الانتخابات الجزائرية: غياب التيار الديمقراطي يعزز فرص الإسلاميين

11 يونيو 2021
ستُجرى الانتخابات الجزائرية غداً السبت (فرانس برس)
+ الخط -

تبدو أحزاب من التيار الإسلامي في الجزائر، عشية الانتخابات النيابية المبكرة، المقررة غداً السبت، خصوصاً حركة "مجتمع السلم" وحركة "البناء الوطني"، في وضع مريح وأكثر الأحزاب المرشحة للحصول على مواقع متقدمة في هذا الاستحقاق. ويعود السبب إلى المؤشرات والمعطيات الإيجابية التي ظهرت خلال فترة الحملة الانتخابية من جهة، وغياب منافسين حقيقيين خصوصاً مع غياب قوى التيار الديمقراطي، وتخلي السلطة عن أحزاب الموالاة، من جهة أخرى.

وبعد تجربة تحالفات انتخابية لم تكن ذات نتيجة جيدة في آخر استحقاقين نيابيين عامي 2012 و2017، قررت الأحزاب الإسلامية الأربعة، "مجتمع السلم" و"البناء الوطني" و"جبهة العدالة والتنمية" وحركة "الإصلاح الوطني"، خوض الانتخابات النيابية المقبلة، كل على حدة. ويبدو هذا التوجه في حد ذاته عبارة عن تقييم للنتائج المتواضعة التي حققتها تجربتا التحالف الانتخابي السابقتان، إضافة إلى أسباب تتعلق بخلافات سياسية وتنظيمية حالت دون عقد تحالفات. ففي عام 2012، شكلت "مجتمع السلم" و"الإصلاح الوطني" وحركة "النهضة"، قوائم موحدة في إطار تكتل "الجزائر الخضراء"، لكن عبء هذا التحالف وقع كله على "مجتمع السلم"، بسبب الضعف الهيكلي والتنظيمي للحركتين الأخريين، من جراء الانشقاقات، ما أدى إلى حصيلة متواضعة بـ48 مقعداً.

الإسلاميون يواجهون منافسة وحيدة من قبل القوائم المستقلة

وفي 2017، انتهى التحالف الإسلامي بين "البناء الوطني" و"النهضة" و"جبهة العدالة والتنمية" إلى حصيلة مخيبة بحصوله على 14 مقعداً، فيما حصلت "مجتمع السلم" منفردة على 38 مقعداً. ويربط بعض المحللين بين حظوظ الإسلاميين وبين الإشارات السياسية التي أطلقها الرئيس عبد المجيد تبون أخيراً حول الاستحقاق الانتخابي، بشأن انفتاحه الكبير على الإسلاميين ودفاعه عن وجودهم السياسي. ويعتقد الأستاذ في جامعة الجزائر حسين دوحاجي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "مؤشرات الحملة الانتخابية تعطي حظوظاً كبيرة للإسلاميين لتصدّر المشهد السياسي، في حال سارت التشريعيات كما وعد تبون بشكل نزيه". ويضيف: "لاحظنا الحضور اللافت للإسلاميين في التجمعات الانتخابية، وأعتقد أن خطاب قيادات هذه الأحزاب يعزز ثقتها في إمكانية الفوز، خصوصاً مع التصريحات الأخيرة لتبون قبل أيام، والتي طمأن فيها الجميع بأن لا مخاوف لديه من وصول الإسلاميين المعتدلين إلى السلطة، ضارباً المثال بالتجربتين التركية والتونسية وغيرهما". لكن دوحاجي يطرح في الوقت نفسه فرقاً لافتاً بين "حظوظ الإسلاميين في الفوز في الانتخابات، وبين حظوظهم في الوصول إلى شراكة حقيقية في الحكم، وتفادي المشاركة الصورية في الحكومة واستعانة النظام بهم لاجتياز المرحلة".

ويرتكز التيار الإسلامي المشارك في الانتخابات النيابية على حزبين رئيسَين، هما حركة "مجتمع السلم"، الأكثر انتشاراً على الصعيد الوطني، وتعد من بين أهم قوى المعارضة السياسية في البلاد، والتي استفادت من إجرائها مراجعات سياسية في علاقتها بالسلطة عام 2012، بعد فك ارتباطها بالسلطة ورفضها المشاركة في حكومات الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. كما تستفيد من موقفها المساند للحراك الشعبي، إذ قاطعت انتخابات 12 ديسمبر/ كانون الأول 2019 الرئاسية، ودعت للتصويت على رفض الدستور الجديد في 1 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. وأيضاً إن "مجتمع السلم" هي الحزب الوحيد، إضافة إلى حزب "جيل جديد"، الذي قدم برنامجاً يعرض رؤية اقتصادية وبدائل تنموية ضمن مشروع أسماه "الحلم الجزائري"، مقبول قياساً إلى ما طرحته الأحزاب الأخرى من خطابات ورؤى غير واضحة.

وتعد حركة "البناء" الحزب الإسلامي الثاني في البلاد (يمثل رسمياً تيار الإخوان في الجزائر)، وهو حزب انشق عن "مجتمع السلم"، ويقوده المرشح الرئاسي السابق عبد القادر بن قرينة. وأبدت هذه الحركة انفتاحاً كبيراً على فئات مجتمعية واسعة في قوائمها المرشحة من إعلاميين وناشطين في المجتمع المدني ورجال أعمال، وهو أمر يمكن أن يخدم "البناء" بقدر ما يمكن أن يصد جزءاً من الكتلة الناخبة عنها. ويبدي هذا الحزب مواقف موالية لتبون، ويظهر في سياق مسعى لاستخلاف أحزاب الموالاة من حيث الموقع والقرب من السلطة. وتأتي في المقام الثالث "جبهة العدالة والتنمية" التي يقودها الشيخ عبد الله جاب الله، وهو حزب يتمركز في منطقة شرقي الجزائر تحديداً، ولم ينجح في الظروف السابقة في تحقيق مكاسب سياسية كبيرة، خصوصاً بسبب المواقف المتشددة لرئيسه جاب الله، ويراهن على الانتخابات لإعادة التموقع في المشهد السياسي. وتُعد حركة "الإصلاح الوطني" الأكثر ضعفاً في نسيج الأحزاب الإسلامية، خصوصاً أنها تورطت في دعم وإسناد مشروع ترشح بوتفليقة لولاية خامسة.

وبخلاف الانتخابات النيابية السابقة التي كان الإسلاميون يواجهون فيها منافسة حادة من قبل أحزاب السلطة، خصوصاً "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي"، والإدارة التي كانت تشرف على تنظيم الانتخابات والتلاعب بالنتائج، فإن الإسلاميين يواجهون هذه المرة بالأساس منافسة وحيدة من قبل القوائم المستقلة التي تحضر في انتخابات السبت المقبل بشكل كبير، بحسب المحلل السياسي سيف الدين عبدي. ويعتبر عبدي في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن "السلطة استبقت قراءة المشهد، وقامت بتلغيم المشهد الانتخابي، وحاصرت الإسلاميين بالقوائم المستقلة في كل الولايات. وهذا يعني أن السلطة تستخدم الإسلاميين لإعطاء مصداقية للانتخابات، من دون أن تتيح لهم الانفراد بالنتائج". ويضيف أن "حظوظ الإسلاميين تبقى محدودة في نطاق كتلتهم الاعتيادية، وظروف العملية الانتخابية وحساباتها بالنسبة للسلطة تعتمد على منح الإسلاميين كتلتهم من دون السماح لهم بافتكاك مزيد من المقاعد من نصيب الكتل في البرلمان".

من المتوقع أن تكون كتلة المستقلين الأكبر في البرلمان

لكن بعض القراءات السياسية، تشير في الوقت نفسه إلى أن القوائم المستقلة لا تملك مشروعاً سياسياً مشتركاً. وهو ما يعني أن الإسلاميين الذين يمكن أن يستفيدوا من التصويت العقابي ضد أحزاب السلطة، وفي غياب الكتلة الديمقراطية التي قاطعت الانتخابات، والضعف اللافت لأحزاب الموالاة التي تخلت عنها السلطة وشهدت نزيفاً كبيراً قبل المرحلة الانتخابية وخلالها، أمام فرصة مهمة لتشكيل قوة مهمة في البرلمان المقبل، إذ ستكون السلطة مجبرة على التعامل معهم بشكل أو بآخر، توازياً مع كتلة المستقلين التي يتوقع أن تكون الأكبر في البرلمان المقبل.

ويؤكد هذه القراءة السياسية أستاذ العلوم السياسية في جامعة ورقلة جنوبي الجزائر، مسلم بابا عربي، الذي يقول في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إن "السلطة لا تملك سوى التعايش مع القوة السياسية التي سيفرزها الصندوق، خصوصاً أن رئيس الدولة يملك بموجب الدستور الحالي كل الوسائل لكبح أي أغلبية برلمانية منافسة له، لكنه قد يكون أكثر احتياجاً لسند سياسي تتكئ عليه حكومته لمواجهة التحديات المقبلة، وقد يجد في أكبر الأحزاب الإسلامية، حركة مجتمع السلم، الشريك السياسي المناسب في حال أحرزت أغلبية برلمانية مناسبة، تمكنها من قيادة حكومة ائتلافية موسعة".

ويشير إلى أن "بعض القوى الإسلامية بدأت في التفكير مسبقاً في ما بعد الانتخابات، يفسره الغزل المسبق والمتبادل بين الرئيس تبون والإسلاميين"، مضيفاً: "يمكن ملاحظة أن رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري، تلقف رسائل الرئيس في تصريحاته الأخيرة بشأن انفتاحه على الإسلاميين وبعث برسائل طمأنة باتجاه السلطة والأحزاب الأخرى، بتركيز حديثه عن حكومة الشراكة واستعداد حزبه للمشاركة في الحكومة وللقبول أيضاً بحكومة وحدة وطنية تضم طيفاً واسعاً من الأحزاب حتى في حال فوز حزبه بالأغلبية. وهي أغلبية تبدو صعبة التحقيق في ضوء النظام الانتخابي الحالي.

المساهمون