الانتخابات المصرية: سيناريو تزوير برلمان 2010 يلوح في الأفق

05 نوفمبر 2020
رفضت الهيئة الوطنية تظلمات على الانتخابات (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

"ما حدث في المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب الجارية هو تزوير فج، ولا يضاهيه سوى عمليات التزوير الواسعة في انتخابات مجلس الشعب السابق عام 2010"، هكذا تحدث نائب في البرلمان المصري، بعد أن خسر مقعده في إحدى دوائر محافظة الجيزة من الجولة الأولى، على الرغم مما يحظى به من شعبية في الشارع. وقال عضو البرلمان الخاسر، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الهيئة الوطنية للانتخابات باركت عملية تزوير المرحلة الأولى للانتخابات النيابية (التي أجريت بين 21 و23 أكتوبر/تشرين الأول الماضي في الخارج، و24 و25 أكتوبر في الداخل)، إثر إعلانها عن النتائج النهائية عقب أسبوع من إغلاق باب التصويت، من دون أن تكشف عن عدد الأصوات الصحيحة التي حصل عليها كل مرشح، حتى يطابقها بالأرقام الواردة في محاضر الفرز في اللجان الفرعية.

وأضاف النائب، الذي تحفظ عن ذكر اسمه، أن عدداً كبيراً من أعضاء البرلمان الحالي خسروا مقاعدهم أمام مرشحي حزب "مستقبل وطن"، نتيجة التلاعب في نتائج الانتخابات لصالحهم، وإضافة اللجان العامة (معنية بجمع نتائج اللجان الفرعية) عشرات الآلاف من "الأصوات الوهمية" إلى مرشحي الحزب في كل دائرة، لإعلان فوزهم من الجولة الأولى، بالمخالفة لما تم رصده من نتائج في اللجان الفرعية. وتابع أن امتناع الهيئة الوطنية للانتخابات عن إعلان النتائج التفصيلية للانتخابات، متضمنة ما حصل عليه كل مرشح من أصوات صحيحة سواء في الداخل أو الخارج، ليس له تفسير سوى أن الهيئة "متواطئة" مع حزب "مستقبل وطن"، وتتلقى تعليمات من أجهزة في الدولة للتلاعب في النتائج، على خلاف ما يروج من أنها "هيئة قضائية مستقلة".

اتهامات للجنة العامة بإضافة أصوات لمرشحي حزب مستقبل وطن
 

في السياق نفسه، كشف مصدر قضائي لـ"العربي الجديد"، أن العديد من القضاة المشرفين على اللجان الفرعية فوجئوا في صباح اليوم الثاني للتصويت بإبعادهم عن الإشراف على العملية الانتخابية، واستبدالهم بآخرين من القضاة الاحتياطيين بحجة إراحتهم، وهو أمر غير مسبوق في أي انتخابات تخضع للإشراف القضائي، باعتبار أن القاضي هو المسؤول عن عملية التصويت ثم الفرز داخل اللجنة الفرعية إلى حين تحرير محضر بنتائجها. وأضاف أنه "لا يجوز استبدال القاضي خلال عملية التصويت التي جرت على مدار يومين، إلا في حالة مطالبته بذلك نتيجة تعرضه لظرف طارئ، ولكن ما حدث هو استبعاد أغلب القضاة المنتمين إلى مجلس الدولة، واستبدالهم بآخرين من هيئة قضايا الدولة، من دون إبداء أسباب"، مستطرداً بأن "رؤساء اللجان العامة في المحافظات منعوا جميع مندوبي المرشحين من حضور عملية جمع الأصوات، على الرغم من حملهم تصاريح معتمدة من الهيئة".

ورفضت الهيئة الوطنية للانتخابات نحو 248 تظلماً على نتائج دوائر الانتخاب المختلفة في المرحلة الأولى، بزعم أن ما رصدته من شكاوى للمرشحين "لم يكن مؤثراً على سير العملية الانتخابية أو نتائجها"، وهو ما يعزز من شكوك تورط الهيئة في تزوير نتائج الانتخابات، ومخالفتها للقانون بعدم تسليم المرشحين صورة رسمية من النتائج عن كل دائرة، والاكتفاء بإعلان اسم الفائزين من دون تفاصيل. في السياق، أفاد أحد مندوبي المرشحين الخاسرين عن دائرة أطفيح في محافظة الجيزة، بأنهم "فوجئوا بزيادة عدد المشاركين في الانتخابات بالدائرة، عما رصدوه في اللجان الفرعية بنحو 250 في المائة، ما يعني تورط اللجنة العامة في إضافة الكثير من الأصوات الوهمية لصالح مرشح حزب مستقبل وطن، الذي أعلن فوزه من الجولة الأولى، وكذلك لمصلحة القائمة الوطنية التي يقودها الحزب، والفائزة بجميع مقاعد القوائم المغلقة".

وأعلن رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات، لاشين إبراهيم، فوز "القائمة الوطنية" المدعومة من النظام الحاكم، بجميع مقاعد دائرة قطاع شمال ووسط وجنوب الصعيد (100 مقعد)، ودائرة قطاع غرب الدلتا (42 مقعداً)، بدعوى حصولها على النسبة المطلقة من عدد الأصوات الصحيحة، رافضاً الكشف عن عدد الأصوات الصحيحة التي حصلت عليها القائمة، أو القائمة المنافسة لها، وتحمل اسم "تحالف نداء مصر"، في مخالفة صريحة لقانون مباشرة الحقوق السياسية. وزعم لاشين أن نسبة المشاركة في محافظات المرحلة الأولى بلغت 28.06 في المائة، بإجمالي حضور بلغ 9 ملايين و69 ألفاً و729 ناخباً، من أصل 31 مليوناً و719 ألفاً و224 ناخباً لهم حق التصويت في 14 محافظة، مشيراً إلى أن هناك مليوناً و769 ألفاً و702 صوت باطل في الانتخابات على نظام القوائم، بالإضافة إلى مليون و5 آلاف و689 صوتاً باطلاً في الانتخابات على النظام الفردي.

وفاز في الجولة الأولى لانتخابات مجلس النواب المصري 32 مرشحاً على النظام الفردي، من دون الحاجة إلى جولة الإعادة، من بينهم 25 مرشحاً عن حزب "مستقبل وطن"، و4 مرشحين عن حزب "الشعب الجمهوري" المؤتلف معه، بالإضافة إلى 3 مرشحين مستقلين، في حين تجري الإعادة بين 220 مرشحاً على 110 مقاعد بمحافظات المرحلة الأولى خلال يومي 23 و24 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، منهم 86 مرشحاً عن "مستقبل وطن"، و19 مرشحاً عن "الشعب الجمهوري".

العديد من القضاة استبعدوا من الإشراف على عملية الانتخاب

وكان مصدر برلماني بارز قد قال لـ"العربي الجديد"، إن مجلس النواب الجديد سيكون أشبه بمجلس الشعب عام 2010، والذي عُرف إعلامياً بـ"برلمان أحمد عز"، نسبة إلى أمين التنظيم السابق في "الحزب الوطني" الحاكم إبان عهد الرئيس المخلوع الراحل حسني مبارك، مبيناً أن "هذا البرلمان سيخلو تماماً من قوى المعارضة، على غرار ما حدث قبل اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011".

ومثّلت انتخابات مجلس الشعب التي جرت أواخر عام 2010 سبباً رئيسياً لاندلاع الثورة المصرية، جراء تزويرها بصورة فجة استفزت جموع المصريين، ودفعت القوى السياسية إلى الانسحاب من الانتخابات عقب جولة الإعادة، الأمر الذي أسفر عن حصول الحزب الحاكم على أغلبية ساحقة تقارب 97 في المائة من المقاعد، على الرغم من شعبيته المتدنية في الشارع (آنذاك). وسبق أن تقدّم "الحزب المصري الديمقراطي" بطعن على نتيجة الانتخابات المعلنة من اللجان القضائية عن دوائر محافظة الجيزة أخيراً، للمطالبة بإعادة فرز وجمع الأصوات في ضوء المحاضر المعتمدة للجان الفرعية، إذ إن الأرقام النهائية لانتخابات المقاعد الفردية في المحافظة "تنبئ بوقوع كارثة في رصد وتجميع الأصوات في أغلب الدوائر". وأفاد الحزب بأن "الأرقام التي أعلنتها شفهياً اللجنة العامة في دائرة العمرانية والطالبية شهدت زيادة فاحشة، وغير مبررة، تتجاوز عشرات الآلاف من الأصوات مقارنة بكشوف الفرز في اللجان الفرعية. وقد أضيفت هذه الأصوات إلى مرشحين بعينهم، وأدت إلى فوزهم من الجولة الأولى، على الرغم من أن المحاضر الرسمية للفرز في اللجان الفرعية تؤكد وصول مرشحي الحزب إلى جولة الإعادة".

وانتشرت في مصر العشرات من مقاطع الفيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي توثق عملية شراء أصوات الناخبين مقابل مبالغ مالية في المحافظات التي جرت فيها المرحلة الأولى من انتخابات البرلمان، على مسمع ومرأى من الجميع أمام اللجان الانتخابية، لا سيما من أنصار مرشحي حزب "مستقبل وطن"، وسط تواطؤ من قوات الجيش والشرطة المسؤولة عن تأمين اللجان. ومنذ الاستيلاء على السلطة في عام 2013، يعمد النظام برئاسة عبد الفتاح السيسي إلى زيادة أعداد المشاركين في كل استحقاق انتخابي، نظراً لعزوف الغالبية العظمى من المواطنين عن المشاركة، من خلال إصدار هيئة الانتخابات تعليمات شفهية للقضاة رؤساء لجان الانتخاب العامة في المحافظات، بإضافة نسبة مقطوعة على أعداد المصوتين عند إعلان النتائج النهائية لزيادة نسبة المشاركة من ناحية، وتزوير النتائج لصالح مرشحي النظام من ناحية أخرى.