الانتخابات الجزائرية: هاجس المشاركة في استحقاق نتيجته محسومة

07 سبتمبر 2024
خلال الحملة الانتخابية لأوشيش في العاصمة الجزائرية، 3 سبتمبر الحالي (فرانس برس)
+ الخط -

يتوجه الناخبون في الجزائر اليوم السبت إلى صناديق الاقتراع للمشاركة في سابع انتخابات رئاسية تشهدها الجزائر منذ دخول البلاد عهد التعددية السياسية، ويتنافس فيها ثلاثة مرشحين، الرئيس عبد المجيد تبون، ورئيس حركة مجتمع السلم عبد العالي حساني، والسكرتير الأول لجبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش. وبغضّ النظر عن التوقعات التي تؤكد فوز تبون بولاية رئاسية ثانية في الانتخابات الجزائرية فإن الهاجس الأكبر للسلطة والمرشحين جميعهم مرتبط بنسبة المشاركة ومدى إقبال الناخبين على مراكز التصويت، والحفاظ على شفافية الاستحقاق الانتخابي.

ثلاثة مرشحين في الانتخابات الجزائرية

ثلاثة مرشحين يشاركون في الانتخابات الجزائرية من ثلاثة أجيال سياسية مختلفة. يمثّل تبون الجيل الذي ولد في زمن الثورة ما قبل الاستقلال، ويعد حساني من جيل الدولة الوطنية ما بعد الاستقلال، بينما يمثّل أوشيش الجيل السياسي الشاب من عهد التعددية السياسية في الثمانينيات. وينتمي المرشحون إلى ثلاثة تيارات سياسية متباينة من حيث المرجعيات الفكرية، تبون من التيار الوطني، وحساني إسلامي، وينتمي أوشيش إلى التيار الديمقراطي التقدمي.

عز الدين زحوف: هناك بعض التخوف من ضعف إقبال الناخبين

وإذا كانت الانتخابات الجزائرية الحالية بعيدة عن أي مفاجأة سياسية ممكنة في ما يخص الفائز بها، إذ تفصل مسافة كبيرة بين تبون المرشح للفوز بولاية رئاسية ثانية وبأريحية، ومنافسَيه حساني وأوشيش، إلا أن المفاجآت تبقى قائمة في مسائل أخرى في هذه الانتخابات، على غرار نسبة المشاركة في التصويت. وعين تبون خصوصاً على تحقيق نسبة مشاركة أعلى بكثير من تلك التي سجلت في الانتخابات الجزائرية في العام 2019 (39%)، باستغلال المتغيرات السياسية التي حدثت في غضون السنوات الخمس الماضية، وحزمة قرارات اقتصادية ومعيشية، كان قد اتخذها خلال ولايته الأولى، لفائدة فئات مهنية واجتماعية عديدة. ولا تريد السلطة السياسية أن تُفاجأ بنسبة تصويت تقل عن 50% من مجموع اللائحة الانتخابية التي تضم 24 مليون ناخب، ما يعني فشل رهاناتها السياسية في حال بقي معدل العزوف عن التصويت مرتفعاً.

رهان السلطة

وقال النائب في البرلمان عز الدين زحوف، الذي شارك في حملة المرشح حساني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه "من الواضح أن أهم رهان بالنسبة للسلطة، في هذه الانتخابات، هو تحصيل نسبة أعلى للتصويت، لكن خلال فترة حملة الانتخابات الجزائرية كان يلاحظ وجود قلق لدى الناخبين الذين تحدثنا إليهم في أكثر من منطقة. وبعضهم كان من الصعب إقناعهم بضرورة التصويت في الانتخابات الجزائرية، لذلك هناك بعض التخوف لديّ من ضعف إقبال الناخبين، نتيجة بعض الممارسات والعشوائية التي شابت الحملة من قبل بعض السياسيين".

في السياق نفسه، يدخل في حسابات تبون خلال هذه الانتخابات الحصول على نسبة أصوات أعلى من تلك التي حصل عليها في انتخابات عام 2019، حيث كان صوّت لصالحه نحو خمسة ملايين من مجموع ثمانية ملايين صوت، بنسبة 58%، خصوصاً أنه نجح في تطويع خمسة من أحزاب منافسيه في الانتخابات السابقة، حركة البناء الوطني، وجبهة المستقبل، وطلائع الحريات، والتجمع الوطني الديمقراطي، إضافة إلى جبهة التحرير الوطني، التي تشكل في الوقت الحالي حزامه الانتخابي، إضافة إلى استفادته من دعم منظمات المجتمع المدني.

بيد أن منافسيه، حساني وأوشيش، يطمحان من جهتهما للحصول على نسبة مكافئة للحضور والجهد السياسي الذي بذلاه وحزباهما خلال كامل هذا المسار الانتخابي. حركة مجتمع السلم (حصلت في آخر رئاسيات شاركت فيها بمؤسسها محفوظ نحناح، في انتخابات عام 1995، على أكثر من 25%)، وجبهة القوى الاشتراكية (حصل مرشحها حسين آيت أحمد في آخر رئاسيات شاركت فيها عام 1999 على نحو أربعة في المائة). ومع أن المرشحين المنافسين لتبون، حساني وأوشيش، معنيان أيضاً بارتفاع نسبة المشاركة، على اعتبار أنه كلما زاد عدد المصوتين، ارتفعت حصتهما من الأصوات، إلا أن هذين المرشحين يتطلعان إلى حماية صناديق الاقتراع من أي تلاعب أو تزوير محتملين. وحتى ساعات قبل بدء التصويت، كانت مديريات حملة المرشحين في سباق ضد الساعة لضمان حسن توزيع المراقبين الذين يمثلون المرشحين في مراكز ومكاتب التصويت، والذين توكل لهم مراقبة العملية الانتخابية والتبليغ عن أي تجاوزات أو إخلال بنزاهة التصويت أو دعاية لأي مرشح أو توجيه الناخبين للتصويت لمرشح بعينه.

أولوية حساني وأوشيش حماية صناديق الاقتراع من أي تلاعب أو تزوير

وتعد الانتخابات الجزائرية التي تجرى اليوم السبت الثانية التي تشرف عليها السلطة المستقلة للانتخابات في الجزائر، بعد انتخابات ديسمبر/كانون الأول 2019، لكنها تعد أول انتخابات تجربة في ظل قانون انتخابي جديد بالكامل، ودستور جديد عرض للاستفتاء الشعبي في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

وفي المشهد الانتخابي تبرز أيضاً قوى سياسية وكتلة من النشطاء المستقلين، اتخذت مواقف معترضة في هذه الانتخابات، تتوزع على كتلتين، الأولى ترفض المشاركة في التصويت بالكامل، استمراراً لمواقف تتصل بالاعتراض على كامل المسار القائم منذ العام 2019، وتدعو إلى المقاطعة، من دون أن تنشط حملة مقاطعة باتت بنظر السلطات محل ملاحقة قضائية، وتعزز موقفها بما تعتبره إغلاقاً سياسياً وإعلامياً وتراجعاً عن الحريات بشكل تصفه بالخانق في غضون السنوات الخمس الماضية، مقارنة مع ما قبل حراك 2019، إضافة الى استمرار المشكلات الاجتماعية والاقتصادية القائمة. وترى هذه الكتلة أنه لا جدوى من هذه الانتخابات كونها تكريساً لوضع قائم.

وبرأي الناشط نذير كلوز، فإن هناك ما يدفع إلى موقف بعدم التصويت، خصوصاً بعد الحملة الانتخابية التي لم تكن برأيه مقنعة. وقال لـ"العربي الجديد": "أنا لم أنتخب منذ 2001، وفي هذه الانتخابات كنت قررت أن أغير موقفي وأشارك في الانتخابات، وقمت باستخراج بطاقة الانتخاب، لكن عندما بدأت الحملة الانتخابية، لم يقنعني أحد في هذه الحملة، بمن فيهم المرشحان المنافسان حساني وأوشيش، واللذان كان لدي أمل فيهما، لكن خطابهما لم يكن فيه أي نقد للأوضاع خصوصاً في ما يخص مسألة الحريات، كما أن هناك ضرراً كبيراً على المستوى المعيشي".

في السياق، تتوافق كتلة ثانية مع هذا التصور، لكنها تتبنى موقفاً مغايراً، إذ لم تدعُ إلى مقاطعة الانتخابات الجزائرية الرئاسية، لكنها دعت إلى التعبير عن موقف معترض على الأوضاع السياسية والاقتصادية عامة بالتصويت بورقة بيضاء، كموقف سياسي، على غرار الاتحاد من أجل التغيير والرقي (تقدمي)، والذي تقوده زبيدة عسول، والتي لم توفق في جمع التوقيعات للترشح لهذه الرئاسيات. وعلى الرغم من أنها تنتمي إلى التيار الديمقراطي، إلا أنها اختارت بدل دعم المرشح الديمقراطي يوسف أوشيش، الدعوة إلى التصويت بورقة بيضاء. وتلتقي في نفس الموقف مع جبهة العدالة والتنمية (إسلامي) التي يقودها الشيخ عبد الله جاب الله، والتي كان يتوقع أن تعلن دعم المرشح الإسلامي عبد العالي حساني، لكنها اختارت من جانبها دعوة "المناضلين خاصة والمواطنين عامة لممارسة حقهم في الاقتراع بالتصويت بالورقة البيضاء للتعبير عن حالة الرفض لسياسة فرض الأمر الواقع، وللسلوكيات والمواقف المشوهة والضارة بالعمل السياسي عامة وبالفعل الانتخابي خاصة والمساهمة في زرع اليأس".

انتشار أمني مكثف

وقامت السلطات بنشر القوى الأمنية بشكل لافت في العاصمة وكبرى المدن والبلدات لتأمين مراكز ومكاتب التصويت، وتوفير كل الظروف لحسن إجراء الانتخابات الجزائرية من دون أي إخلالات، حيث انتشرت قوات الشرطة عند مراكز التصويت، وفي المحاور الرئيسية على الطرقات، لتنفيذ خطة حماية الانتخابات الجزائرية التي تجرى في ظل ظروف داخلية واجهت فيها الحكومة صعوبات في تنفيذ خطط الإصلاحات، ما تسبب في ارتباك الخيارات الاقتصادية والاجتماعية، نتج عن ذلك قلق من غلاء الأسعار بعض المواد التموينية، وعودة ظاهرة الهجرة غير النظامية، وشكوى المعارضة من التضييق على الحريات. لكن السياقات الإقليمية تبدو أكثر ضغطاً على الجزائر، بحكم التوترات في شمال مالي وشمال النيجر، والتحشيد العسكري لقوات اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر قرب الحدود الليبية الجزائرية، وهي وقائع شكلت مرتكزاً في خطابات المرشحين الثلاثة، ويمكن أن تلعب دوراً في تحشيد الناخبين للتصويت، لتعزيز شرعية المؤسسات والجبهة الداخلية.

ومنذ يوم الاثنين الماضي، كان الناخبون في الجالية الجزائرية في المهجر، البالغ عددهم ما يقارب 900 ألف ناخب، قد بدأوا التصويت في الانتخابات الجزائرية بينما بدأ الأربعاء الماضي تصويت السكان البدو الرحل، البالغ عددهم 116 ألف ناخب، في مكاتب متحركة تصل إليهم، في أقصى الجنوب على الحدود.

المساهمون