لعدم ترشيح الكتل البرلمانية شخصيات لعضوية المحكمة الدستورية من بين المختصين في القانون العام أو القانون الدستوري، وهو أمر غير طبيعي"، معربة عن أملها أن يتم تدارك ذلك من قبل المجلس الأعلى للقضاء ورئيس الجمهورية، بتعيين مختصين في القانون الدستوري وعلوم التأويل وفلسفة القانون، وهي المواد المعتمدة في عمل المحكمة الدستورية، بحسب توصيفها. وأكدت أن "القانون يفترض أن تتوفر في المرشحين النزاهة والخبرة والاستقلالية والكفاءة"، مشيرة إلى أن البرلمان يتحمل مسؤولية احترام هذه المعايير، باعتبار أن الجهة المرشحة هي نفسها من تنتخب الأعضاء.
وتعد المحكمة الدستورية أعلى هيئة قضائية دستورية، مهمتها الفصل والتحكيم في تأويل الدستور، وفضّ تنازع الاختصاصات بين السلطات، وهي مؤسسة أحدثها دستور الثورة، إذ لم تكن موجودة قبل 2011. وتحوّلت المحكمة من أداة لحل الأزمات إلى جزء من مشكلة الحكم في تونس، بسبب تصاعد الخلاف الدائر بين المجلس التشريعي ورئيس الجمهورية ورئيس الحكومة منذ أشهر.
وعمّقت تصريحات البرلمانيين في ائتلاف الحكم من جهة، وسعيّد من جهة أخرى، من تعطيل المحكمة الدستورية، خصوصاً بإعلان عدد من قيادات "قلب تونس" و"ائتلاف الكرامة" أنه يجب القطع مع انفراد الرئيس بتأويل الدستور والتحكيم في النقاط الخلافية، فيما ذهب آخرون إلى أن سعيّد ارتكب أخطاء جسيمة تستوجب عزله، ولا يمكن ذلك إلا في وجود محكمة دستورية.
منى كريم: جمع توافق عريض لحشد تصويت مريح بثلثي الأعضاء يعد مهمة جسيمة
واعتبرت أستاذة القانون الدستوري وخبيرة الشأن البرلماني منى كريم، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "مهمة البرلمان ليست بالسهلة، ويحتاج تجميع الثلثين، والتصويت بـ145 صوتاً، توافقاً بين خمس كتل على الأقل، والالتزام بالحضور في جلسة الاقتراع المباشر والسري في صناديق اقتراع تحت قبة البرلمان". وبينت كريم أن هذا التوجّه "يفرض تصويت خمس كتل على مرشحي 3 كتل، بما يعني تنازل كتلتين أو أكثر عن مرشحيهم، وهذا المسار يقتضي الابتعاد عن المحاصصة". وأكدت أن "تعبيد الطريق إلى الجلسة العامة، وجمع توافق عريض لحشد تصويت مريح بثلثي الأعضاء، يعد مهمة جسيمة، حتى وإن كانت الإرادة السياسية مجتمعة على سحب احتكار التأويل الدستوري من الرئاسة". وأضافت أن "الائتلاف البرلماني نجح في اختبارات احتاجت جمع ثلثي الأصوات، على غرار التصويت على رد قانون المحكمة الدستورية، أو عند التصويت على عدد من أعضاء الحكومة وفي انتخاب هيئة الوقاية من التعذيب، ولكن تبقى للمحكمة الدستورية خصوصيتها".