عادت الأحزاب والكيانات السياسية العراقية لرفع شعارات تتحدث عن الإصلاح والتغيير ومكافحة الفساد، بهدف الترويج لبرامجها وخططها قبل المشاركة في الانتخابات المحلية (انتخابات مجالس المحافظات) المقررة في 18 ديسمبر/ كانون الأول المقبل. لكن على أرض الواقع لا يثق العراقيون بهذه الشعارات التي يجدونها تتكرر في كل انتخابات، من دون أن يتحقق منها أي شيء.
وظهرت في الأسابيع الماضية شعارات من ضمنها، التغيير وبداية الإصلاح ومكافحة الفساد والمحافظة على أموال المدن المحررة من تنظيم "داعش"، إضافة إلى رفع شعارات طائفية من قبل بعض الأطراف السياسية في تحالف "الإطار التنسيقي".
ورُفعت مطالب قومية وأخرى متعلقة برواتب الموظفين والعودة إلى السيطرة على بعض المناطق العراقية كما تفعل الأحزاب الكردية، التي تعمل على دغدغة المشاعر القومية للأكراد، وبدء النقاش عن محافظة كركوك وإمكانيات سيطرة البشمركة عليها، بعد انسحابهم منها بالقوة في عام 2017 إثر فشل استفتاء انفصال إقليم كردستان.
سخط شعبي من الشعارات التقليدية
ويجد مراقبون ومحللون أن الأحزاب التقليدية في مأزق وجودي بسبب السخط الشعبي من الشعارات السياسية والحزبية والانتخابية، والتي تتعرض شعبياً للتندر والسخرية، لا سيما تلك التي تأخذ طابعاً جاداً في محاربة الفساد الإداري والمالي، كونها تكررت كثيراً من دون أي نتائج على أرض الواقع.
أحمد الموسوي: الشعب ساخط من الفشل السياسي الحاصل، وباتت شريحة كبيرة منه لا تؤمن بالانتخابات
في السياق، قال النائب المستقل محمد عنوز، إن "الشعب لا يثق بحكوماته التي تقودها أحزاب أثبتت فشلها طيلة عقدين من الزمن، بالتالي فإن ما يصدر عن هذه الأحزاب من وعود ومطالب مستقبلية وشعارات، هو مبعث سخرية للعراقيين، فكيف يمكن أن ينجح الحزب الذي فشل في أكثر من مناسبة ويتمسك بنفس العقلية، في المستقبل؟ قطعاً لن يتمكن".
وأضاف عنوز، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "مستوى المشاركة في الانتخابات يتراجع شعبياً، وهذا مؤشر واضح على عدم القبول بالأحزاب الحالية، لكن للأسف هذا التوجه يرافقه يأس، وتشكيك بالأحزاب الجديدة، لا سيما المدنية، التي ترفع نفس شعارات الأحزاب التقليدية، لكن الفرق كبير في النيات، في حين أن الأخضر أكل اليابس، حتى بات العمل السياسي غير موثوق به مجتمعياً، وهذا كارثة خطيرة، لأنها تسهم في منع أي تقدم".
من جهته، لفت عضو تحالف "الإطار التنسيقي" أحمد الموسوي، إلى أن "القوى السياسية تختار شعاراتها بناءً على الحاجات السياسية والاجتماعية، ولا يعني أن القوى السياسية التي لم تتمكن من تحقيق شعاراتها أو مطالبها أو برامجها، أنها فاشلة، لأن التحديات غير الاعتيادية التي تمر بالعراق، أثرت كثيراً على خطط التنمية، ناهيك عن وجود جهات قوية تحمي الفاسدين الذين تسعى بعض الأحزاب إلى محاسبتهم".
وأضاف الموسوي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الشعب ساخط من الفشل السياسي الحاصل، وباتت شريحة كبيرة منه لا تؤمن بالانتخابات، باعتبارها وسيلة لإحداث مزيدٍ من الفشل والمشاكل، لكن في الوقت نفسه فإن الشعب عليه أن ينظر إلى أسباب هذا الفشل، ويتفحص في الجهات التي تمنع حدوث النجاح، وبذلك سيتمكن في النهاية من اختيار الأصلح في الانتخابات المقبلة".
الحذر في الانتخابات المحلية العراقية
من جانبه، كشف رئيس حراك "البيت العراقي"، محي الأنصاري أن "استخدام الأحزاب التقليدية لشعارات تتعلق بالتغيير والإصلاح في كل انتخابات يمكن أن يكون ممارسة شائعة ومألوفة في كل حدث انتخابي، والهدف هو جذب الناخبين الذين يتطلعون إلى إحداث تغيير فاعل في النظام الحكومي. لكن مع ذلك قد يؤدي تكرار هذه الشعارات من دون تحقيق تغييرات فعلية في الواقع إلى فقدان مصداقية هذه الأحزاب وشعاراتها في نظر الناخبين، لذلك يجب أن تكون هذه الأحزاب حذرة في استخدام الشعارات والوعود في الانتخابات".
محي الأنصاري: الشعارات يجب أن تكون واقعية وقابلة للتحقيق
وأوضح الأنصاري في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الشعارات يجب أن تكون واقعية وقابلة للتحقيق، وتركز على القضايا الجوهرية والتحديات التي تواجه المجتمع، كما يجب أن تعمل هذه الأحزاب على بناء الثقة مع الناخبين من خلال النزاهة والشفافية في أداء مهامها السياسية، وتعزيز التواصل المستمر مع الجمهور والاستماع لمطالبهم ومشاركتهم في صناعة القرار سيساهم في تعزيز الثقة والتأييد للأحزاب السياسية".
بدوره، أشار المحلل السياسي أحمد الشريفي، إلى أن "تداعيات الفشل السياسي وطريقة الحكم في العراق بعد عام 2003 واضحة، وأبرز أشكاله هو التظاهرات الشعبية التي حصلت عام 2019، التي استخدمت السلطة القوة المفرطة في مواجهتها، فضلاً عن التلاعب السياسي في منع تشكيل حكومة من قبل الفائز بالانتخابات، وكذلك في بطء تحديث سجلات الناخبين".
واعتبر الشريفي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الشعارات التي تطلقها الأحزاب التقليدية تستهدف العواطف الدينية والحاجات الإنسانية الحقيقية للشعب، لكن غالبيتها كاذب، والغريب أن هذه العدوى انتقلت للأحزاب المدنية الجديدة التي كان الشعب يظن أنها تحمل صفة الثورية، حين أكدت في الانتخابات السابقة (الانتخابات التشريعية التي أُجريت في أكتوبر 2021) على فتح ملفات معقدة وخطيرة مثل الكشف عن قتلة المتظاهرين، لكن في الحقيقة لم تتمكن هذه الأحزاب من ذلك، بل إن بعض أطراف وشخصيات هذه الأحزاب انسجمت مع الأحزاب التقليدية، ما تسبب بنكسة إضافية للعراقيين".
وبحسب آخر بيانات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق فإنها سجلت 281 حزباً وكياناً سياسيا. باشر معظمها بالتنافس مبكراً، للسيطرة على مقاعد مجالس المحافظات، بينما تسعى القوى المدنية والليبرالية لأول مرة للدخول في هذه الانتخابات بشكل منفرد أو بقوائم انتخابية مشتركة، وستكون الانتخابات المحلية المقبلة، الأولى من نوعها منذ إبريل/ نيسان 2013.
وتتولى مجالس المحافظات المُنتخبة مهمة اختيار المحافظ ومسؤولي المحافظة التنفيذيين، ولهم صلاحيات الإقالة والتعيين وإقرار خطة المشاريع بحسب الموازنة المالية المخصصة للمحافظة من الحكومة المركزية في بغداد، وفقاً للدستور العراقي النافذ بالبلاد منذ عام 2005.