الانتخابات المحلية للنظام السوري: مسرحية بلا مغزى

19 سبتمبر 2022
إجراء النظام انتخابات محاولة للتهرب من استحقاقات الحل السياسي (Getty)
+ الخط -

أجرى النظام السوري ما يسمّيه بـ"انتخابات أعضاء مجالس الإدارة المحلية" في مناطق سيطرته، أمس الأحد، في تجاهل للقرارات الدولية للحل السياسي في البلاد، وللتغييرات في الخريطة السكانية التي نفذها النظام بالمذابح والتهجير، ما أدى إلى هجرة نحو نصف سكان سورية.

وذكرت وكالة "سانا" للأنباء التابعة للنظام أن "عدد المراكز الانتخابية بلغ 7348 مركزاً، موزعة على جميع المناطق والمدن والبلدات". وأشارت إلى أنه "تنافس في انتخابات مجالس الإدارة المحلية 59498 مرشحاً على 19086 مقعداً"، وأنه يوجد في سورية 1470 وحدة إدارية موزعة على 14 محافظة و158 مدينة و572 بلدة و726 بلدية.

ولم تشهد صناديق الاقتراع حتى عصر أمس، أي إقبال من السوريين في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، الذي دأب على إجراء هذه "المسرحية على الرغم مما مر على البلاد من كوارث منذ عام 2011"، وفق توصيف أحد الكتاب المقيمين في العاصمة دمشق.

كاتب سوري: النظام لم يتغيّر، ويتصرف وكأن البلاد غير خاضعة لاحتلالات

وأضاف الكاتب، لـ"العربي الجديد": "الناس غير مكترثة بهذه الانتخابات ولا غيرها، لأنها تدرك بأنه لا قيمة لها، ولن تحدث فرقاً في الواقع المؤلم الذي نعيشه، من شبه غياب للخدمات".

النظام السوري لم يتغير

وأشار الكاتب، الذي فضّل عدم ذكر اسمه لأسباب تخص سلامته إلى أن "النظام لم يتغيّر، ويتصرف وكأن البلاد غير خاضعة لاحتلالات، وأن جل السوريين إما نازحون في بلادهم أو مهجرون ولاجئون في أغلب دول العالم".

وتابع: "عموم الناس تفكر بالشتاء الذي يدق الأبواب، وليس لديهم ما يواجهون به البرد، ولا تعنيهم انتخابات النظام، ولو كانت السبل ميسّرة لما بقي في سورية أحد منهم".

وأشار إلى أن النظام "كعادته سيجبر الموالين له، على قلتهم، للتوجّه إلى أماكن الاقتراع لتصدير صورة إعلامية مزيفة للرأي العام في سورية وخارجها"، مضيفاً: على الرغم من عدم أهمية هذه المجالس إلا أن النظام ما يزال مصراً على أن تبقى حكراً لأعضاء في حزب "البعث". وبيّن أنه "لم تعد هناك ثقة بالنظام من قبل الخاضعين لسلطته"، مضيفاً: هذه الانتخابات محسومة النتائج، لذا لا نهتم بها على الإطلاق.

ويسيطر النظام على جزء من سورية، لا يصل إلى النصف من مساحتها، إذ تسيطر "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) على الشمال الشرقي من سورية أو "شرقي الفرات"، والتي تضم كامل محافظة الحسكة، والقسم الأكبر من محافظتي الرقة ودير الزور وبعض ريف حلب الشمالي الشرقي. 

وتسيطر فصائل المعارضة على الجزء الأكبر من ريف حلب الشمالي، ومنطقتي رأس العين وتل أبيض في شمال شرقي سورية، في حين تسيطر "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) وتنظيمات متطرفة أخرى على الشمال الغربي من سورية والذي يضم الجزء الأكبر من محافظة إدلب.

ونقلت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام عن أحد المشرفين على هذه الانتخابات قوله إن اختيار المكاتب التنفيذية في الوحدات الإدارية في المناطق الواقعة خارج السيطرة، والتي لا يمكن إجراء الانتخابات فيها، سيكون من خلال تعيين مكاتب تنفيذية مؤقتة وفق الأصول القانونية.

وليس هناك أرقام رسمية لعدد سكان المناطق التي يسيطر عليها النظام إلا أن التقديرات تشير إلى أنهم لا يصلون إلى 9 ملايين يعيشون في ظروف معيشية قاسية، إذ تكاد تنعدم الخدمات الأساسية، وهو ما دفع عدد كبير منهم إلى الهجرة خلال العام الحالي.

واعتمد النظام منذ قيام الثورة في عام 2011 على استخدام العنف وارتكاب المجازر لتفريغ سورية من عدد كبير من سكانها، وإحداث تغييرات سكانية تساعده في البقاء بالسلطة.

ويعمل النظام بمبدأ المجالس المحلية منذ سبعينات القرن الماضي، إلا انه يعيّن في هذه المجالس منتمين لحزب "البعث" الحاكم منذ عام 1963 وبعض الأحزاب التي تدور في فلكه، ومستقلين مرتبطين بالأجهزة الأمنية. وليس لهذه المجالس أي دور ذي قيمة، إذ يعتمد النظام على مركزية القرار من خلال الحكومة في دمشق.

تهرب من استحقاقات الحل

ومن الواضح أن إجراء الانتخابات المحلية، ومن قبلها انتخابات ما يسمّى بـ"مجلس الشعب" (جرت عام 2020)، والانتخابات الرئاسية (جرت العام الماضي)، محاولات من النظام السوري للتهرب من استحقاقات الحل السياسي للقضية السورية وفق قرارات دولية تدعو إلى تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات من النظام والمعارضة، تضع دستوراً جديداً تجرى على أساسه انتخابات.


عبد الناصر حوشان: هناك محافظات لم يتم تسجيل وقائع الأحوال المدنية فيها مثل الولادات والوفيّات

ويصف المحامي عبد الناصر حوشان، وهو عضو اتحاد المحامين السوريين الأحرار، في حديث مع "العربي الجديد"، انتخابات الإدارة المحلية التي أجراها النظام أمس بـ"جريمة دستوريّة وجزائية، الفاعلون فيها هم بشار الأسد وحكومة نظامه، ووزارتي العدل والداخلية في هذه الحكومة، والمكتب المركزي للإحصاء".

وقال: هي امتداد لجريمة تزوير الانتخابات التشريعية والاستفتاء على منصب رئيس الجمهورية. وأضاف: "لقد تابعت هذه الانتخابات (المحلية)، وقد ثبت لدينا وبالدليل القطعي أن هناك أكبر عمليّة تزوير على المستوى الوطني في تاريخ سورية تقوم بها السلطة، وهي تزوير السجلات الوطنيّة الأساسيّة، والتي تقوم عليها الانتخابات وهي سجلات الأحوال المدنيّة (النفوس) وبيانات مكتب الإحصاء المركزي والسجل الانتخابي".

وبيّن حوشان أن "هناك محافظات خارجة عن سيطرة النظام او استعاد السيطرة عليها لاحقاً لم يتم تسجيل وقائع الأحوال المدنية فيها مثل الولادات والوفيّات"، مضيفاً: هناك فرق وتفاوت في إحصائيات عدد السكان، وبالتالي بعدد الناخبين.

انتخابات غير دستورية

وأوضح حوشان أنه "على المستوى الدستوري والقانوني فهذه الانتخابات غير دستوريّة لأنها تتناقض مع المادة 34 من الدستور (وضعه النظام عام 2012) التي منحت الحق لكل مواطن بالإسهام في الحياة السياسية ومنها المشاركة في الانتخابات (ترّشح وانتخاب)".

وأضاف: تجرى هذه الانتخابات في ظل تهجير أكثر من 17 مليون سوري قسريّاً، الأمر الذي حرمهم من حقوقهم الدستورية. كما بيّن حوشان أن هذه الانتخابات "تخالف المادة 131 من الدستور التي نصت في فقرتها الثانية على أن يكون لوحدات الإدارة المحلية مجالس مُنتخبة انتخاباً عاماً وسرياً ومباشراً ومتساوياً".

وتابع: رصدنا أن من تم اختياره لهذه المجالس وفرضهم على "الناخبين" هم البعثيون وقادة مجموعات الشبيحة، عبر ما يسمى بـ"الاستئناس الحزبي"، الذي انتهى إلى فرض قوائم "الوحدة الوطنيّة"، وما رافقها من عمليات فساد، وشراء ذمم ورشاوى للأمين القطري المساعد لحزب "البعث" المدعو هلال هلال.

المساهمون