استمع إلى الملخص
- تواجه الأحزاب السياسية صعوبات في التوصل إلى تفاهمات، مع مخاوف من عدم رغبة السلطة في تنظيم انتخابات شفافة، مما يضع المعارضة أمام تحديات كبيرة.
- تسعى المعارضة لتوحيد جهودها حول مرشح واحد وتطالب بإطلاق سراح المساجين السياسيين وضمان شروط انتخابات نزيهة، في ظل تحديات تتعلق بالحريات والشفافية.
تفصل التونسيين عن موعد الانتخابات الرئاسية التونسية المفترض مسافة أربعة أشهر فقط، إذا صحت ترجيحات هيئة الانتخابات، التي أكدت أن شهر أكتوبر/ تشرين الأول هو الأفضل لتنظيمها. وفيما لم يعلن الرئيس قيس سعيّد عن موعد الانتخابات المحدد أو عن نيته رسمياً الترشح لعهدة ثانية، لا تزال المعارضة التونسية منقسمة وتبحث عن تحديد مواقفها من الانتخابات، من حيث المشاركة والمترشحين واستراتيجية الحملات الانتخابية.
وتكشف مصادر حزبية متقاطعة لـ"العربي الجديد" عن وجود مشاورات متعددة بين الأحزاب حول الانتخابات الرئاسية التونسية، غير أنها لم تقد إلى تفاهمات واضحة لغاية الآن. ومن بين أبرز المرشحين المعارضين، الأمين العام للحزب الجمهوري المعتقل عصام الشابي، ورئيسة الحزب الدستوري الحر المعتقلة عبير موسي، والأمين العام لحزب الاتحاد الشعبي الجمهوري لطفي المرايحي (صدر في شأنه حكم بالسجن ستة أشهر مع تأجيل التنفيذ في قضية الإساءة لرئيس الجمهورية).
وفي السياق، يؤكد القيادي في حركة النهضة وجهة الخلاص الوطني رياض الشعيبي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "موقف المعارضة يتطور ويتحدد بحسب مدى احترام السلطة شروط الانتخابات الحرة والنزيهة. لذلك نراها اليوم في حالة ترقب، خاصة في ضوء الضبابية التي تكتنف المسار الانتخابي". ويوضح الشعيبي، لـ"العربي الجديد"، أن "جبهة الخلاص حددت موقفها بوضوح من الانتخابات، حيث إنها تعتبر أن توفر هذه الشروط والنضال من أجل ذلك سيمهدان لها الطريق لتقديم مرشح من عدمه".
ويضيف المتحدث أن "المشكلة هي أن المناخات السياسية في البلاد لا توحي إلى حد الآن برغبة السلطة في تنظيم انتخابات حرة ونزيهة، وهو ما يجعل الجميع يشعر بانعدام الثقة". وحول ما إذا كان بإمكان المعارضة تجاوز حالة الانقسام بشأن الانتخابات الرئاسية التونسية وإعادة ترتيب أولوياتها، بمعنى آخر تأجيل الخلافات والعمل على استرجاع الحالة الديمقراطية، أم أن الصراعات أقوى من ذلك بكثير؟ يجيب الشعيبي بأن "مقتضى المسؤولية يفرض على المعارضة الالتقاء على مهمة أساسية، وهي إنقاذ الدولة التونسية من خطر الانهيار وتحولها إلى أداة قمع أعمى بيد سلطة شعبوية، لا تقدّر مسؤوليتها في الحكم، ولا تلقي أي اعتبار لمكاسب التونسيين".
ويستطرد: "واقع المعارضة اليوم ليس جيداً، بسبب انقساماتها السياسية، وليس أمامها خيار آخر غير النهوض من جديد، والبناء على المشترك الوطني والديمقراطي والتواضع ونكران الذات، وصولاً إلى عمل نضالي جامع للتصدي لهذا الانحراف في استعمال السلطة". من جهته، يؤكد الناطق الرسمي باسم الحزب الجمهوري وسام الصغير، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "المشاورات مستمرة مع كل المكونات في الساحة الوطنية، وهناك اقتناع بأنه لا بد من اعتماد الانتخابات الرئاسية التونسية محطةً وفرصةً وآليةً للضغط لفرض مناخ انتخابي جديد، وفرض شروط انتخابات نزيهة".
ويقول الصغير إنهم يؤكدون أنه "لا بد من إطلاق سراح المساجين السياسيين، ودعوة هيئة الانتخابات لاتخاذ مسافة بين كل المرشحين، ووضع موعد وروزنامة للانتخابات، لأن غياب ذلك يزيد في تعكير هذه المحطة التي لا تزال في ضبابية لدى الرأي العام ولكل معنيّ بها، وإن لم يحصل ذلك وتتحقق هذه المطالب، فإن الانتخابات الرئاسية التونسية ستكون مزيّفة، ولن يكون هناك مناخ يمكّن كل المتنافسين من أن يفصل الصندوق بينهم بحسب الكفاءة، وبحسب مدى اقتناع الشعب التونسي به".
وبيّن أن "تطور الأحداث وما سمي بقضية التآمر، وما رافقها من خروقات إجرائية وقانونية، جعل المعتقلين في حالة احتجاز قسري، وعطّل الحديث معهم، وتطوير النقاش، وإبداء الرأي في الملف، ومعرفة مدى تفاعل الأمين العام للحزب الجمهوري المعتقل عصام الشابي، وموقفه الدقيق من اقتراح الجمهوري ترشيحه للرئاسية، وهيئة الدفاع لم تعد بإمكانها أن تزور الشابي مثل السابق، الأمر الذي عطّل التواصل معه".
وحول مدى إمكانية توحيد جهود المعارضة حول مرشح واحد، ويمكن أن يكون عصام الشابي نفسه، يؤكد الصغير أن هذا طموحهم، وقد أعلنوا "مساندتهم ودفعهم لكل مبادرة تسعى لتوحيد المعارضة الديمقراطية حول مشروع وبرنامج وتصور مستقبلي، قبل تحديد المرشح"، مبيناً أنهم "ساندوا مبادرة المحامي العياشي الهمامي والمجموعة التي رافقته، وواصلوا مساندة كل المجموعات الأخرى، كمبادرة القوى الديمقراطية، للتباحث حول أرضية مشتركة، ويأملون أن يحصل تقارب بين المعارضة حول تصور لحكم مشترك ثم مرشح مشترك، ويأملون أن يكون عصام الشابي هو المرشح الذي يحصل حوله اتفاق، ولكن إن لم يحصل ذلك، فإنهم سيواصلون العمل للقيام بدورهم للدفاع عن القيم والمبادئ التي يؤمنون بها".
ويبيّن الصغير أن "كل المجموعات والمنظمات والوسائط الحزبية والنقابية والجمعيات وصلت إليها رسائل قمع الحريات، وتضررت من المراسيم القمعية وسالبة الحرية كالمرسوم 54، وحالة الاحتجاج والغضب مسّت تقريباً كل الفئات ومختلف الأوساط من المجتمع التونسي، سواء للتعبير عن رفضها خياراً من الخيارات أو للتعبير عن موقف معين، وبالتالي حالة الضرر مست الجميع، وهناك ملتقيات ومؤتمرات وأصوات من مختلف المجموعات تدعو إلى توحيد كل الجهود والطاقات للتصدي لقمع الحريات ولتكميم الأفواه، اللذين أصبحا السمة المميزة للمرحلة التي نعيشها، وبالتالي هم كونهم حزباً يدفعون للتقارب بين مختلف المجموعات والطاقات لتسقط التباينات ولو مرحلياً، من أجل استرجاع التنافس الديمقراطي النزيه، وتجنب الأخطاء والسلوكيات التي قادت إلى 25 يوليو/ تموز 2021، ولا بد من ترشيد التعامل بين مختلف المكونات والالتقاء نحو تغيير الواقع والتصدي لقمع الحريات".
ويكشف الصغير عن أنه "حصل، أول من أمس السبت، لقاء بين المنظمات والجمعيات، وحصلت لقاءات بين عدد من الأحزاب (كان ثمانية والآن أصبح تسعة)، وهناك مبادرات أخرى، والأفق هو توحيد هذه الطاقات ضمن تنسيقيات أو أطر منظمة، أو التنسيق فيما بينها ضمن مجموعات، فالكل يضغط في إطاره، النقابي أو الجمعياتي، ولكن جميعها تصب في الإطار السياسي، والأحزاب مطالبة بلعب دور أكبر من الدور الذي تلعبه الآن".
والسبت، نظّم حزب التيار الديمقراطي ندوة حملت عنوان "أي انتخابات رئاسية؟"، أكد خلالها الأمين العام للتيار نبيل حجي، في مداخلته، أن "سيف المرسوم 54 مسلط على كل من ينوي الترشح للانتخابات الرئاسية"، متسائلاً عن "إمكانية الترشح في مناخات يطغى عليها الخوف، فالمترشح سيفكر قبل انتقاد المنافس الموجود في السلطة أو حتى تقييم ولايته ونتائج فترة حكمه، كما أن الخوف الشائع لن يسمح بجمع التزكيات من المواطنين الذين يخشون السلطة (من بين شروط الترشح جمع 10 آلاف تزكية من مواطنين أو 10 نواب)، وكذلك، المناخ لا يضمن حرية النشاطات الانتخابية الميدانية، لأن حتى المواطنين سيخشون الحضور والمشاركة".
وتطرق حجي إلى منع المعارضين من الولوج إلى وسائل الاعلام، مشيراً إلى أن أبواب الإعلام العمومي تغلق أمام المعارضين قبل أشهر من الانتخابات الرئاسية التونسية وتُفتح في وجه رئيس الجمهورية، في وقت يجد الإعلاميون في القطاع الخاص أنفسهم بين ملاحقين، ومسجونين، ومهددين، والبرامج السياسية تراجعت ولم يبقَ سوى ثلاث إذاعات تدعو المعارضين لاستضافتهم، وأصبح الإعلام الخاص يتحاشى معارضي السلطة، بمن في ذلك المرشحين المحتملين لمنافسة قيس سعيّد".
وأفاد أمين عام التيار الديمقراطي بأنه "لم تعد هناك هيئات مستقلة ودستورية بعد تعطيل هيئة الاتصال السمعي البصري، وهيئة النفاذ إلى المعلومة، وهيئة مكافحة الفساد، ولم تبق هناك أي هيئة تعديلية، وحتى هيئة الانتخابات فهي هيئة معيّنة من قبل الرئيس". وخلص حجي إلى أنه "إلى اليوم لا نعلم موعد الانتخابات الرئاسية التونسية ولا وفق أي قواعد ستجرى، والمنافس الرئيسي قيس سعيّد هو من سيعيّن موعد الانتخابات وقواعدها، والهيئة الانتخابية معيّنة وغير دستورية، ومرسوم 54 كمم أفواه المعارضة والإعلاميين الشرفاء، والقضاء مرعوب ولا يمكن الوثوق بمراقبة أو تعديل في مرحلة الطعون، والخوف يدب في صدور التونسيين"، مشدداً على أن "هذه الانتخابات، إن وجدت، فلن تحمل معنى انتخابات حرة ونزيهة".