عادت موجة التصريحات والبيانات بشأن العملية الانتخابية في ليبيا قبل أقل من شهرين على موعدها المقرّر في 24 من ديسمبر/كانون الأول المقبل، إذ تحولت مواعيد الترشح للانتخابات الرئاسية عنواناً للخلافات الجديدة، وسط فشل مسبق لمبادرة المجلس الرئاسي لاحتواء الخلافات حول القوانين الانتخابية.
وخلال الساعات الأخيرة، صدرت عدة بيانات وتصريحات من مختلف القوى السياسية الليبية في أكثر من اتجاه، لكنها تركزت حول رفض تعديل موعد التقدم للترشح للانتخابات الرئاسية، وكذلك الجدل حول مبادرة المجلس الرئاسي بشأن إمكانية تأجيل موعد الانتخابات إلى مارس/آذار المقبل.
ودعمت البعثة الأممية مقترحاً للمفوضية العليا لتعديل المادة 12 من قانون الانتخابات الرئاسية، بأن يُعدّ المرشح متوقفاً عن عمله في منصبه "عند إعلان المفوضية عن البدء في العملية الانتخابية"، بدلاً من نص المادة السابق الذي يعتبر المرشح متوقفاً عن عمله في منصبه "قبل موعد الانتخابات بثلاثة أشهر".
وطالبت البعثة مجلس النواب باعتماد التعديلات اللازمة لـ"وضع الصيغة النهائية للإطار القانوني للانتخابات الوطنية، بما في ذلك تلك التي طرحتها المفوضية الوطنية العليا للانتخابات"، وبشكل أوضح، طالبت بضرورة إزالة القيود من القوانين الانتخابية لـ"السماح لليبيين الذين يشغلون مناصب عامة بفرصة تجميد مهامهم من وقت تقدمهم بطلبات الترشح للانتخابات الرئاسية".
نواب يرفضون "تدخل" البعثة الأممية
لكن 44 نائباً في مجلس النواب، رفضوا، عبر بيان مشترك، دعوة البعثة، واتهموا المفوضية العليا للانتخابات بـ"الاستقواء بالخارج، في محاولة لفرض تعديلات سياسية وليس فنية"، معبرين عن رفضهم "التدخل السافر من البعثة الأممية أو السفراء الأجانب".
كما عبّر 22 حزباً وتكتلاً سياسياً، في خطاب مشترك موجه للبعثة الأممية، عن دعمهم القوانين الانتخابية الصادرة عن مجلس النواب كونه "الجهة التشريعية صاحبة الاختصاص الأصيل في هذا الشأن"، وعبروا عن رفضهم لأي "إملاءات تفرض في صلب القوانين الانتخابية".
وأكد البيان المشترك للتكتلات الحزبية الـ22 التمسك بقانون انتخاب رئيس الدولة، مؤكداً ضرورة بقاء المادة 12، التي تنصّ على ضرورة أن يكون المرشح قد توقف عن أداء مهام عمله قبل 3 أشهر من إعلان الترشح، وقال البيان: "ولما كانت هذه المهلة قد انتهت، فإنه لا يجوز قبول أي ترشح من أي شخص يمارس وظيفة عامة مدنية أو عسكرية، ما لم يتوقف عن أداء مهامه" قبل موعد الانتخابات في الـ24 من ديسمبر المقبل.
كما ذكّر البيان بـ"التعهد الذي وقعه شاغلو المناصب التنفيذية لبعثة الأمم المتحدة وملتقى الحوار والشعب الليبي في 4 فبراير/شباط 2021، بشأن عدم الترشح للانتخابات التي تلي المرحلة التمهيدية"، معتبرين أن تجاوب البعثة الأممية مع مطالب تعديل المادة، بمثابة خرق للتعهدات "التي سنتها البعثة، وتعتبر أحد روافد العملية السياسية التي ارتضاها الجميع في الحوار السياسي بجنيف".
توصية بتأجيل الانتخابات حتى مارس
ولم يعلن المجلس الرئاسي حتى الآن عن مبادرته، لكن وسائل إعلام ليبية سربت وثيقة، قالت إنها تتضمن نصّ المبادرة التي توصي بتأجيل الانتخابات إلى مارس المقبل، على أن تبدأ إجراءاتها في 24 ديسمبر المقبل.
واقترحت المبادرة، بحسب الوثيقة المسربة، أن تتشكل لجان مشتركة من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، للنظر في إجراء تعديلات على القوانين الانتخابية الصادرة عن مجلس النواب، وإن لم تتفق، يشكل المجلس الرئاسي لجنة لإجراء التعديلات المطلوبة، ويصدر بشأنها مرسوماً رئاسياً لإجراء الانتخابات على أساسها، وتبدأ الانتخابات في الأول من مارس المقبل بالتزامن، وتعلن نتائجها في إبريل/نيسان المقبل.
خلافات ومعارضة لمبادرة المجلس الرئاسي
وواجهت مبادرة المجلس الرئاسي بشأن حسم الخلاف بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، حول القوانين الانتخابية التي أصدرها مجلس النواب بشكل منفرد من دون إشراك المجلس الأعلى للدولة كما ينصّ على ذلك الاتفاق السياسي، خلافات ومعارضة، ما حدا بعضو المجلس الرئاسي عبد الله اللافي إلى تبنيها وحده، وطالب المجلس الرئاسي بتفهمها من أجل تبنيها بشكل جماعي.
وأولى المواقف جاءت من داخل المجلس نفسه، إذ اعتبر عضو المجلس الرئاسي موسى الكوني أن أي "اجتهاد مغاير لن يمثل المجلس الرئاسي من دون اتفاق الأعضاء الثلاثة، ووفق محضر موقع"، بحسب تغريدة على حسابه الرسمي، مضيفاً "غير ذلك هو رأي شخصي".
أما عضو ملتقى الحوار السياسي زياد دغيم فاعتبر أن المبادرة "غير واقعية"، كونها خارج اختصاص المجلس الرئاسي، و"إن أجمع عليها المجلس الرئاسي". وقال دغيم، في تصريح لتلفزيون محلي، ليل أمس الأحد، إن المجلس الرئاسي شرعيته قائمة على التوافق السياسي الذي حدّد لها نهاية في يوم 24 ديسمبر المقبل، ويحتاج قبول المبادرة التي تطالب بتمديد مواعيد الانتخابات لـ"توافق جديد للتمديد لوجود المجلس الرئاسي أكثر من الموعد المحدد له".
حملة جديدة ضد الدبيبة؟
ووفقاً لقراءة الناشط السياسي الليبي صالح المريمي للمواقف الجديدة، فإن البيانات والمواقف زادت حالة الغموض بشأن العملية الانتخابية، معتبراً بيان مجلس النواب وحلفائه في الكتل السياسية حملة جديدة ضد رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، الذي يُعدّ من أقوى المرشحين للانتخابات الرئاسية، موضحاً أن "رفض تعديل المادة 12 وفتح موعد التقدم للانتخابات يتعلقان بوضع الدبيبة وغيره من الشخصيات في المشهد ليتمكنوا من اللحاق بالمرشحين".
ويعتقد المريمي، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن موقف المجتمع الدولي من ضرورة إجراء الانتخابات في 24 ديسمبر المقبل جعل من القوانين الانتخابية التي أصدرها مجلس النواب واقعاً مفروضاً، "ولذا، ليس أمام الدبيبة أو رئيس المجلس الرئاسي خالد المشري والشخصيات الأخرى إمكانية للترشح وفقها، لكن خصومهم يحاولون قفل الباب أمامهم بالتمترس وراء نص المادة 12، الذي يقفل باب الترشح قبل ثلاثة أشهر من موعد الانتخابات"، خصوصاً أن شخصيات، مثل خليفة حفتر وعقيلة صالح، توقفت عن أعمالها منذ سبتمبر/أيلول الماضي.
وإزاء حالة الانسداد التي تسير باتجاهها العملية الانتخابية، تعبر الباحثة السياسية الليبية هنية فحيمة عن مخاوفها من تسرب الخلافات إلى داخل المجلس الرئاسي، قائلة لـ"العربي الجديد" إن "المجلس الرئاسي يُعدّ بارقة الأمل الوحيدة في المشهد للعب دور الوسيط بين كل الأطراف"، مشيرة إلى أن تصريحات الكوني تؤكد وجود خلافات داخل المجلس أدت إلى عدم تبني مبادرة اللافي وفشلها قبل الإعلان الرسمي عنها.