استمع إلى الملخص
- تواجه المعارضة تضييقًا متزايدًا مع تقليص مراكز الاقتراع وحجب صفحاتها، بينما يظهر انحياز الاتحاد الأوروبي للرئيسة مايا ساندو، مما يثير انتقادات من المعارضة وروسيا.
- ملف الغاز الروسي يشكل قضية محورية، حيث تعتمد مولدوفا عليه للتدفئة والكهرباء، مع توقع استمرار الاعتماد عليه واحتمال تدخل الاتحاد الأوروبي لدفع رسوم المرور.
يتوجه الناخبون في جمهورية مولدوفا السوفييتية السابقة إلى مراكز الاقتراع، اليوم الأحد، للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية واستفتاء التكامل الأوروبي الذي يجري بشكل متزامن، وسط حالة من الانقسام تعيشها الجمهورية بين شقي السكان الموالين لروسيا والغرب. من بين أبرز الملفات الحاضرة على أجندة حملة الانتخابات، مستقبل تكامل مولدوفا مع الاتحاد الأوروبي، ووضع إقليم ترانسنيستريا الجنوبي الموالي لروسيا والخارج عن سيطرة كيشيناو، ومصير إمدادات الغاز الروسي بعد انتهاء عقد الترانزيت الأوكراني نهاية العام الحالي.
تضييق الخناق على المعارضة
رغم أن الرئيسة المولدوفية الحالية مايا ساندو (52 سنة)، تُعد المرشحة الأوفر حظاً بالفوز، إلا أنه لا مجال للحديث عن تفوقها بشكل مطلق على المرشحين العشرة الآخرين الذين تكاد أسماء أغلبهم تكون غير معروفة على نطاق واسع، بينما تشكو المعارضة من زيادة الضغوط عليها وحجب صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي ومداهمات واعتقالات وفرض عقوبات الاتحاد الأوروبي عليها.
في وقت تعزو فيه الجهات الأمنية قراراتها إلى التحقيقات في قضية جنائية، على خلفية مزاعم شراء أصوات الناخبين والانتهاكات عند تمويل الأحزاب السياسية، اعتبر زعيم حزب بوبيدا (النصر) الموالي لروسيا، إلان شور، ما يجري إشارة مقلقة، قائلاً: "لا يعجب ساندو عندما تقال الحقيقة عنها أو يتم التشكيك في مبادراتها العجيبة مثل استفتاء التكامل الأوروبي. سنطالب بالعدالة، ولدينا سبل كثيرة للتواصل مع المواطنين الشرفاء والأمناء".
علاوة على ذلك، تم تقليص عدد مراكز الاقتراع في المناطق التي قد يدعم سكانها المعارضة، إذ تبين في سبتمبر/أيلول الماضي، أنه لن يتم فتح سوى 31 مركز اقتراع لسكان إقليم ترانسنيستريا، أي بمقدار عشرة مراكز أقل مقارنة مع الانتخابات الأخيرة. وفي روسيا التي تقيم بها جالية مولدوفية كبيرة، يقدّر تعدادها بما بين 300 و500 ألف مواطن، تقرر ألا يتم فتح سوى مركزي اقتراع، مع توفير 5 آلاف استمارة تصويت فقط في كل واحد منهما، ما يعني، في الواقع، قطعاً للجالية المولدوفية في روسيا عن التصويت، وفق نشطائها.
انحياز أوروبي لساندو
بموازاة استمرار حملة الانتخابات الرئاسية، كان انحياز الاتحاد الأوروبي لساندو واضحاً، إذ زارت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين مولدوفا في وقت سابق من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، في إشارة دعم سياسي للرئيسة الحالية. وعلاوة على ذلك، أدرج مجلس وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، في 14 أكتوبر الحالي، اسم حاكمة إقليم غاغاوزيا، يفغينيا غوتسول، وغيرها من السياسيين على قائمة العقوبات، وهو ما علقت عليه غوتسول، قائلة إن "الأحداث الأخيرة مثيرة للصدمة، إذ تسعى مايا ساندو ورعاتها للحفاظ على سلطتهم غير المحدودة ويتصرفون وكأنهم محتلون. يحجبون مواقع التواصل الاجتماعي ويفرضون عقوبات لا معنى لها ويقاضون كل من يعارض أعمال النظام".
أثار سير الحملة الانتخابية في مولدوفا حفيظة موسكو، إذ اعتبرت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أن السلطات المولدوفية تشن هجوماً على الديمقراطية، مضيفة، في حديث لإذاعة سبوتنيك الروسية: "هذا الوضع ليس ظرفياً، بل يتواصل التعنيف منذ وصول ساندو إلى السلطة ويحظى بتصفيق من الأشقاء في ناتو".
انتخابات تنافسية في مولدوفا
أندريه أندرييفسكي: في حال فوز ساندو ستبقى العلاقات مع روسيا في وضع شبه مجمد
مع ذلك، لفت رئيس تحرير موقع أفا الإخباري المولدوفي، أندريه أندرييفسكي، إلى أن الحياة السياسية في مولدوفا تتسم بالتنافسية، مقراً في الوقت نفسه بلجوء السلطات إلى حيلة من جهة إجراء الانتخابات الرئاسية واستفتاء التكامل الأوروبي في يوم واحد بغية حشد الناخبين الموالين لأوروبا. وقال أندرييفسكي، لـ"العربي الجديد" من كيشيناو: "تتسم الحياة السياسية في مولدوفا بالتنافسية الحقيقية، ولذلك لا يمكن الجزم بفوز ساندو بنسبة 100%، ولكن هذا هو السيناريو المرجح وفقاً لكافة استطلاعات الرأي. ومع ذلك، قد تواجه ساندو خطراً في حال لم تفز من الجولة الأولى وتمكنت المعارضة من الالتفاف حول مرشح موحد في جولة الإعادة".
وحول رؤيته لأسباب إجراء الانتخابات في اليوم نفسه مع استفتاء التكامل الأوروبي، قال: "تُرجع الرواية الرسمية ذلك إلى دوافع ترشيد النفقات، ولكن ثمة حيلة تتلخص في أن ساندو هي التي تقود عملية التكامل الأوروبي، ما يحفز المصوتين لصالح إدراج بنود التكامل الأوروبي على الدستور، على التصويت لصالح المرشحة التي تمثل هذا التيار".
وفيما يتعلق بآفاق العلاقات المولدوفية الروسية وملف الغاز الروسي، قال: "في حال فوز ساندو، ستبقى العلاقات في وضع شبه مجمد، ولكن في حال فوز مرشح من المعارضة ذات الصلة المباشرة أو الخفية بموسكو، فهذا قد يؤدي إلى تحسن العلاقات مع روسيا، يقابله تدهور العلاقات مع الاتحاد الأوروبي ورومانيا وأوكرانيا".
في العاصمة الروسية، اعتبر رئيس الجالية المولدوفية في موسكو، نيقولاي بوغونيتس، هو الآخر، أن مستقبل العلاقات الروسية المولدوفية مرهون بنتائج انتخابات اليوم، قائلاً لـ"العربي الجديد": "في حال فوز ساندو، ستزداد العلاقات سوءاً مقارنة حتى مع وضعها الحالي. المرشحة الأنسب لروسيا هي المدعية السابقة فيكتوريا فورتوني".
لا انفراجة في وضع ترانسنيستريا
من جهته، جزم النائب في المجلس الأعلى لإقليم ترانسنيستريا، أنطون أونوفريينكو، أن نتائج الانتخابات الرئاسية لن تؤثر على وضع الإقليم بأي شكل من الأشكال، متوقعاً استمرار تعرّضه لضغوط سياسية واقتصادية من قبل كيشيناو التي باتت في موقع القوة. وقال أونوفريينكو، لـ"العربي الجديد"، من مدينة تيراسبول المركز الإداري لإقليم ترانسنيستريا: "لن تُحدث نتائج الانتخابات أي تغييرات جوهرية في العلاقات بين كيشيناو وترانسنيستريا، في ظل تعثر المفاوضات وتعرّضنا لضغوط اقتصادية، إذ لم يعد بمقدورنا مزاولة أي أعمال تجارية سوى عبر الأراضي المولدوفية، بعد إغلاق حدودنا مع أوكرانيا على خلفية بدء العملية العسكرية الروسية في عام 2022".
أنطون أونوفريينكو: نتائج الانتخابات لن تؤثر على وضع ترانسنيستريا
وقلل من واقعية تسوية وضع ترانسنيستريا حتى في حال فوز مرشح موالٍ لموسكو، موضحاً: "شهدنا على تجربة الرئيس إيغور دودون الذي كاد أن يكون صديقاً لنظيره الروسي فلاديمير بوتين، لكنه واصل تشديد الخناق وعرقلة المفاوضات. أعتقد أن عملية الضغط السياسي والاقتصادي ستستمر، بصرف النظر عن اسم الفائز في الانتخابات، مع إخضاع اقتصاد ترانسنيستريا بأسره للاختصاص القانوني المولدوفي والاستحواذ عليه استحواذاً ناعماً".
تعود جذور التوتر جنوب مولدوفا إلى عام 1990، حين أعلنت جمهورية ترانسنيستريا استقلالها عن جمهورية مولدوفا السوفييتية حينها، ما أسفر عن وقوع نزاع مسلح في عام 1992 تحول إلى نزاع متجمد بعد تحرك موسكو والتوقيع على اتفاق "مبادئ تسوية النزاع المسلح في منطقة ترانسنيستريا في جمهورية مولدوفا" وإرسال جنود حفظ سلام روس إلى منطقة القتال.
ملف الغاز حاضر في الحملة الانتخابية
لم يغب ملف إمدادات الغاز التي تزداد أهميتها مع حلول موسم الشتاء عن حملة الانتخابات، خصوصاً أن توفير التدفئة والكهرباء مرهون باستمرار إمدادات "الوقود الأزرق" روسي المنشأ عبر الأراضي الأوكرانية، مع بقاء أسابيع معدودة على انتهاء عقد ترانزيت الغاز. ومع ذلك، أكد وزير الطاقة المولدوفي فيكتور بارليكوف، بعد محادثات مع نظيره الأوكراني، في وقت سابق، أن حكومة بلاده مستعدة لأي سيناريو للإمدادات، وسط توقعات باستمرار كيشيناو في الاعتماد على الغاز الروسي بصورة أو بأخرى، على أن يدفع الاتحاد الأوروبي رسوم مروره عبر أوكرانيا.
بذلك، بدت قضية الغاز حاضرة في لقاءات جميع المرشحين مع الناخبين الذين يتساءلون عشية حلول الشتاء حول توفر الغاز وأسعاره، إذ إن دور الغاز في مولدوفا لا يقتصر على توفير التدفئة في رياض الأطفال والمدارس والمباني السكنية، وإنما الكهرباء أيضاً. وتشتري كيشيناو الكهرباء بأسعار زهيدة من محطة كهرباء تعمل بالغاز في ترانسنيستريا يزودها عملاق الغاز الروسي "غازبروم" عبر خط الأنابيب الأوكراني، ولكن كييف أعلنت رسمياً عن وقف ترانزيت الغاز الروسي اعتبارا من 1 يناير/كانون الثاني المقبل. إلا أن أندرييفسكي توقع أن فوز ساندو "لن يحدث أي تغييرات تذكر من جهة عزوف كيشيناو عن شراء الغاز من موسكو بشكل مباشر، ولكن الترانزيت إلى مناطق ضفة نهر دنيستر اليسرى أو ما يسمى ترانسنيستريا، قد يستمر في حال وافقت أوكرانيا على ذلك".
بدوره، لفت أونوفريينكو إلى أن ترانسنيستريا تعاني من التبعية لمولدوفا في مسألة الغاز، قائلاً إن "الغاز روسي المنشأ، ولكنّ ثمة تواطؤاً فنياً بين مولدوفا وأوكرانيا لتحديد حصة الغاز لترانسنيستريا"، مقراً، في الوقت نفسه، بأن "كيشيناو معنية بتجنب وقوع كارثة إنسانية في ترانسنيستريا، ولذلك تتعامل بمسؤولية مع هذه المسألة، ونحصل على الكميات المتفق عليها من الغاز، وإن كانت لا تلبي دائماً احتياجاتنا شاملة الصناعات. أضف إلى ذلك أن محطتنا الكهربائية هي المورد الرئيسي للكهرباء إلى مولدوفا بأسعار منخفضة نسبياً، ما يعني أن هناك منفعة متبادلة".
وكانت المرشحة المستقلة لرئاسة مولدوفا الحاكمة السابقة لإقليم غاغاوزيا، إيرينا فلاخ، قد وعدت بأنها ستوفر شروطاً أفضل لإمدادات الغاز الطبيعي في حال فوزها. وقالت فلاخ، خلال لقاء مع موظفي شركة "غاغاوز غاز": "سيتيح الغاز الرخيص خفض التعريفات للسكان وإنعاش العديد من المنشآت الصناعية التي تعد المستهلك الرئيسي للوقود الأزرق".