يغيب الضجيج الانتخابي في 222 قرية وبلدة فلسطينية من أصل 376 من المفترض أن تجرى فيها انتخابات المجالس المحلية في مرحلتها الأولى في الضفة الغربية في 11 ديسمبر/كانون الأول الحالي، على الرغم من أن المرحلة الحالية هي الأكثر حيوية، بعدما بدأت الدعاية الانتخابية في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. وأعلنت لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية أن عملية الاقتراع ستتم فقط في 154 هيئة محلية، أي نحو 41 في المائة من مجمل المجالس المحلية الـ376، فيما ستفوز بالتزكية القوائم التي ترشحت بلا منافسين في 162 هيئة، أي بنسبة 43 في المائة. ولن تُجرى الانتخابات بسبب عدم ترشح أي قائمة أو عدم استيفاء أي قائمة للشروط في 60 هيئة بنسبة تقارب 16 في المائة، على أن يتخذ مجلس الوزراء الفلسطيني قراراً بخصوصها لاحقاً. وبالتالي لن تجرى عملية الاقتراع في 59 في المائة من المجالس في المرحلة الأولى لأسباب مختلفة، وسط اتهامات للسلطة الفلسطينية وحركة "فتح" بمحاولة فرض توافقات شكلية، بهدف ضمان نتائج الانتخابات، أو لمحاولات تخطي النظام الانتخابي الذي يراه البعض مجحفاً. في المقابل، تؤكد لجنة الانتخابات أنه لا توجد أي عرقلة أو صعوبة في إجراءاتها.
مارست حركة فتح ضغوطاً لمنع مرشحين من تسجيل قوائمهم
لم يستطع الناشط فيصل الرفاعي من بلدة عناتا في ضواحي القدس المحتلة أن يسجل مع آخرين قائمتهم بسبب ما قال "إنها ضغوط مورست من حركة فتح". وأكد في حديث مع "العربي الجديد" أن الأمر بدأ بتواصل ممثلي "فتح" معهم، وطرح تشكيل قائمة توافقية تمثل كافة مكونات بلدة عناتا، لكن التوافق لم يتم برأي الرفاعي، فمثلاً "تم استثناء عائلتين". وأشار إلى أن العراقيل بدأت بمنع عدد من مرشحي قائمته من الحصول على "براءة ذمة" وهي شرط للترشح، لأسباب غير قانونية. ولاحقاً قدّمت قائمته شكاوى للحكم المحلي ومحكمة الانتخابات، بل وتم إغلاق مبنى البلدية ظهر اليوم الأخير للترشح في 5 نوفمبر الماضي، على الرغم من وجود اتفاق مع الحكم المحلي بتسوية الأمر، ومن وجود تعليمات بفتح المجالس حتى المساء. واتهم الرفاعي أحد أفراد الأجهزة الأمنية كذلك بالتدخّل، معلناً امتلاك قائمته تسجيلاً صوتياً لفرد من الأمن الوقائي، يقول فيه: "نحن من أغلقنا البلدية عمداً"، والنتيجة أن القائمة التي ستفوز بنظام التزكية هي القائمة المسجلة باسم حركة "فتح" لعدم وجود قوائم منافسة.
في بلدة ترسمعيا، شمالي شرق رام الله، وسط الضفة الغربية المحتلة، يختلف الوضع قليلاً، وإن كانت النتيجة واحدة، إذ يُنظر هناك إلى نظام الانتخابات المتمثل بالقوائم على تسبّبه بمشاكل في السنوات الماضية، فقرروا تخطيه بإجراء انتخابات "برايمرز" (تمهيدية) أفرزت قائمة واحدة ستفوز بالتزكية كذلك. ويقول محمود سليمان المرشح في قائمة "ترمسعيا الموحدة"، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إن "النظام الحالي يغذي المشاكل العشائرية، فقرر الأهالي إجراء انتخابات يختار فيها الشخص الأسماء وليس القوائم، ومن يحصل على أعلى الأصوات يفوز بمنصب رئيس البلدية وترتب القائمة حسب نسبة التصويت". وعلى الرغم مما تؤكده لجنة الانتخابات من تحسن في نسب المجالس المحلية التي ستجرى فيها عملية الاقتراع مقارنة بانتخابات الأعوام 2005، و2012، و2017، إلا أن الأمر ظاهرة تتكرر. وحول تفسير ذلك، يقول المتحدث باسم لجنة الانتخابات فريد طعم الله، لـ"العربي الجديد": "لا أستطيع الحديث عن أسباب فهذا للباحثين، ولكن ما أؤكده أن الأسباب ليست إجرائية من اللجنة، فلا توجد عرقلة أو صعوبة في إجراءات اللجنة".
لا يُشارك قطاع غزة في الانتخابات المحلية
في المقابل، يعيد متابعون للشأن العام في فلسطين الأمر إلى قرار الحكومة تجزئة العملية الانتخابية والبدء بالمجالس الصغيرة التي يمكن ضمان نتائج جزء مهم منها، فعدد الناخبين في 376 مجلساً محلياً في المرحلة الأولى يقارب عدد الناخبين في المجالس الكبرى في المرحلة الثانية، والتي ستكون في 41 هيئة في الضفة الغربية في شهر مارس/ آذار المقبل. ويؤكد مدير مركز مسارات لأبحاث السياسات والدراسات، هاني المصري، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هذه النسبة من المجالس التي لن تجرى فيها الانتخابات تشير إلى عدم نضوج مجتمعي وديمقراطي وفي الحركة السياسية، لأن جوهر الانتخابات التنافس والمساءلة. ويضيف: "تم اختيار هذه المجالس الصغيرة، لأنه من المعروف أن حركة فتح موجودة فيها بنسبة 60 في المائة، حسب استطلاعات الرأي، ولا يوجد منافس جدي لها وللعائلات المحسوبة عليها، ولم يتم اختيار البلديات والمدن الكبيرة، لأنه من الممكن أن تكون النتائج معاكسة".
ويؤكد المصري أنّ هناك بحثاً عن صورة نصر، ولذا تم تأجيل الانتخابات التشريعية لأنها ليست مضمونة النتائج، مشيراً إلى أن قرار الانتخابات المحلية بعد إلغاء التشريعية جاء بسبب حاجة أي سلطة للحصول على شرعية، خصوصاً أن أطرافاً خارجية كالاتحاد الأوروبي استاءت جداً من تأجيل الانتخابات العامة الفلسطينية. وعلى الرغم من أن المصري لا يرى ما يقنع الدول الأوروبية في الانتخابات المحلية، إلا أنه يعتبر أن أسباباً سياسية تجعل تلك الدول تتشبث ببقاء السلطة الفلسطينية، لأنها لا تريد فوز حركة "حماس" أو طرف آخر لا يلتزم بأسس الاستقرار والاتفاقات الموقعة مع الاحتلال.
وتجرى الانتخابات المحلية الفلسطينية من دون قطاع غزة، وعلى مراحل، إذ تطالب السلطة الفلسطينية حركة "حماس" بالموافقة على إجرائها في القطاع، وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد أصدر قراراً بموجب قانون في عام 2012 لتعديل قانون الانتخابات المحلية أتاح فيه تجزئتها، إذ كان القانون يشترط إجراءها في كلّ المجالس بيوم واحد.